على مدار ما يزيد على 20 شهرًا منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، كانت الدولة المصرية في مقدمة التحرك على كل المستويات لوقف العدوان وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني ورفض كل مخططات التهجير، مع تبني كل الجهود لإعادة إعمار غزة مع بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، وإيجاد حل دائم وشامل للأزمة، وهو ما أكدته مؤسسات الدولة والقيادة السياسية والتحركات الدبلوماسية للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي والوزراء والمسؤولين.
ثوابت مصرية
ومن أهم مرتكزات الرؤية المصرية بشأن القضية الفلسطينية ضرورة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته أمام العديد من المحافل، وآخرها القمة العربية في العاصمة العراقية بغداد في مايو الماضي، والتي أكد خلالها أنه مهما حدث من تطبيع مع إسرائيل فلن يحدث سلام أو استقرار في المنطقة بدون قيام الدولة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطينى في قيام دولته المستقلة.
ومنذ اندلاع الحرب على غزة، اضطلعت مصر بدور كبير في جهود الوساطة دون توقف، بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية، برغم التعنت الإسرائيلي ومحاولات إفساد التوصل لاتفاق، وتوصلت الأطراف إلى التهدئة ووقف إطلاق النار في قطاع غزة في يناير الماضي، بعد 15 شهراً من بدء الحرب الإسرائيلية التي دمرت قطاع غزة، ومع انتهاك الاحتلال للاتفاق تبذل مصر جهودًا مستمرة في هذا الإطار، للعودة لوقف إطلاق النار بوساطة وتنسيق مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن هذه الجهود تواجه بتعنت الاحتلال الإسرائيلي الذي ينتهك بشكل سافر قواعد القانون الدولي الإنساني، دون أن يواجه أي مساءلة أو محاسبة من المجتمع الدولي.
رفضت مصر أي طرح يقضي بتهجير الفلسطينيين من أرضهم، في ظل تقاطع الرغبات الأمريكية الإسرائيلية إزاء ذلك، معربة عن استمرار دعمها لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة في ارضه ووطنه، وبمبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وأكدت رفضها لأي مساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف، سواءً من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواءً كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل، وبما يهدد الاستقرار وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلي المنطقة، ويقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها.
تسوية سياسية شاملة
ويقول الدكتور محمد صادق إسماعيل، أستاذ العلوم السياسية ومدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الموقف المصري تجاه ما يجري في الأراضي الفلسطينية، يحكمه ثوابت واضحة، سواء في ما يخص المسار السياسي أو جهود وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن أهم الركائز الأساسية لهذا الموقف، السعي نحو تسوية سياسية مستدامة، بالتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، بما يمنع تكرار موجات التصعيد والعنف في الأراضي الفلسطينية، ويقطع الطريق أمام أي عودة لمسارات التسلح أو زعزعة الاستقرار.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن مصر تستهدف أيضا ضمان استمرار المسار التفاوضي، بما يؤدي إلى إنهاء كامل للعملية العسكرية، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى أهلنا في قطاع غزة، مؤكدا أن مصر تعمل على أن يكون هذا المسار جزءًا من خطة شاملة طويلة الأمد، وليست مجرد حلول مؤقتة.
وشدد على أن مصر تعمل أيضا على إعادة إعمار قطاع غزة، وهو هدف محوري ضمن التحركات المصرية، وفي هذا السياق، جاءت القمة العربية – الإسلامية التي عُقدت في 4 مارس الماضي، والتي شارك فيها عدد كبير من القادة العرب، إلى جانب ممثلين عن بعض الدول الأوروبية، بهدف وضع آلية دولية لإعادة الإعمار، واعتمدت المقترح المصري لخطة إعمار القطاع بدون تهجير أهالي غزة من أرضهم.
ولفت إلى أن هناك بعد مرتبط بالسياسة الخارجية المصرية، يتمثل في دعم حل الدولتين وإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو ما تسعى إليه مصر عبر مسارات سياسية متزامنة وطبيعية لحل هذه القضية، مشيرًا إلى أن الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية لم يتغير قط، بل ظل ثابتًا وداعمًا منذ بدايات القضية، وليس فقط منذ السابع من أكتوبر 2023.
وقال إسماعيل إن مصر لطالما تحملت مسؤولياتها تجاه القضية، سواء في أوقات الحرب أو السلام، وظلت تسعى بشكل دائم ومستمر لإيجاد حل عادل وشامل لها.
دور راسخ وثابت
ويؤكد الدكتور طارق البرديسي، خبير العلاقات الدولية، أن الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية دور راسخ وثابت، تؤكده جملة من المواقف والسياسات الصريحة، منها: الموقف الحاسم للرئيس السيسي الرافض تمامًا لأي مخططات تهجير أو تصفية للقضية الفلسطينية، وهذا ما أثار استياء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نتيجة رفض مصر القاطع لفكرة تحويل غزة إلى "ريفيرا الشرق الأوسط"، ومحاولة تهجير الفلسطينيين من غزة إلى خارج أرضهم ومنها مصر والأردن.
وأكد البرديسي، في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن سيناء أرض مصرية تمثل جزءًا أصيلًا من الأمن القومي لمصر، ولا يمكن القبول باستخدامها كأداة لتصفية القضية الفلسطينية، مضيفا أن هناك العديد من المواقف التي اتخذتها مصر تؤكد تمسكها بسيادتها وقراراتها المستقلة دون خضوع لأي ضغوط خارجية، ومنها رفض مصر إعفاء السفن الأمريكية من دفع رسوم عبور قناة السويس، ورفض العمليات العسكرية لضرب جماعة الحوثيين في اليمن.
وشدد على أن هذه المواقف الثلاثة تمثل شواهد قوية على استقلالية القرار المصري، ودعمه الصادق للقضية الفلسطينية، سواء من خلال جهود الوساطة أو عبر مسارات تسوية شاملة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، موضحا أنه كان لهذه المواقف المصرية أثر مباشر في دفع عدد من الدول الأوروبية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما تجلى في لقاءات الرئيس عبد الفتاح السيسي مع عدد من القادة الأوروبيين، وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ولفت إلى أن موقف مصر واضح وثابت، بحماية أمنها القومي، والحفاظ على سيادتها، ورفض تصفية القضية الفلسطينية عبر معبر رفح أو بأي وسيلة أخرى.
دعم القضية الفلسطينية على جميع المستويات
ويؤكد الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية، أنه منذ اندلاع أزمة الحرب على غزة، حرصت مصر على اتخاذ موقف ثابت ومبدئي، قائم على دعم الشعب الفلسطيني دون أي مصلحة خاصة، بل بدافع إنساني وقومي أصيل، مؤكدا أنه على مر التاريخ، لا توجد دولة قدمت من الجهد والمساندة للأشقاء الفلسطينيين، في أوقات السلم والحرب، كما فعلت مصر منذ عام 1948 وحتى اليوم.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أنه في أزمة الحرب على غزة، والتي تجاوز عمرها عامًا ونصف من العدوان، ظل الموقف المصري واضحًا وراسخًا، في تأييد القضية الفلسطينية والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، عبر تحركات متوازنة على مختلف المستويات، فعلى المستوى الإنساني، كانت مصر في طليعة الدول التي أدخلت المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، سواء عبر مؤسسات الدولة الرسمية أو من خلال منظمات المجتمع المدني والأحزاب.
وأضاف أنه حتى المساعدات الدولية، كان يتم إيصالها للفلسطينيين عبر معبر رفح من الجانب المصري، قبل أن تضع إسرائيل العراقيل وتمنع دخولها، موضحا أنه تم استقبال الجرحى والمصابين الفلسطينيين في المستشفيات المصرية، وهذا كان ولا يزال جزءًا من الدعم الإنساني المتواصل.
ولفت إلى أنه على المستوى السياسي والوساطة، لعبت مصر دورًا محوريًا في جهود الوساطة، وقدمت بالتعاون مع الولايات المتحدة وقطر مبادرة لوقف إطلاق النار، تم تنفيذها في يناير الماضي، ورغم أن الاتفاق تم خرقه بعد أقل من شهرين من قبل الجانب الإسرائيلي، إلا أن مصر واصلت جهودها دون توقف.
وأشار إلى أن مصر دعت أيضًا إلى إطلاق أفق سياسي حقيقي يقوم على تنفيذ حل الدولتين، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، باعتبار ذلك السبيل الوحيد للخروج من دوامة العنف المستمرة في المنطقة.
وقال بدر الدين إنه في المحافل الدولية حظيت الجهود المصرية بإشادة واسعة من قادة دول كبرى، بما في ذلك فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي، والأمين العام للأمم المتحدة، الذين عبروا عن تقديرهم لدور مصر الفعّال في دعم الشعب الفلسطيني، كما كان لتلك الجهود تأثير مباشر في تغيير مواقف العديد من دول العالم، والتي بدأت تتبنى رسميًا الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وأكد أن مصر قدمت، ولا تزال، جهودًا عظيمة ومقدّرة في دعم الأشقاء الفلسطينيين، والدفاع عن حقوقهم المشروعة، منذ عام 1948 وحتى اليوم، وتجلّى هذا الدعم بشكل بارز خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، حيث أثبتت مصر أنها حجر الأساس في دعم القضية الفلسطينية على جميع المستويات: الإنساني، والسياسي، والدبلوماسي.