تميز العصر الإسلامي بغزارة عمائره الدينية التي شملت المساجد والجوامع، حيث يُطلق على المكان المخصص للصلوات الخمس فقط اسم مسجد إذا كان صغير الحجم، أما إذا كان كبيرا ويتسع لعدد كبير من المصلين وتقام فيه صلاة الجمعة فيسمى جامعا، ويجدر بالذكر أن كل جامع يعتبر مسجدا بينما لا يُطلق على كل مسجد اسم جامع.
أسس جامع عمر بن العاص كأول جامع في مدينة الفسطاط العاصمة الإسلامية الأولى، وقد سمي الجامع تيمنا باسم منشئة عمرو بن العاص، وهو يعد واحد من أبرز الجوامع التاريخية العظيمة في مصر.
لم يقتصر بناء جامع عمرو بن العاص على أداء الفرائض الدينية فحسب، بل كانت تعقد فيه حلقات العلم التي بلغت في منتصف القرن الرابع الهجري مائة وعشر حلقة، خصص بعضها للسيدات التي تصدرتها في عام 415 هجري واعظة عرفت بأم الخير الحجازية، كما كان يعقد فيه أيضا مجالس القضاء ومجالس القصص، وهو الأمر الذي جعل منه أقدم جامعة علمية في مصر الإسلامية، سبق الأزهر بنحو ستمائة عام.
عرف جامع عمرو بن العاص بالعديد من الأسماء ، والتي كان أشهرها تاج الجوامع، ومسجد الفتح، وكذلك العتيق، وفي النهاية أطلق علية اسمه الحالي الذي لازال يطلق عليه حتى الآن.
كانت مساحة الجامع وقت إنشائه 50 ذراعًا في 30 ذراعاً وله ستة أبواب، وظل كذلك حتى عام 53هـ / 672م ، وتوالت الإصلاحات والتوسعات بعد ذلك علي يد من حكموا مصر حتى وصلت مساحته بعد عمليات التوسيع المستمرة نحو أربعة وعشرين ألف ذراع معماري
فكان التخطيط المعماري الأصلي للجامع عباره عن مساحة مستطيلة طولها نحو 45 متراً وعرضها نحو 27 متراً ، وقد أحيط الجامع من جهاته الأربع بطريق ، و لم يكن له صحن ولا محراب مجوف ولا مئذنة وكان به منبراً وقد بنيت جدران الجامع الخارجية من الطوب اللبن وكانت خالية من الزخارف أما ارتفاع الجامع من الداخل فمن المرجح أنه كان حوالي ثلاثة أمتار مثل المسجد النبوي الشريف
وأجريت على جامع عمرو بن العاص عدة زيادات وإضافات خلال عصور إسلامية مختلفة وحتى عصرنا الحالي، والتي من أهمها التي قام بها خماروية بن أحمد بن طولون في عام 275هجري، حيث أنفق على الجامع ستة ألاف وأربعمائة دينار.
وتوالت أعمال الاصلاح والتجديد في الجامع حتى وقتنا الحالي ، اذ يشهد الجامع أكبر عملية تعمير تقوم بها هيئة الأثار المصرية، وبسبب كثرة الاصلاحات المعمارية لم يتبقى سوى بعض العناصر المعمارية التي تعود إلى أصوله الأولى مثل: العقود المدببة التي أصبحت من مميزات العمارة الاسلامية، كذلك الضريح المنسوب إلى عبدالله بن عمرو في الركن الشمالي الشرقي من المسجد ، وكذلك طراز القبة المتأخرة.
تخطيط الجامع الحالي يتكون من مدخل رئيسي بارز يقع فى الجهة الغربية للجامع، وصحن كبير مكشوف تحيط به أربعة أروقة ذات سقوف خشبية بسيطة، أكبر هذه الأروقة هو رواق القبلة ، وبصدر رواق القبلة محرابين مجوفين يجاور كل منهما منبر خشبي، كما يوجد بجدار القبلة لوحتان ترجعان إلى عصر المماليك .
ويوجد بالركن الشمالي الشرقي لرواق القبلة قبة يرجع تاريخها إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، أما صحن الجامع فإنه يتوسطه قبة مقامة على ثمانية أعمدة رخامية مستديرة الشكل، وكانت نوافذ الجامع القديمة مزخرفة بزخارف جصية لا زالت بقاياها موجودة بالجدار الجنوبي، أما عقود الجامع فى رواق القبلة فإنها ترتكز على أعمدة رخامية ذات تيجان مختلفة أخذت من عمائر قديمة.