الأربعاء 30 يوليو 2025

فن

في ذكرى رحيل علية الجباس.. ممثلة صنعت من الصدق بطولتها الخاصة

  • 29-5-2025 | 02:44

علية الجباس

طباعة
  • لؤلؤة النجمي

في عالم مزدحم بالأسماء والضوء والضجيج، هناك من يرحلون في هدوء، كما عاشوا. لكن بصمتهم تبقى، ليس لأنها مدعومة بالبطولات أو الجوائز، بل لأنها تركت أثرًا إنسانيًا لا يُمحى.


و تحل اليوم ذكرى وفاة علية الجباس، سوف لن نسترجع فقط مسيرة فنية، بل نستعيد ملامح امرأة اختارت أن تكون حقيقية في زمن يُكافئ الزيف، وأن تُؤدي بشرف في مهنة يعلو فيها الصوت على المعنى.

 

الوجه الذي يشبهنا

ربما لم تكن علية الجباس من نجوم الصف الأول في التصنيف الإعلامي، لكنها كانت من الوجوه التي يثق بها المشاهد، ويشعر أنها تشبهه.
لم تدخل البيوت عبر ضجيج الترويج، بل من خلال مشاهد صادقة، وأدوار لم تكن براقة، لكنها كانت شديدة الحياة.

في كل شخصية قدمتها، كانت هناك امرأة نعرفها: الجارة، المعلمة، الأم، الزميلة، أو حتى الغريبة التي تترك فينا أثرًا عابرًا. أدّت هذه الأدوار دون تجميل أو افتعال، فبدت كأنها لا "تمثّل"، بل تحكي قصتها.

الممثلة التي فهمت أن التفاصيل تصنع الكبار

علية الجباس لم تكن تسعى للبطولة المطلقة، لكنها فهمت ما لم يفهمه كثيرون: أن التفاصيل الصغيرة تصنع الفارق.
نظرة عين، نبرة صوت، طريقة جلوس أو وقفة — كلها كانت أدوات تتعامل معها بدقة الجراح، فتصنع من مشهد قصير تجربة كاملة.

في "سجن النسا"، وفي "ذات"، وفي عشرات المسلسلات الأخرى، كانت ملامحها وحدها كافية لتمنح الشخصية عمقًا وتاريخًا، دون أن تقول الكثير. أداءها لم يكن يستعرض، بل يُصغي ويصبر حتى يصل.

الصدق الذي لا يُصنع

ما يميز الفنان الحقيقي أنه لا يصطنع الصدق، بل يملكه بالفطرة. هذا ما كان واضحًا في كل ما قدمته علية الجباس. كانت تملأ الشاشة بحضور هادئ، لكنه لا يُنسى، تمامًا كما تفعل الشخصيات المؤثرة في حياتنا اليومية: لا تملأ المشهد، لكنها تملأ الذاكرة.

غياب جسد... وحضور لا يغيب

برحيلها، خسر الوسط الفني واحدة من أكثر ممثلاته التزامًا وصدقًا. لكن الجميل في الفن الحقيقي أنه لا يرحل مع الجسد.
علية الجباس باقية في المشاهد التي نعيد مشاهدتها فنشعر بنفس التأثر. باقية في ملامح الشخصيات التي أحببناها دون أن نعرف لماذا أحببناها. باقية لأن من يصدق في فنه، يترك أثرًا لا يزول.

فنانة لم تبحث عن المجد، فصار المجد حليفها

علية الجباس لم تلهث خلف أدوار البطولة، ولم تضع شروطًا على مساحة الدور. كانت تؤمن أن قيمة الفنان تقاس بما يضيفه للدور، لا بما يأخذه منه. ولهذا، مهما صغر حجم المشهد، كانت تملؤه.

في ذكرى رحيلها، لا نبكي الفقد فقط، بل نحتفي بنموذج نادر لفنانة لم تنحنِ للسطحية، ولم تساوم على صدقها، فبقيت رغم الغياب.

تحية لعلية الجباس... التي غابت الجسد وبقيت في القلوب

هناك فنانات يُذكرن بالضوء، وفنانات يُذكرن بالأثر. وعلية الجباس من الفئة الثانية — من الذين لا تتزاحم حولهم الكاميرات، لكن تلتف حولهم القلوب.
في كل عمل تركته، كانت الرسالة واضحة: أن الفن لا يحتاج إلى ضجيج، بل إلى ضمير. وهذا ما كانت عليه، وهذا ما ستظل تذكر به.

 

الاكثر قراءة