الثلاثاء 10 يونيو 2025

تحقيقات

خبراء: الآلية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات بغزة "طعم قاتل" للفلسطينيين

  • 3-6-2025 | 18:32

غزة

طباعة
  • محمود غانم

في سابقة غير مسبوقة، استخدمت إسرائيل آليتها لتوزيع المساعدات، على مدار أسبوع كامل، كطُعم لاستدراج الفلسطينيين الجوعى وقتلهم، بدلًا من إنقاذهم من المجاعة الخانقة التي يشهدها قطاع غزة نتيجة الحصار المشدد، في إطار حرب الإبادة المستمرة منذ 20 شهرًا.

ومنذ يوم الثلاثاء الماضي، استُشهد 102 فلسطيني وأُصيب 490 آخرين، نتيجة استهدافهم من قِبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في محيط مراكز توزيع المساعدات الأمريكية-الإسرائيلية المنتشرة في القطاع، بحسب ما أفاد به المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

وفي أحدث هذه الهجمات، ارتكب جيش الاحتلال، صباح اليوم، مجزرة جديدة قرب مركز لتوزيع المساعدات في محافظة رفح، أسفرت عن استشهاد 27 فلسطينيًا كانوا يبحثون عن الغذاء، وإصابة أكثر من 90 آخرين بجراح متفاوتة.

وكان أمرًا متوقعًا في الأساس، أن تستخدم إسرائيل آليتها لتوزيع المساعدات في قتل الفلسطينيين، بينما الغريب، هو أن تتولى هي مسؤولية تحسين الأوضاع الإنسانية للمدنيين الواقعين تحت إبادتها.

من جهته، أقر الجيش الإسرائيلي بمسؤوليته عن قتل هؤلاء الفلسطينيين، مدعيًا أنه رصد بين الحشود "عناصر مشتبهًا بهم".

وفي تعقيبها على ذلك، أكدت حركة حماس، أن "استهداف الجوعى في لحظة بحث عن القوت، يكشف طبيعة هذا العدو الفاشي الذي يستخدم الجوع والقصف سلاحين للقتل والتهجير، ضمن مخطط ممنهج لتفريغ غزة من سكانها"، حسب قولها.

وكيف لمن يقتل أن يُطعم؟!.. ذاك ما أثاره خبراء دوليون، في حديثهم لـ"دار الهلال"، مؤكدين أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، عبر آلية توزيع المساعدات المزعومة، يتفنّن في قتل الفلسطينيين، بطرائق لم يسبقه إليها أحد.

وعدّ الخبراء المختصّون في القانون الدولي، هذه الآلية تصعيدًا خطيرًا، يقوم الاحتلال عبرها بتوظيف الطعام كطُعم لقتل الفلسطينيين واستهدافهم، في خرق واضح للقوانين والمواثيق الدولية.

نمط إجرامي منهجي

وفي معرض حديثه لـ"دار الهلال"، يدين الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، بأشد العبارات الاستهداف المتكرر للقوات الإسرائيلية للمدنيين الفلسطينيين أثناء انتظارهم المساعدات الإنسانية، واصفًا هذا السلوك بأنه "تطبيق عملي لسياسة الإبادة الجماعية من خلال تحويل المساعدات إلى فخ للموت".

وأكد الدكتور مهران، أن الاستهداف المتكرر للمدنيين قرب مراكز توزيع المساعدات ليس حوادث معزولة أو أخطاء عسكرية، بل نمط إجرامي منهجي يهدف لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية محددة، قائلًا: إنه عندما تتكرر هذه الجرائم بنفس الطريقة وفي نفس الظروف، فإننا أمام استراتيجية إجرامية واضحة وليس أخطاء عارضة.

وأوضح أن هذا النمط يكشف عن نية إجرامية واضحة لاستخدام الجوع والحاجة للطعام كوسيلة لاستدراج المدنيين إلى مناطق القتل، مضيفًا: إسرائيل تدرك تمامًا أن المدنيين الجوعى سيتجمعون قرب مراكز التوزيع، وتستغل هذا اليأس الإنساني لتنفيذ مجازر جماعية.

وحول توظيف الآلية الأمريكية لتوزيع المساعدات كأداة حرب، أكد الدكتور مهران، أن ما نشهده يمثل انتهاكًا جسيمًا لجميع المبادئ الأساسية للعمل الإنساني المنصوص عليها في القانون الدولي، متابعًا: تحويل المساعدات الإنسانية من حق أساسي للمدنيين إلى أداة للسيطرة والقتل يشكل جريمة ضد الإنسانية بكل المعايير القانونية.

وأشار إلى أن الآلية الأمريكية الجديدة تخدم أهدافًا عسكرية إسرائيلية واضحة من خلال عدة آليات إجرامية، موضحًا أن وضع مراكز التوزيع على بُعد 300 متر فقط من القواعد العسكرية الإسرائيلية ليس صدفة، بل تصميم متعمد لتسهيل عمليات القتل الجماعي.

وحدد الدكتور مهران الانتهاكات القانونية المتعددة في هذه الممارسات، مؤكدًا أنها تنتهك المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف التي تحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، كما تنتهك المادة الثامنة من نظام روما الأساسي التي تجرم استهداف المدنيين والمساعدات الإنسانية.

كما أوضح أن إجبار المدنيين على الخضوع لأنظمة المراقبة "البيومترية" والتفتيش الذليل كشرط للحصول على الطعام ينتهك الكرامة الإنسانية المكفولة في المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، معتبرًا أن هذا النظام يحول البشر إلى مجرد أرقام في قاعدة بيانات إسرائيلية للمراقبة والاستهداف.

دفع نحو التهجير

ويلفت الدكتور مهران، إلى أن هذه الممارسات تخدم الاستراتيجية الإسرائيلية للتهجير القسري للفلسطينيين، مشيرًا إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الصريحة حول رغبتهم في إفراغ غزة من سكانها، قائلًا: عندما يصبح الحصول على الطعام مغامرة بالحياة، فإن الهدف واضح - إجبار السكان على الفرار لإنقاذ أنفسهم.

وأكد أن استخدام المساعدات كأداة للتهجير القسري يشكل انتهاكًا صارخًا للمادة السابعة من نظام روما الأساسي التي تجرم التهجير القسري كجريمة ضد الإنسانية، مشيرًا إلى أن ما نشهده في غزة هو تطبيق عملي لمفهوم التطهير العرقي باستخدام الجوع والخوف كأسلحة.

وانتقد الدكتور مهران بشدة ما يسميه البعض "نظام الحلابة" في آلية التوزيع، والذي يجبر المدنيين على العبور فردًا فردًا تحت المراقبة والتهديد، قائلًا: هذا النظام مصمم لكسر الكرامة الإنسانية وبث الرعب في نفوس المدنيين، مما يحولهم من أصحاب حقوق إلى متسولين للبقاء على قيد الحياة.

ورأى أن إجبار كبار السن والمرضى على الحضور بأنفسهم دون إمكانية التفويض يشكل تمييزًا واضحًا ضد الفئات الأكثر ضعفًا، مبينًا أن هذا الإجراء يهدف لاستبعاد أكبر عدد ممكن من المحتاجين، مما يزيد من معاناتهم ويدفع بعضهم للموت جوعًا.

ترخيص مفتوح لارتكاب المجازر

وحذر الدكتور مهران من غياب أي ضمانات لعدم تعرض المدنيين للاعتقال أو القتل أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات، واصفًا هذا الأمر بأنه ترخيص مفتوح للقوات الإسرائيلية لارتكاب المجازر، موضحًا أنه عندما تكون النتيجة المتوقعة لطلب الطعام هي الموت أو الاعتقال، فإننا أمام جريمة إبادة جماعية واضحة.

ولفت إلى أن منح القوات الأمريكية حق الاستجواب والتحقيق مع المدنيين يحول المنطقة إلى معتقل مفتوح تحت الإدارة الأمريكية-الإسرائيلية المشتركة، مؤكدًا أن هذا يخالف جميع مبادئ السيادة الوطنية والقانون الدولي.

وطالب الدكتور مهران المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لوقف هذه الجرائم المستمرة، مؤكدًا أن الواجب القانوني يحتم على جميع الدول اتخاذ إجراءات عملية لمنع الإبادة الجماعية. وحدد مطالب عاجلة تشمل:

• الوقف الفوري للآلية الأمريكية واستبدالها بنظام إنساني حقيقي تديره منظمات دولية محايدة مثل الصليب الأحمر الدولي والأمم المتحدة، وفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية شاملة على إسرائيل تشمل تجميد الأصول ومنع الأسلحة والمقاطعة التجارية.

• إرسال قوة حماية دولية عربية لضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومستقل، وتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة في جرائم الحرب الإسرائيلية مع إحالة المسؤولين للمحكمة الجنائية الدولية.

واختتم الدكتور مهران حديثه برسالة تحذيرية للمجتمع الدولي، قائلًا: ما يحدث اليوم في غزة سيُذكر في التاريخ كواحدة من أبشع جرائم القرن الحادي والعشرين، مشيرًا إلى أن العالم الذي يقف صامتًا أمام تحويل الطعام إلى سلاح للقتل الجماعي، سيحاسبه التاريخ على تواطئه مع الإجرام.

وأكد أن الشعب الفلسطيني يواجه اليوم محاولة إبادة منهجية تستخدم أحدث الأساليب والتقنيات، مشددًا على أن الصمت الدولي الحالي سيؤدي لانهيار كامل لمنظومة القانون الدولي والقيم الإنسانية، مؤكدًا على أن القضية الفلسطينية اليوم هي محك الضمير الإنساني، ولا مجال للحياد أمام الإبادة الجماعية.

تفنن في قتل الفلسطينيين 

في غضون ذلك، أكد كمال يونس، خبير القانون الدولي، أن هناك اتفاقًا لدى جميع القنوات القانونية، أن ما يمارسه جيش الاحتلال الإسرائيلي، في قطاع غزة، هو "الجريمة بعينها".

ويلفت في حديثه لـ"دار الهلال"، إلى أن الأحكام التي أصدرتها المحاكم الدولية، بما في ذلك محكمة العدل الدولية في لاهاي، وهي أكبر جهة قضائية تابعة للأمم المتحدة، خلال الفترة الماضية، تؤكد أن ما يرتكبه ما أسماه بـ"الكيان الصهيوني"، هو جريمة في حق البشرية، وليس بحق الفلسطينيين بمفردهم.

وأردف أن التاريخ سيسجل الخروج الذي يقوم به هذا "الكيان" (إسرائيل) بمساندة ومساعدة بعض الجهات المعلومة على الأعراف والقوانين الدولية، التي ارتضاها العالم أجمع.

وأوضح أن الاحتلال يثبت عبر استهداف الفلسطينيين الجوعى في غزة، أثناء انتظارهم الحصول على المساعدات، أنه يتفنن في إيجاد وسائل قتل لم تستخدمها جهات كـ"النازية" للقضاء على فلسطينيي قطاع غزة.

وأكد أن هذه الجريمة، بالإضافة إلى غيرها، تستدعي صدور حكم قضائي دولي يدين الاحتلال الإسرائيلي، جراء جرائمه في غزة، متمنيًا أن تجد هذه القرارات طريق تطبيقها، وألا تُعرقل كحال غيرها من قبل جهات معلومة، فيما يبدو أن الإشارة إلى الولايات المتحدة، التي تقدم لإسرائيل غطاء سياسيًا.

وتعجب خبير القانون الدولي من أن يقوم الاحتلال الإسرائيلي بإيجاد "آلية مساعدات" في قطاع غزة، في ظل أنه من أوجد عمدًا هذه الأزمة الإنسانية، بعد أن أغلق المعابر والمنافذ الحدودية، مانعًا دخول المساعدات والإمدادات الإنسانية.

وأردف مؤكدًا أن من المستحيل أن يقوم الاحتلال الإسرائيلي بمساعدة أي فلسطيني، سواء في قطاع غزة أو خارجه، مضيفًا: إن "إسرائيل لو قامت بأي عمل لصالح الفلسطينيين، فلا بد أن يكون مشكوكًا فيه، وهذا ما يؤكده استهداف منتظري المساعدات".

ودعا المجتمع الدولي إلى عدم الانسياق وراء الأكاذيب الإسرائيلية بشأن آلية إدخال المساعدات التي يُستهدف من ورائها تحسين صورة الاحتلال أمام العالم.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة