كتبت كثيرا عن الإخوان، وقلت فيما كتبته إنهم «يهود المسلمين» والحقيقة أن اليهود أمة قد بادت وانتهت وأصبحت من الخرافات التي يجب أن نرويها في القصص الأسطورية مثل قصة المستحيلات الثلاثة، الغول والعنقاء والخل الوفي، ولم يبق منهم إلا صفات خبيثة وزَّعها إبليس على أمم وجماعات وفرق، منها تلك الأمة التي أطلقت على نفسها «أمة اليهود» وما هم بيهود، ولا علاقة أو صلة بينهم والسامية، كما أنهم لا يعرفون الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب، سواء كانت معرفة عقائدية أو تستند إلى الدم فلا نسب يجمعهم بينهم، ولا دين يربطهم بهم.
انتظر لحظة يا عزيزي القاريء، فليست هذه اتهامات أطلقتها أنا على "المتهودين" من فرط غضبي منهم ومن جرائمهم ودمويتهم، كما أنني لست صاحب هذا الكلام، ولكن أصحابه مفكرون وكُتَّاب كبار جدا، كُتَّاب من العيار الثقيل، وطالما أن هذا المقال مخصص لمجلة الهلال فيجب أن أتكلم عن العبقري الراحل جمال حمدان عليه رحمة الله، ذلك أنه كتب كتابا هاما اسمه "اليهود أنثربولوجيا" وهذا الكتاب من مطبوعات دار الهلال التي أصدرته في شهر رمضان من عام 1996، وكان حمدان قد أصدر هذا الكتاب عام 1967 الأمر الذي أحدث قلقا كبيرا في معسكر الصهيونية، وعندما "قُتِّل" حمدان عام 1993 صدر الكتاب مرة أخرى من دار الهلال، ووقتها كتب مقدمته أستاذنا الراحل عبد الوهاب المسيري، وقد وصف المسيري كتاب جمال حمدان عن اليهود بأنه "دراسة عميقة كتبها مثقف مصري هو في الحقيقة فلتة من فلتات العبقرية، لا يكتب إلا من لحظة معاناة وكشف" واستطرد المسيري قائلا: "ولاشك أن جمال حمدان اتبع في دراسته عن اليهود كل الأعراف الأكاديمية والآليات البحثية من توثيق وعنعنة وبذل فيه على صغر حجمه جهدا كبيرا" .
وأحب أن أشير في هذا المقام إلى أن مقدمة عبد الوهاب المسيري لكتاب جمال حمدان أوضحت تأثره الكبير به، بل إنه اقتفى أثره وسار على دربه ونهجه فيما انتهى إليه عندما أصدر موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية" والحقيقة أن جمال حمدان هو مؤسس تلك النظرية وصاحبها، فماذا قال حمدان عن اليهود أو ـ المتهودون ـ :
قال إن يهود هذا العصر لا صلة بينهم وبين يهود أزمنة بني يعقوب، وقد اعتمد جمال حمدان على علم "الأنثربولوجي" وهو علم الإنسان، وقد ظهر لنا من خلال بحثه أن "اليهود" هم شبح، وهذا الشبح ظل يتلاعب بنا إلى أن ولكن وضع بجانبه كل علامات النفي في كل لغات العالم، فلا هذا الشبح من أصول عبرانية، ولا علاقة له بيعقوب أو أبناء يعقوب، ولكنه شبح بربري همجي "تهود" ثم قال للعالم أنا من أبناء يعقوب، أنا من العبرانيين، أنا مؤلف الصهيونية العالمية، والحقيقة الوحيدة التي قالها هذا الشبح هي أنه بالفعل مؤسس الصهيونية العالمية.
لم يقل حمدان هذا الكلام من وحي خياله، كما أنه لم يقم بالوصول إلى النتيجة ثم أخذ يبحث لها عن مقدمات، ولكنه بدأ أولا في هدم الأسس الأنثروبولوجية التى بنى عليها اليهود أكاذيبهم فى أنهم هم أحفاد العبرانيين الأوائل وأنهم بهذه المثابة لهم الحق في أرض فلسطين، وقد استعان جمال حمدان فى بحثه هذا بتاريخ نشأة اليهود وتتبّع تنقلاتهم جغرافياً وشتاتهم القديم والحديث والتغيرات التى طرأت على أعدادهم بالزيادة المفاجئة، ومن الناحية الأنثروبولوجية تتبع صفات الطول ولون البشرة والشعر والعين وغيرها، خاصة ويستحيل عليهم النقاء العنصري، فمنهم الصفر والبيض والسمر والسود، منهم من تراه أوروبيا ومنهم من تراه شرق أوسطيا، ليست سحنتهم واحدة، ليثبت من خلال هذا التنوع والتباين أن اليهود الحاليين ليسوا إلا متهوِّدين، أي من أمم مختلفة اتبعت فرادى أو جماعات الدين اليهودي، بكل آليات وطرق البحث العلمي "أن اليهود الحاليين ليسوا من بني إسرائيل؛ فيهود عالم اليوم مختلطون في جملتهم اختلاطًا يبعدهم عن أيّ أصول إسرائيلية فلسطينية قديمة، ولا يوجد رابط أنثربولوجي بين الجهتين، والرابط الوحيد هو رابط الدين وقد استدل لتأكيد هذا بالصفات الموجودة بين القلة الباقية من اليهود الذين لم يخرجوا من فلسطين".
لم يقف حمدان عند هذا الحد ولكنه نقض وانتقد مقولة اليهود بخصوص نقائهم الجنسي المزعوم، ثم ربط بعد ذلك بين المتهودين والتتار، إذ أثبت أن للتتار دورا مهما في التاريخ اليهودي، إذ قامت منهم دولة في القرن السابع الميلادي هي دولة "الخزر التترية" وهذه الدولة كما هو ثابت تاريخيا تحولت إلى اليهودية في القرن الثامن أيام الملك شارلمان الذي حكم غرب ووسط أوروبا في القرن الثامن الميلادي، ويهود الخزر الذي تكلم عنهم حمدان في كتابه هم من أصول تركية، أو خليط من التتار والترك.
وإذا أردنا أن نضع كل ما قاله حمدان لما وسعنا هذا المقال ولكن قد يظن البعض أن ما ذهب إليه حمدان نابعا من تعصب ديني أو قومي، لذلك فلندع جمال حمدان نائما هادئا في قبره بعد أن ترك لنا ثروته المعرفية لنذهب إلى كاتب آخر هو الكاتب اليهودي الإنجليزي المولود في المجر "آرثر كوستلر" !! نعم كاتب يهودي، وكان منخرطا في الحركة الصهيونية العالمية، هل هناك أكثر من ذلك؟ وهو في ذات الوقت كان أديبا وروائيا، ويكفيه أنه كتب روايته الشهيرة جدا " المصارعون" عن محرر العبيد الشهير "سبارتاكوس" والذي تحوَّل إلى فيلم، وله أيضا روايته الشهيرة جدا "ظلام في الظهيرة" ، ويا للمأساة التي تعرض لها هذا الكاتب اليهودي "سابقا" بعد أن كتب كتابه الأشهر "السبط الثالث عشر" أو "القبيلة الثالثة عشرة" فقد مات مسموما هو وزوجته في لندن، تلك المدينة التي يموت فيها بعض الناس إما بالانتحار بالقفز من الشرفات، او عن طريق الانتحار بتناول السم!! المهم أن مسألة انتحاره المزعومة هذه والتي حدثت عام 1983 كانت بعد سنوات قليلة من كتابه الأشهر هذا "السبط الثالث عشرالذي أثار جدلاً كبيراً عند نشره، إذ قدم فيه كوستلر دراسة موثقة ودقيقة عن أصل اليهود المهاجرين إلى فلسطين ويقول إن هؤلاء ليسوا اليهود العبرانيين، ولا علاقة لهم بيعقوب وأبنائه إنما هم ينتمون في أصولهم إلى مملكة الخزر، وهذا هو نفس الكلام الذي كتبه جمال حمدان بالضبط، مملكة الخزر التركية التترية التي ازدهرت من القرن السابع إلى القرن العاشر الميلادي في منطقة بحر قزوين، وبالتالي لا ينتمي هؤلاء المتهودون إلى أصول سامية شرق أوسطية.
وملخص تلك الدراسة التي انتحر صاحبها بعدها كما يقول البعض، أو تم نحره كما يقول البعض الآخر، يذهب إلى أن "غالبية اليهود العصريين ليسوا من أصل فلسطيني، بل هم من أصل قوقازي" ويستطرد كوستلر قائلا: "إن التيار الأساسى للهجرات اليهودية لم يتدفق من البحر المتوسط عبر فرنسا وألمانيا إلى الشرق ثم العودة مرة أخرى، بل اتجه التيار على نحو ثابت إلى الغرب من القوقاز عبر أوكرانيا إلى بولنده ومن هناك إلى أواسط أوروبا ــ وعندما نشأت في بولنده تلك المستوطنات الجماعية التي لم يسبق لها مثيل، لم يكن هناك في الغرب أعداد من اليهود تكفي لتفسير هذه الظاهرة، على حين كان هناك في الشرق أمة بأسرها تتحرك نحو حدود جديدة ".
ويستطرد كوستلر مضيفا بأنه "من المستحيل أن نحدد النسبة العددية لمساهمة الخزر إلى مساهمات الساميين وغيرهم. ولكن ما تجمّع من البراهين يجعل المرء ميالًا إلى الاتفاق مع إجماع المؤرخين البولنديين على أنه في الأزمنة المبكرة نشأت الكتلة الأساسية من اليهود أصلًا من بلاد الخزر، ومن ثم تكون مساهمة الخزر في التركيب الوراثي لليهود مساهمة جوهرية بل ومهيمنة في كل الاحتمالات.
ويرى كوستلر في كتابه الهام أن أسباب اعتناق الخزر الديانة اليهودية لا يعود أبدا إلى أسباب إيمانية أو عقائدية، ولكنه يعود لأغراض سياسية تبدأ مع إعلانهم الاستقلال عن كل من الإسلام في دولته العباسية، ورغبتهم في التكتل كقوة ثالثة مستقلة، ومن عجب أن النسخ الأصلية لهذا الكتاب قد اختفت من المكتبات الأمريكية، حتى مكتبة الكونجرس اتضح أنه لا الباحثين يقولون إن إدارة المكتبة ترفض تقديمها لهم. ومع ذلك فإن نسخا من هذا الكتاب تم طبعها في المجر، وأيضا في انجلترا، وتمت ترجمة الكتاب من الإنجليزية إلى اللغة العربية.
ألا ترى أننا تحدثنا اليوم عن كاتبين كبيرين أحدهما مسلم والآخر يهودي، قاما بفضح مزاعم يهود اليوم بأنهم هم أصل أهل فلسطين، وأنهم من أبناء يعقوب والأسباط، وهم في الحقيقة مجموعة من الأجلاف الترك أو التتار تهودوا وزعموا لأنفسهم نسبا وأصلا بالسامية، ولو أردنا الاستطراد لكتبنا عن أولئك الكتاب الذين فضحوا مزاعم "أفران الهولوكوست" وإبادة هتلر لليهود، ولكتبنا أيضا عن الكتاب الذين كتبوا عن تزوير المتهودين الحاليين للتاريخ واختلاقهم القصص الكاذبة، ولأوردنا لكم الكتاب الذين فضحوا المتهودين وكشفوا لنا كيف أنهم هم الذين اسسوا الديانات الشيطانية، والماسونية، وديانات الثيلما وعبادات البافوميت، وووووو .
ولكن هذا يحتاج إلى كتاب كبير وأنا أخشى أن أقع منتحرا لسبب أو لآخر من نافذة شقتي التي تقع في الدور الأرضي، رغم أنني لا يمكن أن أذهب إلى لندن بأي حال من الأحوال، مساكم الله بالخير.