تشير الخطوات التي أعلنتها الحكومة ممثلة بوزارة الاستثمار والتجارة الخارجية إلى توجه استراتيجي مدروس يهدف إلى تحفيز الاقتصاد الوطني من خلال خريطة استثمارية شاملة ومحددة الأهداف القطاعية على مدى 10 سنوات وهو ما يعكس انتقالا من نهج الاستجابة العشوائية للفرص إلى سياسة استباقية قوامها التخطيط طويل الأجل والاستهداف المحسوب لرؤوس الأموال الأجنبية والمحلية ويعد الإعلان عن إعداد خريطة استثمارية تغطي عقدا من الزمن تحولا نوعيا في منهج إدارة الاستثمار إذ يسعى إلى بناء بيئة استثمارية مستقرة ومتوقعة وهي من أهم عوامل جذب المستثمرين.
كما تقلل الفرص المسبقة التراخيص والموافقات بشكل مباشر من مخاطر التأخير الإداري والبيروقراطي وتزيد من جاذبية المشاريع خصوصا للمستثمر الأجنبي الباحث عن سرعة الإنجاز وتوضيح الأطر القانونية ويعكس توجها نحو تنويع القطاعات الاستثمارية بما يعزز من مرونة الاقتصاد المصري وقدرته على امتصاص الصدمات الخارجية من ناحية أخرى فإن الإعلان عن مشروعات بقدرة 30 ميجاوات وتوطين صناعة الهيدروجين الأخضر مع استهداف جذب 100 مليار دولار يضع مصر في مسار التحول إلى مركز إقليمي للطاقة النظيفة ويواكب التوجه العالمي نحو خفض الكربون ومضاعفة الغرف الفندقية بإضافة 120 ألف غرفة يسهم في رفع القدرة الاستيعابية للقطاع السياحي وتنشيط الاستهلاك المحلي والخارجي ما يدعم ميزان المدفوعات ويدر عملة صعبة مستدامة ويعكس توسيع البنية التحتية الصحية بإضافة 140 ألف سرير واستهداف استثمارات تتراوح بين 30 و40 مليار دولار الاستجابة لطلب اجتماعي متزايد وتحفيز شراكات القطاع الخاص ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل ويمثل التركيز على جذب 10 شركات عالمية وتوطين صناعات جديدة مع اعتماد آليات حوافز قوية كصندوق رد الأعباء يمثل نقلة نوعية نحو التصنيع التنافسي وزيادة القيمة المضافة محليا ويبرز الاستثمار في مراكز البيانات والبرمجيات وأشباه الموصلات محاولة مصر اللحاق بركب الاقتصاد الرقمي العالمي ويعزز الصادرات الرقمية ويوفر فرص عمل نوعية أما توجيه استثمارات من 10 إلى 30 مليار دولار لتحلية المياه فيعكس إدراكا متقدما لأهمية الأمن المائي كركيزة تنموية واستثمارية مستقبلية خصوصا مع تحديات ندرة المياه.
لاشك إنها خطة طموحة وإن قدر لها التنفيذ كما أعلنت فتسهم في رفع معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مستويات قياسية وخلق ملايين فرص العمل في قطاعات ذات نمو مرتفع وتعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي من خلال قطاعات إنتاجية وكذلك زيادة الإيرادات الضريبية وغير الضريبية للدولة وتحقيق تحسن تدريجي في ميزان المدفوعات وتخفيف الضغط على العملة المحلية ومن هنا يتضح أن الخريطة الاستثمارية ستمثل نقطة تحول استراتيجية في جهود جذب الاستثمار لكنها تتطلب ضمانات تنفيذية حقيقية تتعلق بالحوكمة والاستقرار التشريعي وتحسين مناخ الأعمال واستكمال البنية التحتية والخدمات الداعمة والنجاح في ذلك سيعني تعزيز مكانة مصر كمركز اقتصادي إقليمي واستثماري جاذب في قلب الشرق الأوسط وأفريقيا.