الثلاثاء 24 يونيو 2025

مقالات

حكايات مزمنة.. "ملايات الدور التالت"

  • 24-6-2025 | 00:27
طباعة

 

في جناح العلاج الكيماوي، حيث الأرواح منهكة، لكنها مازالت تتشبث بخيط رفيع من الأمل، كنت جالس في انتظاري المعتاد للجلسة نفس الكرسي نفس الوجوه، نفس التحاليل التي باتت جزء من حياتي.

 

فجأة ظهرت بعض العاملات من الدور الثالث، تمريضه وتفاصيله مألوفة فهو بيتنا الثاني نتردد عليه كل أسبوعين، الممرضة الأولى قادمة نحوي وهي تضحك "اسكت يااستاذ محمد مش إحنا جبنا ملايات جديدة"! ، تبسمت بمعقول قصدي أخيراً مبروك طبعا.

 

كان الموضوع مجرد مزحة بسيطة، ولكنه كان بالنسبة لي انتصار كبير فأنا لطالما اتشاجر معهم بسبب الملايات القديمة "اللي ريحتها غريبة ولونها مطفي وبتزيد من حالة أكتئابي" حتى فقدت الأمل وأصبحت ملايتي الشخصية رفيق دائم في حقيبتي.

 

وقالت الأخرى " أبسط فرشنالك واحدة" مزحة لما تطل أكثر من دقيقتين مكناش نعرف إن حيطان المستشفى رغم انهاك المرض برضه لها ودان"! الموضوع كبر وانتشر 

"الدور التالت جاب ملايات جديدة"!

 

اتفاجئت أن الكلمة بتمشي في الطرقات أسرع من صوت الأجهزة، انتهى اليوم الأول من الجلسة طويل، مرهق، تقيل على القلب والجسم.

 

وأخيراً وصلت غرفتي حتى أنل هدنة من الوجع، من الحقن، من ريحة المعقم، وبينما كنت أحاول التنفس والتنهد، فجأة صوت عجوز عالي جداً قادم من الغرفة المجاورة 

"أنا عايز ملاية من الجديدة"!

 

 إصرار بلهفة طفل صغير يتشبث بالقماش الجديد، العاملات اتلخبطوا وخافوا و حاولوا يشرحوا إن عدد الملايات محدود، وإنها للأسف تم توزيعها بس للأسف هو مصمم "كان نفسه يحس إنه مش منسي، إنه مازال له حق الاختيار"

 

طبعا شقيقتي فاتن رفيقة دربي خرجت مسرعة "مش علشان تحل بس علشان تفهم زي عادتها، وعادت لي "المشكلة بسيطة يامحمد 

الحج عايز ملاية جديدة! ضحكت وقلبي مشفق عليه ومنقبض " المشكلة عمرها ما كانت في قماش،

المشكلة في الإحساس.. في إنك حتى وإنت على سرير مرض، نفسك تفضل محبوب، مهم، ولو في تفاصيل صغيرة.

 

وفي نهاية المطاف أرتضى الحج بالأمر الواقع، وتعمق في النوم على الملاية القديمة.

 

لكن أنا في سريري لم يغمض لي جفن" خايف المرة الجاية أقع في مرمى الملاية القديمة.. يمكن في المستشفى أحلام المرضى مش كبيرة، ممكن توصل لملاية لريحتها حلوة عشان نغطي بها حتة من الوجع!.

الاكثر قراءة