الأربعاء 25 يونيو 2025

ثقافة

حسن الفداوي: "جحا" يتجاوز كونه مصدرًا للتسلية ليصبح رمزًا لعملية تأصيل المعلومة

  • 15-5-2025 | 19:02

جانب من الندوة

طباعة
  • دعاء برعي

قدم الدكتور حسن الفداوي، الأستاذ المتفرغ بقسم العمارة الداخلية بكلية الفنون الجميلة، جامعة الإسكندرية، ورقة بعنوان "جحا في بحر المعلومات السائلة: منارة التأصيل في زمن التشبع".

جاء ذلك خلال ندوة نظمتها لجنة التراث الثقافي غير المادي "الفنون الشعبية" بالمجلس الأعلى للثقافة ندوة "جحا المصري.. تراث ممتد عبر العصور: من التراث إلى الذكاء الاصطناعي"، برئاسة مقررها الدكتور محمد شبانة، وأدارها الدكتور طارق صالح، عميد كلية الفنون والتصميم  "جامعة MSA"، وأستاذ التصميم بكلية الفنون التطبيقية جامعة حلوان، وعضو اللجنة.

وقال الفداوي إننا نعيش في عصر وصفه الفيلسوف زيجمونت باومان بـ"الحداثة السائلة"، حيث تتسمم الحياة المعاصرة بالتحول المستمر وعدم الثبات، وتمتد هذه السيولة لتطال عالم الأفكار والمعلومات، وكما تنبأ مارشال ماكاو هان بأن "الوسيط هو الرسالة"، فإن الوسائط الرقمية اليوم ليست مجرد قنوات، بل هي البيئة التي تشكل وتفيض بملايين الرسائل البصرية والمقروءة والمسموعة، ما يدفعنا نحو "تشبع معلوماتي" وشيك. وهذا الفيضان هو ما يمكن أن نطلق عليه "المعلومات السائلة"، وهو تحدٍّ يستدعي البحث عن نظريات لفهمه والتعامل معه.

وأضاف أن الطرح القائل إن "السيولة قد شبعت الوسط، والوسط بدوره يغرقنا" يجد صداه لدى العديد من المفكرين، فباومان يرى أن هذه السيولة تجعل تكوين فهم راسخ أمرا صعبًا، ويمتد هذا ليشمل تحليلات مفكرين مثل نيل بوستمان، الذي حذر في كتابه "إمتاع حتى الموت" من تحول كل شيء إلى ترفيه سطحي يقلل من قدرتنا على التفكير النقدي. نيكولاس كار في "السطحيون" يوضح كيف أن الإنترنت تعيد تشكيل أدمغتنا لتميل نحو المسح السريع على حساب التركيز العميق، أما بيونغ تشول هان فيرى في "مجتمع الإرهاق" أن هذا الفيضان يؤدي إلى الإجهاد النفسي. وتضيف شوشانا زوبوف في "عصر رأسمالية المراقبة" بعدًا آخر، حيث تُستغل بياناتنا في هذا الوسط المشبع للتأثير فينا، فنغرق في نظام استغلالي، هؤلاء المفكرون، وإن اختلفت مقارباتهم، يتفقون على أن التشبع المعلوماتي له تداعيات سبية قد تصل حد "الغرق" المعرفي أو النفسي.

وتابع: "في خضم هذه السيولة العارمة، حيث يسهل "تسييل" المعلومة - أي نشرها وتداولها بسرعة فائقة بغض النظر عن جودتها ـ تبرز قيمة جوهرية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى: تاصيل المعلومة، والتأصيل يعني العودة إلى الجذور، والتحقق من المصداقية، وفهم السياق، ونقد المحتوى".

واستطرد الفداوي: "هنا تشرق من عمق التراث المصري شخصية فذة، تبدو للوهلة الأولى بعيدة عن تعقيدات العصر الرقمي، لكنها تحمل في طياتها حكمة خالدة: شخصية جحا؛ هذا الرمز الخالد للفكاهة والسخرية، الذي يعكس قدرة مصر الخالدة على الضحك والنقد، يتجاوز كونه مجرد مصدر للتسلية ليصبح، بشكل مدهش، رمزًا لعملية تأصيل المعلومة. فكيف لشخصية هزلية أن تمثل قيمة جادة كهذه؟ الإجابة تكمن في جوهر نوادر جحا، التي تؤكد أن مفردات تكوين تلك الشخصية تقوم على التشكيك البناء، وكشف التناقض والزيف، والبساطة في مواجهة التعقيد المضلل، والتحليل والنقد، وهما مهارتا أساسيتان لتأصيل المعلومة".

الاكثر قراءة