في تاريخ الشعر العامي، يبرز اسمان لا ينسا، وصلا لقلوب محبيهم حيث اخترقوا أحلام البسطاء وعاشوا في عالمهم وجسدوا ذلك في مؤلفاتهم، كان صوتهما علاج لآمالهم وآلامهم ووجدانهم، ولكن يبقى الاختلاف بينهم في الأسلوب، ولكن يأتي سهولة الكلام والألفاظ المستخدمة لتبرز التشابه واللقاء بين عمنا صلاح جاهين والخال عبد الرحمن الأبنودي.
لم يكن الشعر العامي والموهبة أو في التعبير الصادق، أو حبهم لمصر هو العامل المشترط فحسب فمثلما ربطهم حب البسطاء والوطن وعلاقة طيبة بيهم، ومحافظتهم على التراث الشعبي، يصادف أن يحل تاريخ الوفاة ليرحلا عن عالمنا في نفس اليوم وذات الشهر، ليذكرانا أن الشعراء الكبار لا ينسوا، وتبقى ذكراهم محفورة في سماء الأدب في شمس لا تغيب.
جمع بين جاهين والأبنودي مناقشة قضية الإنسان المصري البسيط، وتلاقت أصواتهما في الدفاع عنه، وعن أحلامه وكرامته وهويته، كتب جاهين عن الفلاح والعامل والطفل، وصنع من "الرباعيات" مرايا للحزن والضحك والتساؤل، أما الأبنودي، فحمل صعيد مصر في قلبه، وكتب "جوابات حراجي القط" و"الأرض والعيال"، ومنحا للغة العامية فصاحة ورونق خاص بها.
كلاهما غنّى للوطن، بالحب والخوف والأمل، تفرد جاهين بـ "ثورة الشك"، "بالورقة والقلم"، أما الخال بـ عدى النهار"، و"أحلف بسماها" التي تغرد بهما العندليب بجمال مؤلفاتهم وأشعارهم، وتألق ألمع النجوم بسبب قوة وحبكة سيناريوهاتهم، حيث تميز كلا منهما ببصمته المتفردة بها.
كما شكل التنوع الأدبي تقارب كبير بينهما، كان جاهين، شاعر ورسام كاريكتير وكاتب سيناريو، مؤلف فوازير والليلة الكبيرة والرباعيات، أم الأبنودي كان شاعر ومؤرخ للثراث الشعبي، وصاحب السيرة الهلالية.
تشاركا الأثنين في السخرية والحزن والألم المتواري خلف الضحك والنكت المبطنة التي تحمل في طياتها هموم وقلق، وحبهم للوطن، ومعاصرتهم للحظات التاريخية الكبري مثل النكسة والثورة وغيرها.
رغم أن لكل منهم لمسه فريدة راسخة حتى الأن ولكن تبقى الرباعيات والليلة الكبيرة والسيرة الهلالية هي ما تميزهم، فالاختلاف بينهم يظهر في رباعية جاهين التمرد وصراع مع الذات، أما الليلة الكبيرة والسير الهلالية هناك شئ مشترك بينهم وهو المحافظة على التراث الشعبي، ولكن جاهين أهتم بالفلكلور، والأبنودي ركز على تأريخ التراث.