حذرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" من أن ما يمر به العالم حالياً من صراع جيوسياسي يلقي بظلاله على إمدادات المعادن الأرضية النادرة ويهدد سلاسل إمدادها، بات "تهديداً حقيقيا" لابد من الالتفات إليه بجدية ولا ينبغي تجاهله.
وقالت الصحيفة إن العالم لطالما أصيب بنوبات ذعر من نقص المواد الخام الأساسية جراء التحول البيئي إلى الطاقة الخضراء، وتأرجحت الأسباب ما بين تهديد الصين بوقف صادراتها من المعادن الأرضية النادرة وغيرها من المعادن، والارتفاع الهائل في الأسعار العالمية للمعادن مثل الليثيوم والنيكل.
غير أن حالات الذعر تلك سرعان ما مرت على مدار العقود الماضية دون تأثير يذكر، بفعل تأثيرات قوى السوق والقليل من الدعم الدبلوماسي والقانوني.
أما الآن، فإن تكرار الحدث أخيراً يعد الأكثر تهديداً وخطراً على الإطلاق، على حد تعبير الصحيفة، الذي أرجعته إلى فرض الصين لمتطلبات خاصة لإصدار تراخيص على صادراتها لسبعة أصناف من المعادن الأرضية النادرة في 4 أبريل الماضي، ومثلما يتضح من سياق الأحدث، فإنها جاءت رداً على الرسوم الجمركية المضاعفة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب عليها.
وتشير الصحيفة إلى أنه حتى الآن لا يبدو في الأفق أن هناك نقصاً خطيراً تعانيه الأسواق، لكنها حذرت أنه حال نشوب صراع تجارة عالمي حول المعادن فإن الولايات المتحدة تبقى غير مهيأة على الإطلاق لمواجهة ذلك.
وقال كاتب مقال "فاينانشيال تايمز"، آلان بيتي، إن الآونة الأخيرة شهدت نداءات استغاثة متكررة حيال ندرة المعادن. وبات صناع السياسة أكثر قلقاً من الوصول إلى حد الاختناق، أو ما يعرف بـ"عنق الزجاجة"- لاسيما أن الاتحاد الأوروبي يحل في المرتبة الخامسة من مستوردي المعادن الأولية الحرجة - لكن يبقى من الصعوبة بمكان الإشارة إلى أي قطاع تصنيعي في الاقتصاد الرئيسي قد أُصيب بضرر جسيم جراء هذا النقص.
وبرزت قضية المعادن الأرضية النادرة ولفتت انتباه المراقبين، بعدما هددت الصين في عام 2010 بوقف مبيعاتها من تلك المعادن إلى اليابان، رغم أنه لم يكن واضحاً ما إذا كانت الصين قد أوقفت فعلياً صادراتها خلال تلك الفترة.
وقد قفزت الأسعار الفورية للمعادن النادرة "الخفيفة" الأكثر تداولاُ على نحو ملفت. غير أن الرقابة والسيطرة على حركة تلك المعادن ضعفت تحت وطأة التهريب من داخل الصين - في الأقاليم الغنية بثروات المناجم التي افتقدت للقيود الإلزامية - علاوة على زيادة الإمدادات من مناطق أخرى مثل أستراليا، فضلاً عن صدور حكم "منظمة التجارة العالمية" ضد الصين في عام 2014.
وأكد بيتي أن قيود المعادن الأرضية النادرة التي أعلنتها الصين في 4 أبريل تعد أكثر جدية وصرامة؛ فبخلاف المواد الخام بشكل إجمالي، فإنها تضمنت سلعاً نهائية، خصوصاً المواد الممغنطة، التي يُصنِّعها عدد قليل من الشركات الصينية يسهل رصده ومراقبته عبر سلسلة الإمداد. وبخلاف مراقبة الصادرات السابق تطبيقها، فقد قررت الصين فرض متطلبات استصدار تراخيص للمستخدم النهائي للخامات ذات الاستخدامات المزدوجة العسكرية والمدنية، والتي تمنع الشركات الأجنبية من إعادة بيعها لأطراف ثالثة.
ولفت إلى أنه إذا واصلت الصين فرضها لتلك القيود وطبقت الحظر المفروض على مبيعات المعادن الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة، فإن ذلك قد يؤثر على تصنيع المقاتلة الأمريكية "إف-35" إصافة إلى السيارات الكهربائية.
ويطلق على المعادن المشار إليها في الحظر معادن أرضية نادرة متوسطة وثقيلة، وهي نوعيات من المعادن يصعب استخراجها واستخلاصها. ويقول خبراء الصناعة إن زيادة إمداداتها من أماكن أخرى من المرجح أن تستغرق سنوات طويلة، كما أنها قد تستلزم إعادة تجهيز السيارات الكهربائية أو غيرها من سلاسل الإمدادات لاستخدام تكنولوجيات أخرى، وقد قفزت أسعار المعادن الأرضية النادرة الثقيلة، مثل الـ"دايزبروزيوم"، في أعقاب إعلان بكين عن ضوابط مراقبة الصادرات.
وتساءل آلان بيتي حول النوايا الحقيقية من وراء صدور ضوابط التصدير الصينية وما إذا كانت تستهدف بها الولايات المتحدة. ويشير إلى ما ذكرته صحيفة "فاينانشيال تايمز" بأن متطلبات استصدار التراخيص تهدد شبكات الإنتاج في أرجاء العالم، معتبرة أن السلطات الصينية تجاوزت بذلك كافة الحدود. وأشارت إلى أن من بين أول التراخيص التي منحتها السلطات الصينية كانت لموردي شركة تصنيع السيارات الألمانية "فولكسفاجن"، التي تصنع سياراتها في الصين، والتي أعلنت صراحة أيضاً معارضتها لقرار الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم مضادة للدعم على صادرات السيارات الصينية الكهربائية إلى أوروبا.
وقال بيتي "لقد خاطر ترامب بحرب جيواقتصادية مع الصين دون أي محاولة تذكر للاستعداد أو حتى تقييم المخاطر".