قال الدكتور إسلام جمال الدين شوقي، الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، إن قرار الرئيس الأمريكي بزيادة الرسوم الجمركية على الصين إلى 125% كان خطوة غير متوقعة.
وأشار شوقي، في تصريحات لبوابة "دار الهلال"، إلى أن القرار يتضمن تعليقًا لمدة 90 يومًا للرسوم الإضافية المفروضة على بعض الدول التي أبدت استعدادها للتفاوض مع الولايات المتحدة.
وأكد أن هذا التحرك لا يعد مجرد تعديل تجاري بسيط، بل هو رسالة مركبة للداخل الأمريكي من جهة، وللصين وحلفائها من جهة أخرى، مما يشير إلى مرحلة جديدة من التصعيد التجاري التي قد تؤثر على السياسة الدولية وموازين القوى العالمية.
وفصّل شوقي قائلًا إن هذا القرار يُعتبر امتدادًا لسياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى، حيث تبنى شعار "القومية الاقتصادية" ودخل في حرب تجارية مباشرة مع الصين بهدف حماية الاقتصاد الأمريكي من "الهيمنة الصينية" والممارسات التجارية غير العادلة مثل القرصنة الفكرية وإغراق الأسواق.
وأضاف أن ترامب هذه المرة يسعى لمعاقبة الصين بشكل غير مسبوق، بينما يخفف الأعباء الجمركية عن دول أخرى، مُعيدًا بذلك تشكيل التحالفات الاقتصادية وفق معايير سياسية.
وأكد شوقي أن هذه الرسائل تحمل حسابات دقيقة، حيث يحاول ترامب الظهور كزعيم قادر على مواجهة التحديات دون مجاملة، بينما يسعى لكسب دعم الحلفاء الغربيين عبر منحهم امتيازات تجارية قد تتحول إلى دعم سياسي في المستقبل.
مع ذلك، يواجه التحدي الأكبر في كيفية الاستمرار في التصعيد مع الصين دون التأثير سلبًا على المستهلك الأمريكي الذي يعتمد بشكل كبير على المنتجات الصينية.
وأوضح شوقي أن رفع الرسوم الجمركية إلى هذا المستوى سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة من الصين، مما سيؤثر على المستهلكين الأمريكيين.
وعلى الرغم من محاولات الولايات المتحدة تقليص اعتمادها على الصين، فإن سلاسل الإمداد العالمية لا تزال عميقة ومعقدة معها، خاصة في مجالات الإلكترونيات والآلات والملابس والمواد الخام، وبالتالي فإن أي اضطراب في هذه السلاسل قد يؤدي إلى تضخم إضافي في السوق الأمريكية التي تتعافى من آثار جائحة كورونا.
أما تخفيض الرسوم الجمركية إلى 10% لبقية الدول، فقد اعتبره شوقي خطوة ذكية سياسيًا لكنها صعبة التنفيذ عمليًا. هذه الخطوة قد تزيد من شهية الدول المصدرة للسوق الأمريكي، إلا أن استبدال الصين كمصدر رئيسي للمنتجات الرخيصة ليس أمرًا سريعًا ويمكن أن يواجه تحديات عديدة. فقد يؤدي ذلك إلى نقص في بعض السلع وارتفاع تدريجي في أسعارها.
وأشار شوقي إلى أن القرار قد يكون محاولة لبناء جبهة تجارية ضد الصين، مستغلًا شكوك دول عديدة حول نوايا بكين الاقتصادية. من خلال تخفيض الرسوم الجمركية لبقية الدول، يوجه ترامب دعوة لتعزيز العلاقات التجارية مع الشركاء التقليديين للولايات المتحدة، مما قد يضعف القوة التفاوضية للصين ويدفعها للبحث عن أسواق بديلة أو تعزيز نفوذها في الجنوب العالمي.
واختتم شوقي حديثه بالإشارة إلى أن تبعات هذا القرار تتجاوز الاقتصاد لتشمل الجوانب الجيوسياسية أيضًا. فمن المحتمل أن ترد الصين بإجراءات انتقامية تشمل فرض رسوم جمركية على واردات أمريكية أو التضييق على الشركات الأمريكية العاملة في الصين أو تسريع مبادرات الاستقلال الاقتصادي لديها. وقد يؤدي هذا التصعيد إلى تعميق الانقسام العالمي بين معسكر تقوده الولايات المتحدة يتحالف مع شركاء تقليديين وآخر تقوده الصين بعلاقات تجارية متنوعة ومبادرات مثل "الحزام والطريق".
هذا الانقسام قد يعيد رسم النظام الاقتصادي العالمي ويجبر الدول النامية على اتخاذ مواقف مُستقطبة أو استراتيجية مناورة للحفاظ على مصالحها.