تشهد العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي تحولًا لافتًا يتجاوز الأطر التقليدية، مدفوعًا بزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة، والتي اتخذت طابعًا اقتصاديًا محوريًا في توقيت بالغ الحساسية إقليميًا ودوليًا، فقد تزامنت مع الزيارة إعلان حزم استثمارية خليجية ضخمة تتجاوز 3 تريليونات دولار.
ورأى خبراء الاقتصاد خلال حديثهم لـ«بوابة دار الهلال» أن زيارة ترامب لدول الخليج تشكل نقطة انطلاق نحو شراكة اقتصادية أكثر عمقًا، بشرط أن تكون قائمة على المصالح المتبادلة. الاستثمارات الخليجية "دفعة قصيرة الأجل" قد تُستغل سياسيًا
اعتبر الخبير الاقتصادي هاني أبو الفتوح أن زيارة ترامب تهدف إلى جذب رؤوس الأموال الخليجية، تماشيًا مع سياسة "أمريكا أولًا"، مشيرًا إلى أن السعودية والإمارات وحدهما تعهدتا بضخ استثمارات تصل إلى 2.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة.
وقال أبو الفتوح لـ«بوابة دار الهلال» إن هذه التدفقات تمثل دعمًا مهمًا للاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من ديون تتجاوز 36.2 تريليون دولار، مؤكدًا أنها قد تمنح دفعة مؤقتة لأسواق الأسهم، إلا أن السياسات الحمائية التي تتبناها إدارة ترامب قد تُضعف الأثر الإيجابي لتلك الاستثمارات، مؤكدًا ضرورة ضبطه باتفاقيات متوازنة، خاصة أن ترامب يسعى لتعويض التباطؤ الاقتصادي الداخلي برؤوس أموال خارجية.
دول الخليج في موقع تكنولوجي متقدم
من جانبه، أكد الدكتور أحمد معطي، محلل أسواق المال، أن الاتفاقيات الأخيرة تشير إلى تحالف استراتيجي جديد بين دول الخليج وأمريكا، لا يقتصر على الدفاع، بل يمتد إلى التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وأضاف معطي أن السعودية أبرمت صفقات تشمل رقائق متقدمة من شركة "إنفيديا"، وهي رقائق لا تُصدَّر إلى دول كبرى مثل الصين، ما يمنح الخليج مكانة فريدة في خارطة الابتكار التكنولوجي.
وأشار إلى أن الحضور البارز لكبار مسؤولي شركات عالمية مثل "إيلون ماسك" و"إنفيديا" في الاجتماعات الأخيرة، يعكس جدية هذا التحول الاقتصادي، معتبرًا أن الاستثمارات الخليجية يمكن أن تعيد رسم ملامح الاقتصاد الإقليمي والدولي على حد سواء.
تحذير من الانزلاق نحو التبعية
أما الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، فقد اعتبر أن زيارة ترامب تعكس تحولًا استراتيجيًا عنوانه "الاقتصاد أولًا"، مؤكدًا أن دول الخليج تمتلك أدوات استثمارية ضخمة من بينها أصول سيادية بقيمة تتجاوز 4.9 تريليون دولار، وثروات طبيعية هائلة.
وأوضح غراب خلال حديثة لبوابة "دار الهلال"، أن الإمارات والسعودية تمثلان أبرز المستثمرين الخليجيين في السوق الأمريكي، مشيرًا إلى أن زيارة ترامب تمثل محاولة لإنعاش الاقتصاد الأمريكي المتعثر عبر تدفق الاستثمارات الأجنبية، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة أن تحرص دول الخليج على ضمان تحقيق مصالحها، وتجنُّب التبعية الاقتصادية لأي طرف دولي.
التبادل التجاري بين الخليج وأمريكا
وكشفت بيانات حديثة صادرة عن مكتب الإحصاء الأمريكي أن دول الخليج استحوذت على 54% من التبادل التجاري الأمريكي مع الشرق الأوسط خلال الربع الأول من عام 2025، بقيمة 18.8 مليار دولار من أصل 34.7 مليار.
وجاءت الإمارات في الصدارة بـ8.8 مليار دولار بنمو 8.4%، تلتها السعودية بـ5.8 مليار دولار مع تراجع بنسبة 11%، في حين سجلت الكويت أعلى نسبة نمو خليجي بلغت 59%. أما قطر، فسجلت تراجعًا طفيفًا بنسبة 1.2%.
وعلى مستوى الشرق الأوسط، سجلت مصر أعلى نسبة نمو في التبادل التجاري مع أمريكا بلغت 69% لتصل إلى 2.7 مليار دولار، تلتها المغرب بـ16.6%، والبحرين بـ16.7%.
والجدير بالذكر أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان افتتح أعمال القمة الخليجية الأميركية في الرياض، بحضور ترامب، مؤكدًا أن اللقاء يجسد التزامًا مشتركًا بتعزيز الشراكة الاستراتيجية ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
وشدد على أن التعاون مع الولايات المتحدة لا يقتصر على المصالح الاقتصادية، بل يتضمن تنسيقًا في قضايا الأمن الإقليمي والاستقرار العالمي، في ظل التطورات المتسارعة مثل الحرب في غزة والتوتر مع إيران.
خطة لضخ 600 مليار دولار في السوق الأمريكية
في الرياض، شكّلت زيارة ترامب منصة لإطلاق المنتدى السعودي الأمريكي للاستثمار، حيث أعلنت المملكة عن خطة لضخ 600 مليار دولار في السوق الأمريكية خلال أربع سنوات، على أن تُرفع تدريجيًا إلى تريليون دولار.
الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، أوضح أن المملكة تسعى من خلال هذه الخطط إلى توطين التكنولوجيا، وتنمية القطاعات الحيوية ضمن رؤية 2030. من أبرز المشاريع، إعلان شركة "داتافولت" السعودية عن استثمار بقيمة 20 مليار دولار في مراكز بيانات أمريكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب شراكات مع شركات كبرى مثل جوجل وأوراكل وأيه إم دي في مشاريع بقيمة 80 مليار دولار.
1.4 تريليون دولار تدفع الشراكة إلى آفاق استراتيجية
الإمارات من جهتها أعلنت عن خطة استثمارية تاريخية بقيمة 1.4 تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي خلال العقد المقبل، وفق "الإطار الاستثماري الاستراتيجي" المشترك مع واشنطن، فإن القطاعات المستهدفة تشمل البنية التحتية الرقمية، وأشباه الموصلات، والطاقة، والتصنيع المتقدم.
طائرة بـ400 مليون تثير جدلاً قانونيًا في أمريكا
في تحرك غير تقليدي، أعلنت وسائل إعلام أمريكية عن تقديم قطر لطائرة فاخرة من طراز بوينغ 8-747، تُعرف بـ"القصر الطائر"، وقدرت قيمتها بـ400 مليون دولار، الأمر الذي أثارت تساؤلات قانونية داخل الولايات المتحدة في ظل الحظر الدستوري المفروض على قبول الهدايا من حكومات أجنبية.
ودافع ترامب عن القرار مؤكدًا أن الطائرة ستستخدم لأغراض رسمية أو تُضم لاحقًا إلى مكتبته الرئاسية، فيما نفت قطر أن تكون الطائرة "هدية رسمية"، مشيرة إلى أن الأمر لا يزال قيد التباحث مع وزارة الدفاع الأمريكية.