لبيك اللهم لبيك .. تنطلق قلوب الحجيج قبل حناجرهم ، تلبى وتكبر .. ترنو أبصارهم إلى الكعبة المشرفة ،يا رب تركنا الدنيا وما فيها ،وجئنا إليك ،منكسرين أذلاء ،معترفين بذنوبنا وتقصيرنا،ليس لنا سواك.
اشتاق لزيارة بيت الله الحرام ، يملؤنى الحنين للوقوف بين يدى خالقى منيبا خاضعا ،أبث إليه همى وحزنى مرددا « أنما أشكو بثى وحزنى إلى الله» ،أهرول ساعيا بين الصفا والمروة كما فعلت أمنا هاجر المصرية عليها السلام ،أم العرب أجمعين،تطأ قدماى الأرض المباركة موطن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن ماذا أكتب فى هذا اليوم العظيم .. سوى عن الحنين إلى الله ،هل أكتب عن الدنيا وهى زائلة، أم أكتب عن هموم وأوجاع الوطن؟ قلت للوطن رب يحميه ولهمومنا وآلامنا له مطلع عليم ..
قلت أكتب عن الحب والاشتياق ،عن النور والصفاء ،عن الرحمة ،والرحمات.
اليوم يوم عرفة خير يوم طلعت عليه الشمس ،تعالوا نطرح الدنيا وراء ظهورنا ،نطرح همومنا وآلامنا ،نرفع أيدينا إلى السماء ،اليوم أحباب الله على عرفات ملبين هاتفين ،»لبيك اللهم لبيك» .. ويرد عليهم هاتف السماء « لبيك وسعديك والجنة تحت قدميك».. هنيئا لكم رضا الرحمن ،هنيئا لكم الفوز بجائزته الكبرى.
دعوة أبينا إبراهيم تتجسد يوم عرفة « رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» هاهم أفئدة الناس تأتى من كل فج عميق تلبية للنداء والدعوة « وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا ، وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق» ها هى التلبية وها هو النداء على الأرض المباركة ،إلى يوم تقوم الساعة.
فى يوم عرفة اخفضوا جناحكم تذللوا للواحد الأحد رب السموات ورب الأرض ،ادعوا وأنتم موقنون بالإجابة ،اعرضوا همومكم ،وأحلامكم ،على الله ، استغفروا لذنوبكم ، لا تقنطوا من رحمة الله أنه لا يقنط من رحمة الله إلا القوم الكافرون، انتهزوا الفرصة ،وفوزوا بالجائزة الكبرى، الغفران والرحمة ، اجعلوا قلوبكم تلين،تخلوا عن الكبرياء وغرور الحياة الدنيا.
انظروا هاهم حجاج بيت الله طلقوا الدنيا ثلاثا لا يستر أجسامهم سوى قطعة قماش غير مخيط ،يرجون عفو الواحد الأحد «ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين».
فى يوم عرفة اسألوا أنفسكم هل تساوى الحياة والدنيا بأكملها أن نغضب أو نحزن ،هل فى الدنيا ما يساوى سجدة خاشعة بين يدى الجبار مالك الملك نبث إليه همومنا ونرجو عفوه وغفرانه؟.
اتجهوا إلى الله بقلوب خاشعة ، طهروا قلوبكم من الحقد والحسد والنفاق والرياء ،سامحوا واعفوا ،إذا كان خالقنا يعفو ويصفح ويغفر ، فمن نحن حتى لا نسامح .
لبيك اللهم لبيك ،لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك .. ابكوا وانتم تلبون رققوا قلوبكم بالبكاء تذكروا ذنوبكم ، وتذكروا رحمة الله عليكم، ادعوا ربكم أن يرزقكم حج بيته الحرام وزيارة مسجد رسوله الكريم.
عار علينا إن تفكرنا فى هذا اليوم فى غير الله وما يرضيه ،عار علينا إن فكرنا فى الدنيا ومتاعها الزائل وتركنا الأخرة ومتاعها الدائم.
فى يوم عرفة لا تنسوا بلدكم فى دعائكم قالوا « اللهم اجعل مصر بلدا آمنا « .. ربنا قلت وقولك الحق « ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» .. اللهم اجعلها بلد الأمن والأمان إلى قيام الساعة ، اللهم أكفها شر اعدائها وشر الفاسدين والمفسدين .
لبوا وشاركوا الحجاج التلبية « لبيك اللهم لبيك».
كتب : طه فرغلى