حاز الشاعر العربي أمل دنقل جماهيرية لم ينلها غيره من شعراء معاصريه، ربما لمضمون شعره المنتمي إلى مدرسة الواقعية التي نمت جزورها في الخمسينيات والستينيات على أيدي كبار الشعراء كصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي، وعبد الرحمن الشرقاوي، فكتب قصيدة التفعيلة بمضمون سياسي اجتماعي.
حمل دنقل مع جماهيره آلام الأمة العربية والبسطاء منها، ونهل شعره من تراثهم، وعاصر أحلام العروبة والثورة المصرية، ولمس معاناة النكسة في 67 وانعكس ذلك كله على شعره.. واليوم تحل ذكرى رحيل "أمير شعراء الرفض" الـ42، الذي رحل عن عالمنا في 21 مايو 1983، وصدر له عبر مشواره الأدبي سبعة دواوين شعرية تميزت بالتنوع، بالإضافة لمجموعة أعماله التي نشرت بعد رحيله.
نشأته
ولد أمل دنقل في 1940م لأسرة صعيدية بقرية القلعة، بالقرب من مدينة قنا في صعيد مصر، وكان والده عالمًا من علماء الأزهر الشريف، الأمر الذي ترك أثرًا في أمل دنقل بشكل واضح.
وترجع تسميته أمل كونه ولد بنفس السنة التي حصل فيها والده على إجازة عالمية من الأزهر الشريف، فسماه أمل تيمنًا بالنجاح الذي حققه.
تأثر دنقل في صباه ببحر التراث العربي الذي اطلع عليه في المكتبة الضخمة لوالده الشيخ الأزهري، والتي ضمت كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي ما ساهم في تكوين اللبنة الأولى له، وأثر فقد أمل دنقل لوالده وهو في العاشرة عليه كثيراً وأكسبه مسحة من الحزن انطبعت في كل أشعاره.
حياته
انتقل أمل دنقل إلى القاهرة بعد أن أنهى دراسته الثانوية في قنا، ليلتحق بكلية الآداب ولكنه انقطع عن الدراسة منذ العام الأول كي يعمل، فعمل موظفاً بمحكمة قنا وجمارك السويس والإسكندرية، ثم موظفاً في منظمة التضامن الأفرو آسيوي، وكان دائماً ما يترك العمل وينصرف إلى كتابة الشعر.
دواوينه
تعد أولى أعماله الأدبية ديوان "البكاء بين يدى زرقاء اليمامة"، الذي صدر ببيروت عام 1969، واستوحى قصائده من رموز التراث العربي، وعبر من خلاله عن انكساره وصدمته إثر نكسة 67، وعلى هذا المنوال صدر له ديوانه الثاني "تعليق على ما حدث" في 1971 استكمالًا لاتجاه الديوان الأول.
ونشر دنقل ديوانه الثاني في 1974 بعنوان "مقتل القمر"، وبعدها بعام أصدر ديوانه الرابع بعنوان "العهد الآتى"، وفى القاهرة أصدر ديوانه الخامس بعنوان "أحاديث فى غرفة مغلقة عام 1979"، ثم أصدر ديوانين آخرين في 1983 تحت عناوين "أقوال جديدة عن حرب بسوس"، التي تناول أول قصائده الشهيرة فيه بعنوان "لا تصالح"..
وعبّر أمل دنقل عن مصر وصعيدها وناسها، من خلال منثورته «الجنوبي» التي جاءت ضمن آخر مجموعة نثرية له «أوراق الغرفة 8».
وبعد مرور أكثر من 30 عاما على وفاة دنقل صدر له كتاب جديد بعنوان "أمل دنقل.. قصائد لم تنشر"، يضم عشرات القصائد التي لم يسبق نشرها له، وضم الكتاب عشرات القصائد الطويلة والمتوسطة والقصيرة، معظمها كتبت في بواكير حياة الشاعر، تشير إلى موهبة مبكرة في كتابة الشعر نضجت كثيرا في ما بعد، وتنوعت القصائد غير المنشورة في حياته بين السياسي والقومي والرومانسي والمناجاة.
مرضه ووفاته
أُصيب أمل دنقل بالسرطان وعانى منه ما يقرب من ثلاث سنوات، وتجلت معاناته مع المرض في مجموعته "أوراق الغرفة 8" وهو رقم غرفته في المعهد القومي للأورام الذي قضى فيه ما يقارب أربع سنوات، وعبرت منثورته "السرير" عن آخر لحظاته ومعاناته، وكذا منثورته "ضد من" التي تناولت هذا الجانب أيضًا، إلى أن كتب آخر منثورة له بعنوان "الجنوبي".
رحل أمل دنقل عن دنيانا السبت 21 مايو عام 1983م، وكانت آخر لحظاته في الحياة برفقة د.جابر عصفور، وعبد الرحمن الأبنودي صديق عمره، مستمعاً إلى إحدى الأغاني الصعيدية القديمة.