منذ أن استعاد الشعب المصري إرادته في 30 يونيو 2013، بدأت الدولة المصرية مسيرة جديدة عنوانها "الإنسان أولًا"، وعلى مدار أكثر من عقد، كانت وزارة التضامن الاجتماعي واحدة من أهم أدوات الدولة في ترجمة هذا الشعار إلى واقع ملموس، من خلال بناء شبكة حماية اجتماعية شاملة تستهدف الفئات الأكثر احتياجًا، وتدعم حقوق المرأة والطفل، وتؤمن مستقبل كبار السن وذوي الإعاقة، وتمكّن الشباب والأسر من المشاركة الفاعلة في المجتمع.
وقد انعكس هذا التوجه في أرقام تاريخية تمثلت في مضاعفة مخصصات الحماية الاجتماعية وبرامج الدعم النقدي، وامتداد المبادرات لتشمل ملايين المواطنين في مختلف مراحل حياتهم، إلى جانب مبادرات إنسانية أحدثت فارقًا ملموسًا في حياة الأسر والأفراد، خاصة في الريف والمناطق الأكثر احتياجًا.
وتواصل وزارة التضامن الاجتماعي منذ ثورة 30 يونيو وحتى قيام الجمهورية الجديدة أداء دورها المحوري في بناء شبكة حماية اجتماعية شاملة، حيث تتحدث الأرقام عن إنجازات ملموسة، وتروي المبادرات حكاية وطن لا يترك أبناءه خلفه.
فقبل 30 يونيو، كانت وزارة التضامن الاجتماعي تقوم بدورها التقليدي في صرف المعاشات والمساعدات الاجتماعية، ضمن أطر إدارية محدودة وإمكانات مالية وتنفيذية متواضعة. لكنها، شهدت بعد الثورة، تحولًا جوهريًا في فلسفة عملها ومسؤولياتها، لتتحول إلى أحد أعمدة مشروع الدولة لبناء الإنسان.
وبدعم من إرادة سياسية واضحة، وتمويل غير مسبوق، وشراكات محلية ودولية، توسعت برامج الحماية الاجتماعية بشكل غير مسبوق: فتضاعفت المخصصات لأكثر من خمسة أضعاف، وامتد الدعم النقدي ليشمل أكثر من 5.2 مليون أسرة، كما أُصدرت أكثر من 1.5 مليون بطاقة خدمات متكاملة للأشخاص ذوي الإعاقة، وتنوعت المبادرات لتشمل التمكين الاقتصادي، والرعاية البديلة، وحماية الطفولة، وصولًا إلى بناء مظلة شاملة للأمان الاجتماعي.
ومن أبرز التحولات المفصلية، تطور علاقة الوزارة بالمجتمع المدني، حيث انتقلت من مجرد الإشراف والرقابة إلى دعم الشراكة والتنسيق مع الجمعيات الأهلية، ترجمة لتوجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة النظر لحقوق الإنسان في إطارها الشامل، الذي يبدأ من الحق في التعليم والصحة والغذاء والسكن، ولا يقف عند الحق السياسي فقط. ولم تكتف الدولة بتوفير هذه الحقوق، بل وضعت نصب عينيها ضمان جودتها وكرامة الحصول عليها، باعتبار ذلك الأساس الحقيقي لتحقيق التنمية والمواطنة.
طفرة في الدعم النقدي والموازنات الاجتماعية
شهدت السنوات العشر الأخيرة قفزة غير مسبوقة في مخصصات الحماية الاجتماعية، حيث ارتفعت من نحو 100 مليار جنيه في موازنة 2014/2015 إلى نحو 529.7 مليار جنيه في موازنة 2024/2025، أي بزيادة تتجاوز 429%، تشمل هذه المخصصات برامج الدعم التمويني، والتأمينات الاجتماعية، والدعم النقدي، والرعاية الصحية، ودعم الإسكان، والمساعدات الاستثنائية.
ومن أبرز التحولات النوعية، إطلاق برنامج "تكافل وكرامة" في مارس 2015، والذي بلغ عدد المستفيدين منه حتى يونيو 2025 نحو 5.2 مليون أسرة تضم 20 مليون مواطن، منها 4.7 مليون أسرة تتلقى الدعم عبر وزارة التضامن، ونحو 500 ألف أسرة عبر التحالف الوطني للعمل الأهلي، وقد خُصص له في موازنة 2025/2026 ما بين 54 إلى 55 مليار جنيه، بزيادة تفوق 35% مقارنة بالعام المالي السابق.
وساهم برنامج "تكافل وكرامة" في تحسين مؤشرات الفقر والتعليم والصحة لدى الأسر المستفيدة، وفقًا لتقييمات محلية ودولية، كما جاءت استجابة الدولة للأزمات مكملة لهذا التوجه، إذ تم إطلاق حزمة حماية اجتماعية خلال جائحة كورونا تضمنت صرف منحة استثنائية للعمالة غير المنتظمة استفاد منها أكثر من 1.6 مليون عامل، إلى جانب إجراءات استثنائية خلال أزمة التضخم، شملت زيادات مالية للمستفيدين ورفع الحد الأدنى للأجور ومعاشات التضامن.
وفي سياق المتابعة الدولية لبرنامج «تكافل وكرامة»، شاركت وزارة التضامن مؤخرًا في اجتماعات دورية مع بعثة البنك الدولي لمراجعة ما تحقق من نتائج بعد مرور عشر سنوات على إطلاق البرنامج.
وشملت المناقشات مؤشرات الالتزام بشروط الصحة والتعليم، حيث بلغت نسب الالتزام 83% و84% على التوالي، إضافة إلى استعراض جهود التعامل مع الشكاوى والتظلمات، والتي تم الرد على 98% منها من أصل 8.8 مليون طلب. كما تم عرض ما تحقق في ملف بطاقات الخدمات المتكاملة للأشخاص ذوي الإعاقة، ودور صندوق دعم الصناعات الريفية في تمكين الأسر اقتصاديًا لضمان تخارجها من الفقر.
الرقمنة والحوكمة لضمان العدالة
تبنت وزارة التضامن الاجتماعي نهجًا رقميًا متكاملًا لضمان العدالة في توزيع الدعم وتحقيق أعلى درجات الكفاءة والشفافية، وقد طورت الوزارة قاعدة بيانات موحدة تُعد من الأكبر على مستوى منطقة الشرق الأوسط، تضم أكثر من 33 مليون مواطن من الفئات الأولى بالرعاية، وترتبط إلكترونيًا بأكثر من 25 جهة وهيئة حكومية، بما في ذلك وزارات التعليم والصحة والتموين والداخلية، وهيئات التأمينات والمعاشات، وغيرها.
وتستخدم هذه القاعدة في التحقق الرقمي من بيانات المتقدمين، وتحليل الخصائص الاقتصادية والاجتماعية للأسر، مما يساعد في استهداف الدعم بدقة، وتقليل الازدواجية والهدر في الموارد، وربط المساعدات بالرقم القومي لضمان وصولها إلى المستحقين الفعليين، كما أسهمت القاعدة في تحسين إدارة الشكاوى والتظلمات، وتغذية قرارات السياسات العامة بمؤشرات واقعية لحالة المجتمع.
وقد أصبح هذا النظام الرقمي أداة مركزية في ربط برامج الحماية الاجتماعية المختلفة، بما في ذلك الدعم النقدي، والتكافل الأسري، وبرامج التمكين، والخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة، ما يعكس تحول الوزارة من العمل الورقي التقليدي إلى منظومة حماية ذكية ومترابطة.
ذوو الإعاقة في قلب السياسات الاجتماعية
حظي ذوو الهمم بمكانة متقدمة منذ صدور القانون رقم 10 لسنة 2018 الخاص بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتم إصدار أكثر من 1.5 مليون بطاقة خدمات متكاملة حتى منتصف 2025، تشمل مزايا البطاقة العلاج المجاني، والإعفاءات الجمركية، وأولوية في الإسكان والتوظيف، والدمج التعليمي الكامل.
كما تم تخصيص ميزانيات لتهيئة الجامعات والمدارس والمرافق لاستيعاب ذوي الإعاقة، مع تدريب مكاتب التأهيل في 21 محافظة، وتوفير 1,468 جهازًا تعويضيًا، وتنفيذ مبادرة "أحسن صاحب" التي استهدفت نحو 19 مليون مواطن.
من الدعم إلى التمكين
تبنت الوزارة برامج تنموية مستدامة تتجاوز الرعاية إلى التمكين، أبرزها برنامج "فرصة" لتحويل الدعم إلى إنتاج من خلال التدريب والتوظيف والمشروعات الصغيرة، ويستهدف مستفيدي "تكافل وكرامة" القادرين على العمل، "مبادرة سكن كريم" لتحسين مساكن الأسر الفقيرة في الريف، واستفادت منها أكثر من 250 ألف أسرة، وذلك بالتكامل مع مبادرة "حياة كريمة"، التي تستهدف تطوير أكثر من 4,500 قرية بتكلفة تتجاوز 1.1 تريليون جنيه.
الحماية من الإدمان والتمكين بعد التعافي
برز دور صندوق مكافحة وعلاج الإدمان كنموذج متكامل للحماية والتأهيل، حيث يقدم خدمات علاج مجانية وسرية عبر 34 مركزًا في 19 محافظة،وفي هذا الصدد استقبل الصندوق خلال أول 5 أشهر من العام الجاري، نحو 60,425 مريضًا تلقوا الخدمات، منهم 8,901 من سكان المناطق المطورة مثل الأسمرات والمحروسة. وتكمل مبادرة "بداية جديدة" الصورة، من خلال توفير فرص عمل للمتعافين.
إشادة دولية بالتجربة المصرية
وقد حازت التجربة المصرية في الحماية الاجتماعية على اهتمام دولي، حيث أُدرجت مصر ضمن التحالف العالمي للحماية الاجتماعية الشاملة بقيادة منظمة العمل الدولية والبنك الدول، كما استقبلت وزارة التضامن زيارات من وفود رفيعة من البنك الدولي، واليونيسف، والاتحاد الأوروبي، الذين أشادوا بدمج الدعم النقدي بالخدمات الصحية والتعليمية، وبالمنظومة الرقمية الموحّدة.
تمكين المرأة من الدعم إلى القيادة
جاءت المرأة المصرية في قلب سياسات وزارة التضامن الاجتماعي بعد 30 يونيو، باعتبارها شريكًا رئيسيًا في التنمية وأولوية في الحماية، واستفادت ملايين السيدات من برنامج "تكافل وكرامة"، الذي وفر دعمًا نقديًا منتظمًا للأرامل والمطلقات والمعيلات، وشكل رافعة اقتصادية لأسرهن.. كما دعمت الوزارة آلاف المشروعات الصغيرة للنساء عبر برنامج "فرصة"، وقدّمت منح زواج وتعليم، إلى جانب مبادرات لرفع وعي المرأة بحقوقها، خاصة في القرى والمناطق الريفية.
وامتدت جهود الوزارة إلى محاربة العنف ضد المرأة من خلال حملات التوعية بالشراكة مع المجتمع المدني والجامعات، وبرنامج "مودة" لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج، والتي استفادت منها أكثر من مليون فتاة وشاب.
كما أطلقت وحدات التضامن في الجامعات برامج تدريبية وتوعوية خصص جزء كبير منها لقضايا التمكين والعدالة الاجتماعية للمرأة.
وتعكس كل هذه الجهود تحوّلًا نوعيًا في رؤية الدولة تجاه المرأة، من مجرد فئة تحتاج إلى الحماية، إلى مواطنة فاعلة تمنح فرصًا متساوية في التعليم والعمل والقيادة، داخل المجتمع ومؤسسات الدولة على حد سواء.