شهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، اليوم الأربعاء، افتتاح عدد من المشروعات الزراعية، وانطلاق فعاليات موسم حصاد القمح ٢٠٢٥ بمنطقة الضبعة في محافظة مطروح، في مشروع مستقبل مصر الزراعي، والذي يمثل إضافة كبيرة للقطاع الزراعي الصناعي، حيث أكد خبراء في الاقتصاد الزراعي أن المشروع يسهم في التكامل بين القطاعين كذلك يوفر السلع الأساسية الاستراتيجية وعلى رأسها القمح مما يسهم في حماية الأمن القومي المصري.
وفي كلمته اليوم، أكد الرئيس السيسي، أنه في سبتمبر المقبل سيتم إدخال 800 ألف فدان للرقعة الزراعية، معقبًا: هناك عمل يتم على الأرض وسيتم الانتهاء من هذه المشروعات خلال الفترة المقبلة.
وطالب الرئيس السيسي، الجميع بالتعاون من أجل زراعة الـ 800 ألف فدان في شهر أغسطس المقبل، مضيفا: "عندما نتحدث عن تنفيذ مشروع الـ 500 ألف من سيناء، على الجميع أن يكون مستعد، من أجل زراعتهم هذا العام."
وأكد المدير التنفيذي لجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، العقيد الدكتور بهاء الغنام، أن اليوم يعد إيذانا بافتتاح المرحلة الأولى من مدينة مستقبل مصر الصناعية وصوامع تخزين الغلال والحبوب الاستراتيجية صروحا عملاقة جديدة تضاف اليوم بتشريف الرئيس السيسي إلى سجل الإنجازات العظيمة التي تعودنا كل عام بافتتاح ما تم منها محققين طموحات عظيمة في غد أفضل.
إضافة 4.5 مليون فدان
ويقول الدكتور أشرف كمال، أستاذ الاقتصاد الزراعي، إن افتتاح الرئيس السيسي، اليوم، لموسم حصاد القمح، ضمن مشروع "مستقبل مصر للتنمية الزراعية"، يمثل انطلاق مرحلة جديدة تتضح معالمها، حيث يقع مشروع "مستقبل مصر" على مساحة 1.1 مليون فدان، ضمن إطار مشروع الدلتا الجديدة 2.2 مليون فدان، ومن المستهدف الوصول إلى 4.5 مليون فدان إضافي.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن المشروع يتبنى فكرًا شاملًا للتنمية بمعانيها الشاملة، متضمنًا التكامل بين التنمية الزراعية والصناعية والخدمات وغيرها، موضحًا أن القطاع الزراعي دومًا له علاقات مباشرة وغير مباشرة مع القطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى ومنها القطاع الصناعي.
وأكد كمال أن المشروع، يشتمل إلى جانب التنمية الزراعية واستصلاح الأراضي، على مصانع للمركبات والأعلاف وصوامع للغلال ومصانع لتعبئة الفاكهة والخضر، بالإضافة إلى مجمدات الفاكهة، ومصنع للبطاطس، ومحطات لتجهيز الفاكهة والخضر للتصدير، موضحًا أن هذا المشروع يعدّ ضخمًا بكل المقاييس، ولم يكن من الممكن تصور كل تلك الصناعات لولا توفر المواد الخام اللازمة لها، المتمثلة بشكل رئيسي في المنتجات الزراعية.
وأضاف أن المشروع يسهم في الحد من مشكلة البطالة وزيادة نسبة التشغيل بشكل كبير، وكما أشار الرئيس السيسي اليوم في حديثه، يمكن أن يضيف المشروع مئات الآلاف من الأسر إلى قوة العمل بصورة كبيرة ويسهم في توطين مليوني أسرة، وذلك لأن التنمية الزراعية ترتبط بقطاعات اقتصادية وخدمية أخرى عديدة، موضحًا أن المشروع يسعى أيضًا إلى تطوير أساليب الري بشكل كبير، ويغطي مناطق جغرافية واسعة.
وأشار أستاذ الاقتصاد الزراعي إلى أن "مستقبل مصر" يقع في الظهير الصحراوي لخمس محافظات هي: البحيرة، الإسكندرية، المنوفية، الجيزة، ومطروح، كما يدير مشروعات اقتصادية في المنيا وبني سويف والواحات بالفيوم، بالإضافة إلى "سنابل الخير" في أسوان، موضحًا أن المشروع يساهم كذلك في الحد من الأعباء على ميزان المدفوعات عبر توفير الواردات بشكل كبير، فضلًا عن دوره في زيادة الصادرات الزراعية وتوفير العملة الصعبة.
ولفت إلى أن فكرة المدينة الصناعية في مشروع مستقبل مصر الزراعي، تبرز كجزء من التكامل بين الصناعة والزراعة في مكان واحد، مما يُضيف قيمة مضافة للمنتجات الزراعية، موضحًا أن المدينة الصناعية تسهم في زيادة القيمة المضافة بشكل كبير وتدعم التكامل بين النشاط الصناعي والزراعي، وهو ما يعكس فكر التنمية الشاملة، كما أنها توفر تكاليف النقل من المناطق البعيدة، بفضل قرب مناطق الإنتاج من المصانع.
حماية الأمن القومي وتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي
ومن جانبه، يقول الدكتور محمود عنبر، أستاذ الاقتصاد، إن المشروع يمثل إضافة كبرى لقطاعي الصناعة والزراعة، في ظل أهميتهما، حيث أن القطاع الزراعي، أو السلع الزراعية، وتحديدًا السلع الغذائية منها، وبالأخص القمح، لا يختلف أحد على كونها سلعًا استراتيجية، وتمثل هذه السلع أهمية كبيرة للمواطن المصري.
وأوضح "عنبر"، في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أنه بعد أزمة جائحة كوفيد 19 وتعرض العالم، وفقًا لتوصيف صندوق النقد الدولي، لما يُطلق عليه "الإغلاق الكبير"، حيث لم تكن هناك علاقات اقتصادية بين الدول، لا تصدير ولا استيراد، نظرًا لحالة الانحسار التي فرضها هذا الوضع، أدت التداعيات الاقتصادية لهذه الجائحة لرفع تصنيف السلع الزراعية والغذائية من كونها سلعًا استراتيجية إلى كونها سلعًا لها علاقة باعتبارات الأمن القومي.
وأكد أن سلع الأمن القومي، لا ينطبق عليها قانون التجارة الخارجية، الذي يقول إن الدولة إذا كانت تكلفة استيراد السلع من الخارج أرخص أو أقل من تكلفة إنتاجها محليًا، فالمنطق الاقتصادي يقول اختيار الاستيراد من الخارج طالما توافرت النقود، لكن في سلع الأمن القومي، يستوجب الأمر على الدولة إنتاج هذه السلع محليًا، حتى ولو كانت تكلفة استيرادها من الخارج أقل وأرخص، لأنها سلع لها علاقة بالأمن القومي، شأنها شأن السلاح وغيره من الأسلحة.
وأضاف أنه لهذا السبب فالقطاع الزراعي والسلع الاستراتيجية لها علاقة بتأمين اعتبارات الأمن القومي داخل الدولة المصرية، وبالتالي أولت الدولة اهتماما ومضت قدمًا في مثل هذه المشروعات، بدءًا من مشروع المليون ونصف فدان، مرورًا بمشروعات مختلفة لجهاز "مستقبل مصر" في كافة المناطق، هو واحد من الأمور التي استطاعت أن تعطي الاقتصاد المصري قدرًا أكبر من المرونة للتعامل مع الصدمات الخارجية القادمة من الخارج
وأشار إلى أن الدولة المصرية كانت سباقة في التخطيط لكل هذه الأمور بأنها حمت الاقتصاد المصري من إمكانية التعرض لأي أزمات وتهديدات، خاصة وأن التغيرات التي تحدث على المستوى الجيوسياسي تحدث بمستوى كبير من السرعة، ومكمن خطورة هذه الأزمة أنه لا أحد يستطيع أن يتكهن بما يمكن أن يحدث خلال الفترة المقبلة من تغيرات على المستوى الجيوسياسي، لذلك حرصت الدولة على تأمين احتياجاتها وتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بهذه السلع.
ولفت أستاذ الاقتصادي إلى أن المشروعات الزراعية ومنها مشروع مستقبل مصر الزراعي، تُسهم في تحسين كافة مؤشرات الاقتصاد الكلي، سواء فيما يتعلق بالبطالة؛ لأنها المشروعات الأقدر على استغلال أو استيعاب كمية أكبر من العمالة، كذلك تؤثر أيضًا على التضخم؛ لأنه زيادة المعروض من الإنتاج المحلي أو من هذه السلع، أو تحقيق قدر من الاكتفاء الذاتي، يتعارض مع فكرة نقص المعروض وزيادة الأسعار، فيحدث قدر أكبر من استقرار الأسعار.
وشدد على أن الأمر يتعلق بإدارة الدين العام نفسه؛ لأنه هذه السلع المهمة للمواطن، إن لم تكن موفرة محليًا، هذا الأمر سوف يُجبر الدولة على استيرادها من الخارج، وبالتالي تزداد الفاتورة الاستيرادية التي تؤثر على سعر صرف العملة وتؤثر على احتياطي النقد الموجود داخل الدولة، وتؤثر أيضًا حتى على الحصيلة الدولارية للدولة.
وأكد أن القطاع الخاص أيضا هو فاعل مهم في هذه المشروعات، حيث أكد الرئيس السيسي أنه يتم التعامل مع مثل هذه المشروعات بمشاركة وإفساح المجال للقطاع الخاص، وهذا سيضيف كثيرًا للقطاع، اتساقًا مع وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تخصّص جزءًا من الاستثمارات وتفسح مساحة أكبر للقطاع الخاص.