في خطوة استباقية تعكس إدراك الدولة المصرية لحجم التحديات الإقليمية والدولية الراهنة، أصدر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قرارًا بتشكيل لجنة أزمات عليا تضم في عضويتها محافظ البنك المركزي وعددًا من الوزراء وممثلي الهيئات السيادية والرقابية، لمتابعة تداعيات التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، وما قد يترتب عليه من اضطرابات جيوسياسية قد تنعكس سلبًا على الاقتصاد العالمي، ومن ثم على الداخل المصري.
وتأتي هذه الخطوة في ظل تطورات ميدانية متسارعة تهدد بزعزعة استقرار أسواق الطاقة والغذاء العالمية، ووسط مخاوف من ارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط والغاز وتعطل سلاسل التوريد العالمية، بما في ذلك مرور الصادرات عبر مضيقي هرمز وباب المندب، وهما من أبرز الممرات الاستراتيجية لحركة التجارة الدولية.
حماية الاقتصاد من تداعيات الحرب
وعلق الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، على القرار، مؤكدًا أن تشكيل اللجنة يأتي في توقيت بالغ الأهمية، بالنظر إلى تداعيات الحرب المحتملة على أمن الطاقة العالمي، وسلاسل الإمداد، والأسواق المالية.
وأوضح غراب في تصريحات خاصة لبوابة "دار الهلال"، أن خطوة تشكيل اللجنة تعكس وعيًا استراتيجيًا من الحكومة المصرية للتعامل مع أزمات طارئة قد تؤثر على الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل التهديدات بغلق مضيقي هرمز وباب المندب، حيث يمر عبرهما نحو نصف صادرات العالم من البترول والغاز والحبوب.
وأكد غراب أن اللجنة تمثل آلية مركزية لصنع القرار وتنسيق الجهود بين المؤسسات الحكومية والمالية، في ظل توقعات باستمرار ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، بما يهدد استقرار الأسواق، ويزيد من حدة الضغوط التضخمية على الدول المستوردة.
وأشاد غراب بقدرة الدولة على التحرك السريع، مشيرًا إلى أن مصر بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات عملية لتأمين احتياجاتها من الطاقة، من خلال التعاقد على أربع شحنات غاز ستصل في غضون أسبوعين لتعويض نقص الإمدادات، بعد توقف أحد مصادرها الرئيسية في الشرق.
وأشار إلى أن الإجراءات الحكومية تشمل أيضًا تعزيز الاحتياطي الاستراتيجي من السلع الأساسية، وهي نقطة قوة رئيسية تدعم استقرار السوق المصري في ظل الأزمة، موضحًا أن الدولة تمتلك مخزونًا يغطي عدة أشهر من السلع الضرورية، ما يعكس نجاح السياسات الاقتصادية المرنة التي تم اتباعها خلال السنوات الماضية.
قرار جريء واستباقي يستهدف حماية الاقتصاد الوطني
من جهته، أشاد محمد سعده، السكرتير العام للاتحاد العام للغرف التجارية ورئيس غرفة بورسعيد، بقرار تشكيل اللجنة، واصفًا إياه بأنه قرار جريء واستباقي يستهدف حماية الاقتصاد الوطني من أي صدمات مفاجئة قد تضرب قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والنقل.
وأكد سعده أن الاتحاد العام للغرف التجارية سيكون شريكًا رئيسيًا في اللجنة، من خلال تمثيل مباشر برئيس الاتحاد أحمد الوكيل، ما يعكس إيمان الحكومة بأهمية إشراك القطاع الخاص في إدارة الأزمات الاقتصادية.
وأوضح أن توقيت تشكيل اللجنة جاء في لحظة حساسة للغاية، مع تصاعد المخاوف من تراجع مؤشرات البورصة، وارتفاع أسعار الدولار والذهب، فضلًا عن الارتباك الذي تشهده الأسواق نتيجة التصعيد الإقليمي.
وأضاف أن الحكومة تعاملت بشفافية مع الأزمة، وأكدت استعدادها الكامل لمواجهة أي تطورات قد تؤدي إلى موجة تضخم عالمية أو تباطؤ اقتصادي واسع النطاق.
كما أشار إلى أن اللجنة تضم نخبة من القيادات الاقتصادية والتنفيذية، من بينهم وزراء المالية والبترول والتموين والتجارة والصناعة والكهرباء، بالإضافة إلى ممثلين عن وزارتي الدفاع والداخلية وهيئة الرقابة المالية والمخابرات العامة، لضمان التكامل بين الأبعاد الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في مواجهة الأزمة.
مخزون استراتيجي آمن وتعاون حكومي
أبرز سعده ما أعلنته وزارة التموين بشأن وجود مخزون استراتيجي من السلع الأساسية يتجاوز 6 أشهر في معظمها، ويصل إلى 12 شهرًا في سلع أخرى مثل السكر والأرز واللحوم، بينما يغطي القمح أكثر من نصف عام، والزيوت لنحو أربعة أشهر، وهو ما يمثل حائط صد مهم أمام أي اضطرابات محتملة في السوق العالمية.
وشدد على أهمية استمرار التعاون الوثيق بين الحكومة والقطاع الخاص، خاصة في مجال تنويع مصادر الاستيراد وتعزيز خطط الأمن الغذائي، بما يسهم في تثبيت الأسعار وتوفير السلع للمواطنين دون تأثر مباشر بالاضطرابات الإقليمية والدولية.