شهد العمل البيئي في مصر طفرة غير مسبوقة خلال السنوات ال 11 الأخيرة، في ظل قيادة سياسية تعي أهمية البيئة والاستدامة وتحرص على وضعها في قلب عملية التنمية، بحرص مباشر من الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية على تحقيق صون حقيقي للموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة من أجل مصلحة الأجيال الحالية والقادمة، بما يسهم بشكل مباشر في خلق حياة كريمة للمواطن المصري، ويعظم من دور مصر الإقليمي والدولي في ملف البيئة وتحدي المناخ والتنوع البيولوجي والتصحر.
تلك الجهود يمكن ترجمتها في عدد من المؤشرات الإيجابية في ملف البيئة، ففي مواجهة تحدي تلوث الهواء تم تحقيق المستهدف للخفض المحقق في تركيزات تلوث الهواء بنسبة بلغت 100% لعدد من المكونات، وتحقيق التوافق مع المعايير القانونية اللازمة، نتيجة لمجموعة من الإجراءات ومنها زيادة عدد محطات الشبكة القومية لرصد الهواء المحيط بنسبة 34%، وتطور شبكة رصد الانبعاثات الصناعية لتصل إلى 121 نقطة رصد.
وعندما نتحدث عن أهم الإنجازات يجب الإشارة إلى دور مصر الريادي على الساحة الدولية منذ عام 2015، عندما ترأس رئيس الجمهورية لجنة دول وحكومات أفريقيا، حيث كان هذا العام فارقا، إذ تم خلاله عقد اتفاق باريس والتصديق على أهداف التنمية المستدامة ومع رئاسة مصر لهذه اللجنة، تم إطلاق مبادرتين هامتين "الطاقة الجديدة والمتجددة"، و"المبادرة الإفريقية للتكيف"، وقد لعبت مصر دورا قويا في هذا السياق، حيث تولت مصر عام 2018 رئاسة مؤتمر الدول الأطراف للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة للتنوع البيولوجي الرابع عشر COP14 نيابة عن أفريقيا، كما دخلت في مجالات التعاون البيئي متعدد الأطراف وهناك ثلاث اتفاقيات تعد الأساس في ملف البيئة عالميا، وهي اتفاقيات ريو، وتشمل اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، والتنوع البيولوجي، واتفاقية مكافحة التصحر هذه الاتفاقيات تعد أساسا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بجانب الإطار العالمي للتنوع البيولوجي الذي أنجز خلال رئاسة مصر لاتفاقية التنوع البيولوجي، وتم تسليمه إلى دولة الصين.
كما استضافت مصر مؤتمر المناخ COP27 عام 2022، واستكملت دورها الريادي بالتعاون مع الجانب الإماراتي خلال قمة المناخ COP28، كذلك ترأست مصر اتفاقية الحفاظ على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن. وستستضيف مصر مؤتمر الأطراف لاتفاقية برشلونة الخاصة بالبحر المتوسط خلال العام الجاري.
وفيما يخص ملف الإدارة المتكاملة للمخلفات، فقد تم إحراز تقدم كبير نتيجة استكمال منظومة البنية التحتية للمخلفات البلدية الصلبة، فارتفع عدد المدافن الصحية إلى 47 مدفنا عام 2025 مقارنة بـ 3 مدافن فقط عام 2018، كما ارتفع عدد منشآت المعالجة والتدوير من 38 منشأة عام 2018 إلى 46 منشأة عام 2025، وزاد عدد الجهات المشغلة لتلك المنشآت من 19 جهة عام 2018 إلى 26 منشأة عام 2025، وبالتالي ارتفعت نسبة المخلفات البلدية الصلبة المجمعة التي يتم تدويرها بطريقة سليمة بيئيا لنحو 37% عام 2025 مقارنة بنسبة 10% فقط عام 2018، ومن المستهدف تحقيق نسبة 60% بحلول يونيو عام 2027 إلى جانب زيادة كفاءة منظومة جمع المخلفات البلدية الصلبة بنسبة 74% في عام 2025 مقارنة بنسبة 60% عام 2018، ومستهدف بلوغ نسبة 85% بحلول يونيو 2027.
وبالنسبة لجهود مصر في تعزيز العمل المناخي، فقد شهدت السنوات الماضية طفرة كبيرة في دور مصر في مواجهة آثار تغير المناخ وطنيا وعالميا، وذلك نتاج للاهتمام الكبير الذي توليه القيادة السياسية والحكومة لهذا الملف وتنفيذ مشروعات التخفيف والتكيف مع اثار التغيرات المناخية، إيمانا من مصر بأن مواجهة هذا التحدي الذي يواجه العالم كله دون تمييز، يتطلب توحيد الجهود على مختلف المستويات والإسراع في اتخاذ الاجراءات الوطنية والعالمية على حد سواء، للحد من آثاره لضمان استمرار الحياة على كوكب الأرض.
وفي هذا الصدد، لم تتوان مصر في اتخاذ خطوات جدية لتنفيذ إجراءات التخفيف والتكيف على مدار السنوات الماضية، وهذا ما انعكس على تنفيذ خطة المساهمات الوطنية التي شهدت نتائج متميزة، في قطاعات الكهرباء والبترول والتقل لعام 2022، خاصة فيما يخص النسب المستهدفة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري حتى عام 2030، حيث تم تحقيق نسبة 92% من الخفض المستهدف في قطاع الكهرباء، ونسبة 88% من المستهدف في قطاع البترول والغاز، حيث تجاوز قطاع النقل النسب المستهدفة بشكل ملحوظ.
ويعد التكيف مع آثار تغير المناخ أولوية لمصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي لذا تم اتخاذ العديد من الإجراءات ومنها حماية المناطق الساحلية ومواجهة ارتفاع سطح البحر، فمصر شأنها شأن دول العالم الأخرى تواجه نوبات الطقس الجامحة، وتعمل بشكل منظم على مواجهة آثارها من خلال مختلف الجهات المعنية، في ظل الجهد والوقت والتكلفة المطلوبة لبناء البنية التحتية اللازمة التي تتحمل الإجراءات الاستباقية للأزمة أو خلالها، وهذا ما يسمى بإجراءات التكيف مع آثار التغير المناخي والتي تواجه مختلف مناطق العالم، وأصبح التكيف معها أمرا ضروريا، ولكن تواجه تحديا كبيرا هو توفير تمويل المناخ، لذا مصر بدأت مبكرا في نسج رحلتها نحو التكيف منذ 10 سنوات من خلال تمويل يصل إلى 10 مليارات جنيه لبناء الحواجز في عدد من المدن الساحلية لمواجهة آثار تغير المناخ مثل الإسكندرية والساحل الشمالي ودمياط وغيرها، وتستمر في عملها المناخي الممنهج حيث أصدرت الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ وتعمل على الخطة الوطنية للتكيف وإنشاء لجنة وزارية عليا لوضع خطة مواجهة نوبات الطقس الجامحة مثل السيول والأمطار الغزيرة ودرجات الحرارة الحادة.
وسبق وأن أشارت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة إلى أهم تلك المشروعات القومية التي تقوم بها مصر للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها، وذلك في مجالات الطاقة وإدارة المخلفات والموارد المائية والزراعة والتي لها نتائجها الإيجابية على البيئة، فالسنوات الأخيرة شهدت تنفيذ العديد من المبادرات الضخمة للتخفيف من أثار التغيرات المناخية وكان لتلك المشروعات نتائج ملحوظة في انخفاض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى جانب برنامج إصلاح سياسات الطاقة في مصر التي بدأت عام 2014 بفتح فرص إستثمارية في مجال التخفيف ذات جدوى مالية، مما ساهم في تشجيع الأفراد والمؤسسات والمجتمعات من أصحاب المصلحة على تنفيذ مبادرات تحسين كفاءة استخدام الطاقة في القطاعات التجارية والسكنية والصناعية.
وباعتبار قطاع الموارد المائية من المجالات الهامة للتكيف في مصر، يتم تنفيذ عدد من المبادرات الرئاسية تتضمن الاستثمار في تبطين الترع لتقليل فاقد المياه، ومعالجة مياه الصرف لإعادة استخدامها في الري.
وتستثمر مصر أيضا في تحلية مياه البحر والحماية من السيول في المناطق الجبلية من أجل حماية الأرواح والممتلكات أثناء الظواهر الجوية الحادة وزيادة توافر المياه من الموارد غير التقليدية للأغراض المختلفة، بما في ذلك استخدام الطاقة الشمسية.
وقد افتتحت الدولة أكبر منشأة لمعالجة مياه الصرف في العالم في مصرف بحر البقر، والتي تعالج المياه ثلاثيا بما في ذلك المعالجة بالكلور وبالأوزون للتعقيم قبل استخدام المياه لري ما يقرب من 500000 فدان في شمال سيناء، كما أعلنت مصر عن برنامج طموح لتحلية مياه البحر لتلبية احتياجات مياه الشرب لعدد متزايد من السكان في ظل تغير المناخ، إلى جانب استثمارات ضخمة في تنفيذ منشآت الحماية من السيول لحماية الأرواح والممتلكات، من خلال استخدامها لتجميع مياه الأمطار وتحويل مياه السيول المدمرة إلى مصدر غير تقليدي للمياه العذبة للمجتمعات المحلية.
وبشأن ربط ملف المناخ بالطاقة الجديدة والمتجددة والمياه والغذاء، فهناك برنامج "نوفي"، الذي يركز على زيادة إنتاج الطاقة المتجددة، واستخدامها في تحلية المياه والزراعة باعتبارها مشروعات للتكيف، مما يفتح المجال لمشاركة أكبر من القطاع الخاص والقطاع البنكي في تمويل هذه المشروعات وتقليل المخاطر المرتبطة بها حيث أنه خلال الفترة من 2021 حتى الآن، تم تقديم قروض ومنح لدعم القطاع الخاص بقيمة نحو 15 مليون دولار، في حين بلغ ما قدم لوزارة البيئة وحدها في هذا الشأن منذ 2018 وحتى الآن ما يقرب من 380 مليون دولار، منها 100 مليون دولار كقروض ومنح.
وفي مجال حماية الموارد الطبيعية، بذلت وزارة البيئة بناء على تكليفات رئيس الجمهورية جهودا حثيثة خلال السنوات الماضية من أجل الحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي، من خلال تغيير منهجية التعامل مع المناطق المحمية والموارد الطبيعية يقوم على تحقيق الصون والاستدامة من منظور بيئي اقتصادي اجتماعي، وتنوعت الجهود بين مشروعات بنية تحتية لتطوير المحميات، ودعم وتنمية الإستثمار البيئي والسياحة البيئية بداخلها، بالتعاون مع المجتمعات المحلية والقطاع الخاص و شركاء العمل البيئي من المجتمع المدني والوزارات والجهات المانحة.
وقد ساهمت هذه الجهود في تحقيق تزايد في الأداء الاقتصادي للمحميات الطبيعية خلال الفترة من 2018 حتى 2025، حيث تم زيادة عدد المشروعات المنفذة بالمحميات والصادر لها تصاريح ممارسة النشاط بنسبة 326%، وزيادة إيرادات المحميات التي تشمل تصاريح ممارسة النشاط وإيرادات التذاكر بنسبة 2420%، كما ارتفع دخل السكان المحليين بالمحميات الطبيعية بنسبة تتجاوز 400%.
ومن أهم الإنجازات خلال هذه الفترة في مجال حماية الطبيعة: تحسين البنية التحتية وتطوير مراكز الزوار بالمحميات بما يوفر تجربة سياحية فريدة بالمحميات ترتقي للمستويات العالمية وتوفر خدمات للزوار بالمحميات، مع الاستفادة من ما تم من تطوير في عدد 13 محمية بربوع مصر كمقصد سياحي، وتهيئة المناخ الداعم لمشاركة القطاع الخاص في الاستثمار بالمحميات، ومن أهمها: مشروع تطوير قرية الغرقانة بمحمية نبق بجنوب سيناء، حيث تم الانتهاء من أساسات إنشاء عدد 51 وحدة سكنية للسكان المحليين بقرية الغرقانة بمحمية نبق، بما يدعم الاستثمار البيئي، ويساهم في تحسين الأحوال المعيشية للسكان المحليين بالمحمية، إنشاء نظام للتحصيل الإلكتروني لرسوم الزيارة وممارسة الأنشطة بمحميات البحر الأحمر وجنوب سيناء، لأول مرة تم اصدار الدليل الإرشادي معايير النزل البيئية في مصر بالتعاون مع وزارة السياحة، بما يعد خطوة هامة في تعزيز السياحة البيئية في مصر.
- تولت مصر رئاسة مؤتمر الدول الأطراف للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة للتنوع البيولوجي الرابع عشر COP14 تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية عام 2018، بمدينة شرم الشيخ، وتم اختيار الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة لرئاسة مشارورات الإطار العالمي للتنوع البيولوجي مع نظيرها الكندي، بهدف تسهيل عمليات التفاوض خلال المؤتمر حول الهدف العالمي للتنوع البيولوجي.
- تتويج جمهورية مصر العربية وحصولها على (جائزة اتفاقية الأيوا) المعنية بحماية الطيور المهاجرة وهذه الجائزة لأول مرة تحصل عليها الدولة في تاريخها.
- اعتماد مخطط "التمنطق" وهي الخطط الإدارية الخاص بالمحميات والتي بناء عليها تحديد مناطق الاستخدمات الحالية، التي تتم بالفعل، وأيضا مناطق الاستخدامات المستقبلية، إضافة لوضع رؤية التطوير لكل محمية على حدة ومتطلبات هذا التطوير.
- إطلاق العديد من الحملات الوطنية حيث تم إطلاق أول حملة وطنية للترويج للمحميات الطبيعية والسياحة البيئية في مصر تحت عنوان ايكو ايجيبت - "ECO EGYPT"، والتي تستهدف الترويج لعدد 13 منطقة محمية في مصر تصلح لتجربة السياحة البيئية، لتشجيع روادها على اختبار تجربة مميزة من السياحة والأنشطة القائمة على الاستمتاع وصون الموارد الطبيعية.
وقد قامت وزارة البيئة بكثير من الإجراءات لدعم السياحة المستدامة وسياحة المحميات الطبيعية تحت القيادة السياسية ومنها:
- إطلاق حملة حكاوي من ناسها والتي تعد الحملة الأولى من نوعها في مصر لعرض التراث الثقافي والبيئي الغني للمجتمع المحلي بهدف تنمية الوعي حول 11 مجتمعا محليا مختلفا يعيشون في المناطق المحمية في مصر وحولها بعرض الإرث الثقافي والأصول والتقاليد وفنون المطبخ والحرف اليدوية والموسيقى التراثية التي تعبر عن تلك المجتمعات من خلال سلسلة من الأفلام الوثائقية والصور الشخصية.
- إطلاق حملة ترويجية لمحميات جنوب سيناء تحت شعار - " ECO South Sinai" ضمن حملة ايكو ايجيبت للترويج للسياحة البيئية في مصر.
- إطلاق حملة حماية البيئة البحرية بالبحر الأحمر بالتعاون بين وزارتي البيئة والسياحة.
ويجب الإشارة كذلك إلى رحلة مصر في مسار التحول الأخضر خلال السنوات الماضية، حيث بدأت في عام 2018 بتوجيه من رئيس الجمهورية نحو ربط ملف البيئة بالمواطن، والنواحي الاقتصادية والاجتماعية.
وفي عام 2019 تم إطلاق المبادرة الرئاسية "اتحضر للأخضر"، والتي تضمنت ثلاثة محاور خفض التلوث، وإدارة المخلفات، والحفاظ على الموارد الطبيعية، بجانب تطوير منظومة الموافقات البيئية وربطها بالمنظور الاقتصادي، خاصة بتجربة السحابة السوداء وكيفية تحويل قش الأرز إلى عوائد اقتصادية، حيث تم تحقيق عائد بلغ مليارا و200 مليون جنيه نتيجة تدوير قش الأرز خلال عام واحد.
فالتحول الأخضر أصبح عقيدة تتبناها الدولة المصرية في ضوء توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أكد أهميته خلال مؤتمر المناخ COP27.
وتسعى مصر بجدية إلى تسريع وتيرة التحول الأخضر من خلال التوسع في استخدام الطاقة المتجددة، ووسائل النقل الصديقة للبيئة، والمبادرات الداعمة للنمو الأخضر المستدام، وتحقيق تحسن بيئي فعلي في كافة القطاعات.
ولا زالت الإنجازات مستمرة فملف الصناعة الخضراء سيكون له شأن كبير خلال الفترة المقبلة، بالتعاون مع وزارة الصناعة، ضمن المرحلة الرابعة من برنامج التحكم في التلوث الصناعي تحت اسم "الصناعة الخضراء"، بدعم من الاتحاد الأوروبي بقيمة 251 مليون يورو، على أن يبدأ التنفيذ في يناير المقبل، ما سيساعد الشركات على الالتزام باتفاقية CBAM وتعزيز فرص التصدير.
ومن المقرر إقرار صك دولي ملزم قانونا في أغسطس المقبل للحد من التلوث البلاستيكي، ومصر ستكون لاعبا قويا في هذا الملف لما له من أهمية بيئية وصحية، بالإضافة إلى ارتباطه بالتحول التكنولوجي وتحقيق القيمة الإقتصادية للقطاع الخاص.
وقامت وزارة البيئة مؤخرا بإطلاق المبادرة الوطنية "قللها"، للتوعية بمخاطر الاستخدام المفرط للأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام، كخطوة أولى في سلسلة من الأنشطة التوعوية التي تهدف إلى تعزيز التحول نحو بدائل أكثر استدامة.