ليلتان متواليتان من التصعيد والهجوم العنيف شهدته أنحاء أوكرانيا، خلال الـ48 ساعة الماضية، على وقع الهجمات الروسية التي توصف بأنها الأعنف منذ بدء الصراع في فبراير 2022، في الوقت الذي بدأت فيها الدولتان عملية تبادل للأسرى مع بدء محادثات سلام غير مباشرة في أنقرة نهاية الأسبوع الماضي.
الهجوم الروسي على أوكرانيا
وخلال الهجوم الليلي أطلقت روسيا 367 طائرة مسيرة وصاروخًا - وهو أعلى رقم في ليلة واحدة منذ أن بدء الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، ووفقا لما أعلنته القوات الجوية الأوكرانية ، أطلقت موسكو ٢٩٨ طائرة مسيرة و٦٩ صاروخًا في موجات متعددة، من الغارات الجوية بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية واسعة النطاق في جميع أنحاء أوكرانيا استمرت ليلة السبت وحتى الأحد، وهي الليلة الثانية على التوالي من الهجمات العنيفة في جميع أنحاء كييف.
كذلك أعلنت القوات الجوية الأوكرانية أنها أسقطت 45 صاروخ كروز ودمرت 266 طائرة مسيرة، مع تأثر معظم مناطق أوكرانيا، وتسجيل إصابات في 22 موقعًا.
صرح وزير الداخلية الأوكراني، إيهور كليمنكو، بمقتل ١٢ شخصًا وإصابة ٦٠ آخرين في 13 منطقة للهجوم، كما تضرر 80 مبنى سكنيًا، وتسجيل 27 حريقًا، بينما وكانت حصيلة القتلى السابقة، ١٣ قتيلًا وأصيب العشرات جراء الضربات.
وزعم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن ما وصفه بـ"صمت الولايات المتحدة بعد الهجمات الروسية الأخيرة يُشجع الرئيس فلاديمير بوتين، موضحًا أن فرق الإنقاذ تعمل في أكثر من 30 مدينة وقرية.
قال زيلينسكي: "لا يمكن تجاهل هذا صمت أمريكا، وصمت الآخرين في العالم، لا يُشجع إلا بوتين"، محذرًا من أن "وحشية روسيا لا يمكن وقفها" دون "ضغط قوي على القيادة الروسية."
فيما صرّح أندريه بومهايبوس، رئيس أركان اللواء العملياتي الثالث عشر في الجيش الأوكرامي، قائلاً إن الجيش الروسي: "يحاول تقريب عناصره من خط التماس القتالي وتنفيذ بعض العمليات الهجومية على الأقل، بشكل عام، لا ينجحون في ذلك"، مضيفا أن هناك "تحضيرات واضحة لعمليات هجومية نشطة من الجانب الروسي" الذي وصفه بـ"العدو".
وبعد طرد القوات الأوكرانية من كورسك، المنطقة الروسية التي احتلت أجزاءً منها لأشهر عديدة، يتمركز ما تبقى من القوة الروسية، التي يبلغ قوامها 50 ألف جندي، على الجانب الآخر من الحدود من خاركيف.
لماذا تكثيف الحرب؟
ووفقا لمعهد دراسة الحرب الأمريكي، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستغل الضربات بعيدة المدى ضد المدن الأوكرانية، والحملات الخطابية العدوانية، والتشاؤم المفرط في الغرب بشأن الوضع الميداني في أوكرانيا، في مسعى متعدد الجوانب لإضعاف الروح المعنوية الأوكرانية وإقناع الغرب بأن النصر الروسي في أوكرانيا أمر لا مفر منه وأن دعم أوكرانيا لا طائل منه.
وقال المعهد إن القوات الروسية كثفت ضرباتها بعيدة المدى ضد أوكرانيا خلال الأشهر الثمانية الماضية، ونفذت سبعًا من أكبر الضربات بالطائرات المسيرة والصواريخ خلال الحرب حتى الآن منذ يناير 2025، مضيفا أن القوات الروسية نفذت أكبر ضربة مشتركة بطائرات بدون طيار وصواريخ في الحرب ضد أوكرانيا ليلة 24 إلى 25 مايو.
ووفقا للمعهد فإن الضربة المشتركة التي وقعت في الفترة من 24 إلى 25 مايو تشير إلى أن روسيا قد تخزن صواريخ كروز من أجل تنفيذ ضربات مشتركة واسعة النطاق ضد مناطق متعددة من أوكرانيا حسب الرغبة. وقد تستخدم روسيا أيضًا حزمًا هجومية شديدة التنوع من أجل إرباك القوات الأوكرانية ومنعها من تنفيذ دفاع جوي فعال بشكل مستمر.
وقال إن الكرملين يحاول استغلال حزم الضربات الضخمة والخطابات العدائية المتزايدة لصرف الانتباه عن ضعف أداء الجيش الروسي خلال المرحلة الحالية من الحرب، وكذلك محاولة إثارة مشاعر اليأس في أوكرانيا والغرب، وثني العواصم الأوروبية والولايات المتحدة عن مواصلة مساعدة أوكرانيا.
ترامب يعلق
ورد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في وقت متأخر من أمس الأحد، قائلاً للصحفيين في مطار مورستاون، نيوجيرسي، بينما كان يستعد للعودة إلى واشنطن: "لست راضيًا عما يفعله بوتين. إنه يقتل الكثير من الناس"، مضيفًا: "لا أعرف ما به. ماذا حدث له؟".
وأكد ترامب أنه "غير راضٍ" عن الهجوم وأنه يفكر بالتأكيد في زيادة العقوبات على موسكو، مضيفًا في حديثه عن بوتين: "أعرفه منذ زمن طويل، ودائمًا ما كنت على وفاق معه، لكنه يُطلق الصواريخ على المدن ويقتل الناس، ولا يُعجبني ذلك إطلاقًا".
كذلك قال ترامب في منشور على منصته "تروث سوشيال": "لطالما كانت علاقتي جيدة جدًا مع فلاديمير بوتين، لكن حدث له شيء ما. لقد فقد عقله تمامًا!"، مضيفًا: "لطالما قلت إنه يريد أوكرانيا بأكملها، وليس جزءًا منها فقط، وربما يثبت صحة ذلك، لكن إذا فعل، فسيؤدي ذلك إلى سقوط روسيا!".
وبعد الهجوم الروسي، نشر مبعوث ترامب الخاص إلى أوكرانيا، كيث كيلوج، على X، نشر صورة يُزعم أنها تُظهر دخانًا يتصاعد في سماء العاصمة الأوكرانية ليلًا بعد الهجمات الروسية، وقال: "هذه كييف. إن القتل العشوائي للنساء والأطفال ليلًا في منازلهم انتهاك واضح لبروتوكولات جنيف للسلام لعام ١٩٧٧ المصممة لحماية الأبرياء. هذه الهجمات مخزية. أوقفوا القتل. كتب كيلوج: "أوقفوا إطلاق النار الآن".
وبروتوكولات عام ١٩٧٧ هي تعديلات على اتفاقية جنيف، التي تحدد قواعد السلوك المتفق عليها دوليًا في الحرب.
روسيا تعلن نتائج عمليتها العسكرية
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية عن أنها ألحقت أضرارًا بأهداف، بما في ذلك مطارات عسكرية ومستودعات ذخيرة ومحطات حرب كهربائية، مُدّعيةً وقوع أضرار في 142 منطقة.
وأعلنت روسيا أن ضرباتها كانت تستهدف "المجمع الصناعي العسكري" الأوكراني، وأنها أسقطت 110 طائرات مسيرة أوكرانية.
كذلك أفاد مسؤولون في روسيا أن الرحلات الجوية في مطارات موسكو تعرضت لإغلاق مؤقت بسبب نشاط الطائرات المسيرة الأوكرانية يوم الأحد، لكن لم تُبلغ عن أي إصابات.
تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا
جاء الهجوم، في الوقت الذي أكملت فيه الدولتان المتحاربتان عملية تبادل أسرى واسعة النطاق حيث أعلنت روسيا أنها استبدلت 303 أسرى حرب أوكرانيين آخرين بنفس العدد من الجنود الروس المحتجزين لدى كييف، وذلك في المرحلة الأخيرة من صفقة التبادل المتفق عليها خلال محادثات في إسطنبول في 16 مايو الجاري.
ومثّل ذلك أكبر عملية تبادل أسرى منذ أن شنت روسيا حربها في فبراير 2022 على أوكرانيا، حيث أعاد كل جانب 1000 جندي أسير وسجين مدني.
ردود فعل أوروبية
ودعت كبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إلى "ممارسة أقوى ضغط دولي على روسيا لوقف هذه الحرب"، موضحة أن "هجمات الليلة الماضية تُظهر مجددًا أن روسيا مُصممة على المزيد من المعاناة وإبادة أوكرانيا".
كما أدان وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول الهجمات، قائلا إن "بوتين لا يريد السلام، بل يريد مواصلة الحرب، ويجب ألا نسمح له بذلك. لهذا السبب سنوافق على فرض عقوبات إضافية على المستوى الأوروبي".
كما صرح وزير الدفاع الهولندي، روبن بريكلمانز، يوم الأحد، في برنامج حواري تلفزيوني هولندي، بأن هولندا سترسل آخر طائرة من أصل 24 طائرة مقاتلة من طراز F-16 إلى أوكرانيا يوم الاثنين، موضحا أنه تم تسليم أول ٢٣ طائرة هولندية من طراز إف-١٦ صيف العام الماضي.