في عالم التحاليل والأشعة، لست مريضًا، أنا مشترك دائم، زبون ساق له كارت خصم، ومكان محفوظ في الصف الأول.
صباح اليوم كنت جالسًا، أو بالأصح مترنحًا، أمام عيادة سحب عينات الدم، استعدادًا لتحليل جديد ينضم إلى سيرتي الطبية الذاتية.
وبجواري فاتن، شقيقتي الصغرى، لادغة في الراء وكوميدية من الدرجة الأولى، دائمًا تحاول إنعاش يأسي بالأمل، هي: "مش بس أختي المرافق، دي لجنة تقصي حقائق متحركة على الأرض"، ما تصدق تلاقي مريض جنبها إلا وتبدأ التحقيق: "بتعاني من إيه؟ بقالك قد إيه؟ والتحليل النهاردة ليه؟!".
نفسها تبشرني بحالات شفاء. فاتن "مش بتطمني، هي بتحاول تقنعني إن فيه أمل، بس للأسف" أملها دائمًا ناقص، مثل الجرعة التي تنقص من العلاج في آخر لحظة.
المشهد بدأ عندما قابلنا سيدة هزيلة، ملامحها وجسدها بيحكي حكاية عمر كامل من التعب، ظهرها مثل قوس قزح معوج، تشعر وكأنها منتهية من خناقة.
"ماسكة عصاية كأنها بتسند جبلين من الألم، وطبعًا فاتن دخلت في الموضوع فورًا: "أنتِ جاية مع حد يا حاجة؟!".
الحاجة: "آه، مع صاحبتي، كنا بنتعالج سوا، وخفّينا الحمد لله".
نظرت لي شقيقتي بنظرة "شايف.. الناس بتخف"، وأنا ما زلت أتمعن النظر في الحاجة، ولا أدري هل بالفعل شُفيت من المرض، أم هو زهق منها.
واستطردت فاتن التحقيق: "بقالك قد إيه بتتعالجي؟" وهنا الصدمة، أجابت: "من 20 سنة يا بنتي!".
هنا ضحكت، ليس للسعادة، بل ضحكات ساخر من حظي، وهنا تحدثت: "أنا لسه في السنة الثانية، يعني قدامي 18 سنة علاج قبل ما أطلع معاش من العيادة"!
الحاجة بدأت تحكي عن فشل كلوي، قصور في الكلى، هشاشة عظام، ونظر، حتى استكملت العلاج بالتقسيط، ما الكيماوي أو الكيمو كو كما أطلق عليه: "مش بيعالج، دا بيجرب معاك كل الآثار الجانبية اللي في الكتالوج"!
والنتيجة: الحاجة خفّت، بس الحقيقة إن مفضلش منها غير التحاليل.
هذا الوحش، السرطان، "ما بيحبش حد، وما عندوش ذوق، ولا حتى بيمشي بالقسط، بيهجم بكل قوته، يا تاخده يا ياخدك".
وإحنا قاعدين نستنى في طوابير الأمل، نسمع عن حقن سحرية وعلاجات خارقة، كلها في الأخبار، أو على لسان دكتور يعلن إن عنده العلاج، بس تكتشف في الآخر إن العلاج الحقيقي هو الأمل. أعذروني على العامية، أردت أن أنقل لكم حوار فاتن والحاجة كما دار بالنص.