يزخر تاريخنا الثقافي والفني بنجوم مضيئة، عاشت تتلألأ في حياتنا، من مؤلفين وممثلين ومخرجين، ونجومًا خلف الستار، أضافوا الكثير بالتزامهم وإخلاصهم و مواهبهم وإبداعهم في مسيرة المسرح المصري والعربي، وأسعدوا الجمهور بكل ما قدموا، تركوا إرثًا فنيًا في الحركة الفنية المصرية وحفروا أسماءهم في عالم الإبداع بما قدموه بعروض مسرحنا المصري.
ومع بوابة «دار الهلال» نواصل تسليط الضوء يوميًا على رحلة أحد صناع رحلة المسرح المصري على الخشبة، ومن عالم الكواليس، وخلف الستار، ومن المؤلفين والمخرجين، والمشاركين في خلق العرض، و لنسافر معه من خلال سطورنا تحت عنوان «نجوم المسرح المصري».. ونلتقي اليوم مع رحلة كونتيسة المسرح سناء جميل.
وفي حضرة الفن، تتهادى الأسماء العظيمة كأنها نجوم معلقة في سماء الخلود، وتسطع بين تلك النجوم«الكونتيسة» التي وشّحت المسرح والسينما بثوب من الهيبة والبهاء إنها المبدعة أيقونة الفن العربي سناء جميل.
وكانت سناء جميل سيمفونية مشاعر، وعزفًا متقنًا على أوتار الإنسانية، بصوتها المليء بالصدق، ونظراتها التي تخترق جدران القلب، كانت ترسم الشخصيات لا بالأداء وحده، بل بالروح التي كانت تهبها لكل دور.
ونشهد اليوم ذكرى ميلاد الفنانة الكبيرة سناء جميل، حيث ولدت في 27 أبريل 1930م في مركز ملوي بمحافظة المنيا، وانتقلت في طفولتها مع أسرتها إلى القاهرة.
نداهة الفن بالطفولة
أخذت سناء جميل، نداهة الفن، بمرحلة الطفولة، وكانت تشارك خلال في العديد من المسرحيات العربية الفصحى، وباللغة الفرنسية، وتميزت في ذلك، ثم التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرجت عام 1953م.
بداية وتألق مع المسرح
وعملت «سناء» بعد تخرجها مع فرقة فتوح نشاطي المسرحية ثم الفرقة القومية ومنها عرفت الطريق لشاشة السينما خلال فترة الخمسينيات، بالقرن الماضي.
وبدلًا من اسمها الحقيقي «ثريا يوسف عطالله»، اختار لها الفنان زكي طليمات اسمها الفني«سناء جميل» وذلك بعد مشاركتها في مسرحية «الحجاج بن يوسف» ولقبت بـ «كونتيسة المسرح».
وقدمت مع المسرح العديد من المسرحيات منها: «كبارية» 1974م، «كارت بلانش» عام 1970م، «زوجات وأزواج» عام 1969م، «زهرة الصبار»عام 1967م، في دور «الآنسة جيهان»، تأليف: بارييه وجريدي ومشاركة عبد الرحمن أبو زهرة من إخراج كمال ياسين.
وقدمت «سناء» دور «إيناس»، في «صاحب الجلالة» 1955م، وشاركت في «الست عايزة كده» 1955م في دور «فيفي»، وكذلك شاركت أيضًا في مسرحيات «طيور الحب»، «الناس اللي فوق»، «شمس النهار»، «زهرة الصبار».
أدوار لا تنسى
وكانت سناء جميل تتسم بشخصية قوية، كانت من مفاتيح توهجها الفني، و أجادت دور «الأرستقراطية» التي تتحدث الفرنسية بطلاقة، بالمسرح وفي السينما، ومن أدوارها أيضًا المهمة التي جسدتها بالدراما المصرية أيضا الفلاحة زوجة العمدة القوية.
سحر السينما بأدوار قوية
وبدأت سناء جميل، مشوارها في عالم السينما عام 1951م فى فيلم «طيش الشباب»، ولكنها حققت شهرة كبيرة بدور «نفيسة» في فيلم «بداية ونهاية» للأديب العالمي نجيب محفوظ، وللمخرج المتفرد صلاح أبو سيف، وكانت بدايتها الفعلية عام 1960م.
وكان دور «نفيسة» لفنانة المتفردة سناء جميل هو الباب الذهبى لها الذي وصلت به لقلوب الجماهير، وعندما قدمت الدور عام 1960م، بدأت شهرتها واسمها في رحلة الصعود، ومن هنا كانت البداية القوية.
وخلفت رحلة سناء جميل فى عدد كبير من الأفلام والتي تخطت أكثر من 64 فيلمًا من أبرزها «الزوجة الثانية، الشوارع الخلفية، المجهول، سواق الهانم، و اضحك الصورة تطلع حلوة» وغيرهم مثل «أم توحيدة، نساء خلف القضبان، المستحيل، فجر يوم جديد، كدبة إبريل، حرام عليك، بلال مؤذن الرسول».
في ذاكرة السينما المصرية
واختير للفنانة القديرة سناء جميل أربعة أفلام لها في قائمة أفضل 100 فيلم في ذاكرة السينما المصرية فى استفتاء النقاد عام 1996م، وهم «بداية ونهاية، المستحيل، الزوجة الثانية، زينب 1952»، كما حصلت على وسام العلوم والفنون عام 1967م.
الدراما التلفزيونية
وتألقت سناء جميل في الدراما التليفزيونية وحفرت اسمها كأيقونة تلفزيونية خالدة في تاريخ الدراما المصرية وشاركت في«خالتي صفية والدير، البر الغربي، الرقص على سلالم متحركة، الراية البيضا، ساكن قصادي» وغيرهم كما شاركت في العديد من السهرات التلفزيونية منها «الحفرة ».
رحيل وأثرباق
رحلت كونتيسة المسرح «نفسية» الخالدة عن عالمنا في 22 ديسمبر عام 2002م، وذلك بعد صراع طويل مع مرض سرطان الرئة عن عمر يناهز 72 عامًا.
وستظل الفنانة الراحلة سناء جميل رغم الغياب، موهبة، لا تنسى في تاريخ السينما والمسرح والتليفزيون، وأيقونة في عالم التمثيل، وأثرت فى الحركة الفنية والثقافية في مصر لعقود طويلة لها أثرها الباقي الذي لن يزول أبدًا.
وهكذا، تمضي السنون، وتبقى سناء جميل نغمة خالدة في وجدان الفن، تهمس لنا من بين أروقة الذكرى أن الصدق لا يموت، وأن الجمال الحق لا يبهت، رحلت الكونتيسة جسدًا، لكنها بقيت أثرًا لا يُمحى، وصدى لا يخفت في قلوب المحبين وعشاق الفن الأصيل، سلامٌ عليكِ يا سيدة الرقي، ما دام في الأرض فنٌ يُحكى وفي السماء نجمٌ يُضي، رحلت الجسد، وبقيت الروح تتنفس في كل مشهد، وكل كلمة، وكل تصفيق خُطَّ من قلوب العاشقين لفنها الخالد.