بلا أدنى شك، تنسحب الأزمة الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، إثر حرب التعريفات الجمركية بينهما، إلى الساحة السياسية، في توتر لن يتوقف تأثيره على حدودهما، بل سيمتد إلى الصعيد العالمي، لما تحظى به هاتان القوتان العظمتان من هيمنة على الصعيد العالمي.
ورغم أن البلدين يحاولان قدر المستطاع حصر هذه الأزمة في الجانب الاقتصادي، إلا أن الحقائق تؤكد أن هذا لم يتخمض إلا نتاجًا عن أسباب سياسية، يتقدمها ما تشكله الصين من تهديد على الساحة العالمية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
توتر سياسي يمتد إلى الاقتصاد
وعادوت الولايات المتحدة الأمريكية، الأربعاء الماضي، رفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى نسبة 125 بالمائة بشكل فوري، في قرار أرجعه الرئيس دونالد ترامب لعدم احترامها للأسواق العالمية.
في المقابل، قررت الصين الرد بالمثل، حيث أعلنت عن رفع الرسوم الجمركية الإضافية على السلع الأمريكية إلى 125 بالمائة، والتي تدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من 12 أبريل الحالي.
وفي ردها، أكدت الصين أنها سوف تتجاهل أي زيادات أخرى للرسوم الجمركية من الولايات المتحدة، لأن المنتجات الأمريكية لن تجد مكانًا لها في السوق الصينية بوجود الرسوم الجمركية الحالية، بالرغم من أنها أكدت، قبل ذلك بوقت قصير، أنها سترد حتى النهاية في حال استمرت الولايات المتحدة في شن حرب رسوم وحرب تجارية عليها.
وبشكل مؤكد، سيؤثر هذا التصعيد بين البلدين في الجانب الاقتصادي على الصعيد السياسي، كما يقول الدكتور محمد اليمني، خبير العلاقات الدولية، الذي أوضح أن الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب تتعمد التصعيد مع الصين.
ويلفت الدكتور محمد اليمني، في حديث لـ"دار الهلال"، إلى أن التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على كل من الصين وكندا والمكسيك في يناير الماضي، كان المعني منها بالدرجة الأولى الصين، لما تدركه إدارة دونالد ترامب من تأثير هذه الدولة واقتصادها الذي يأتي في المرتبة الثانية عالميًا بعد الاقتصاد الأمريكي.
وأوضح أن هذا يأتي خصوصًا لأن الولايات المتحدة الأمريكية تستورد من الصين أكثر مما تصدر لها، وهذا أمر كافٍ لـ"ترامب" لكي يفرض على إثره التعريفات الجمركية، لافتًا في ذات الوقت إلى أن هذه القرارات بشكل عام تستهدف فرض "أمر واقع" على الدول التي لديها أزمات مع الولايات المتحدة.
وتابع موضحًا حديثه، أن قرارات التعريفات الجمركية، كما شملت الدول التي تجمعها علاقات متوترة أو مضطربة مع "واشنطن"، شملت أيضًا حلفائها سواء من دول حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي.
أمر مرتب
يوضح اليمني، أن التعريفات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على الصين مطلع الشهر الجاري، وما أعقب ذلك من رد صيني، لترد عليه الولايات المتحدة الأمريكية، لتصل نسبة التعريفات الجمركية إلى 125 بالمائة، يؤكد أن هذا كله كان أمرًا مرتبًا له، وليس وليد اللحظة، لأن في فترة دونالد ترامب الأولى، كان هذا الأمر في بادرته، وكان هو يريد الاستكمال، إلا أن وصول الرئيس السابق جو بايدن إلى البيت الأبيض عطّل عليه مساعيه تلك.
وأكد أن ما يحصل الآن بين البلدين لا يمكن أن يسمى إلا "حرب تجارية شاملة" بلا استثناء في العالم، حيث إن ما يفعله الرئيس الأمريكي لا يمكن أن يستوعبه عقل أو حتى الداخل الأمريكي الذي تضرر أيضًا، حيث خسرت شركات كبرى مثل "آبل" و"نايك" عشرات مليارات الدولارات جراء التعريفات الجمركية التي طالت 185 دولة.
احترافية صينية
ويرى خبير العلاقات الدولية، أن الصين تتعامل مع هذه الأزمة باحترافية عالية، حيث تستمر في مجابهة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يعمل على استغلال الأزمة الصينية التايوانية، ويريد أن يفرض له واقعًا جديدًا.
أمريكا العظمى
اليمني أكد، أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت ترى في الصين خطرًا أكبر عليها، خصوصًا في ظل شعار "أمريكا العظمى" الذي يرفعه الرئيس دونالد ترامب، حيث يريد أن يؤكد لكافة الدول أن بلاده ما زالت تسيطر على العالم ومناطق التأثير.
وشدد على أن القرارات التي يتخذها الرئيس دونالد ترامب لا تتوقف عند هذا القدر، موضحًا أنه خلال عام 2025 الجاري "سنسمع ونشاهد" تطبيق أمور لم نتصورها من قبل الولايات المتحدة.
ويوضح أن الرئيس الأمريكي، سواء من خلال التعريفات التي يستهدف بها الدول أو ما نراه من سياسة في الشرق الأوسط من دعم إسرائيل، وكذلك الهجمات ضد الحوثيين، يريد أن يؤكد للعالم أن أمريكا ما زالت بقوة.