تعتبر فكرة إنشاء بانوراما تحكي التاريخ العسكري المصري عملا موثقا لتاريخ الجيش المصري المرتبط بالمدخل الشرقي لمصر عبر سيناء ومنطقة قناة السويس، وهي الأماكن التي انطلقت منها الجيوش المصرية لخوض أشهر المعارك التاريخية في العصر القديم والحديث ضد الغزاة للدفاع عن مصر وحدودها الشرقية.
قلعة ثارو
يهدف مشروع بانوراما التاريخ العسكري المصري إلى الدلائل الأثرية والمعلومات التي تؤكد أن الجيش المصري هو أول وأقدم مؤسسة عسكرية في تاريخ العالم استخدم التكتيك العسكري
كما تعتبر البانوراما مشروعا وعملا ثقافيا رمزيا لتخليد ذكرى أبناء مصر الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الدفاع عن مصر على مر العصور.
وتعتمد فكره إنشاء بانوراما تحكي التاريخ العسكري المصري عبر العصورعلى المعلومات المستقاة من مصدرين مهمين هما: التاريخ المصرى القديم، والاكتشافات الأثرية المتعلقة بتاريخ العسكرية المصرية. وأما مصادر التاريخ المصري القديم فهي تتمثل في المعلومات التي وردت إلينا عن طريق تسجيل المناظر العسكرية المكتوبة على البرديات، والمنقوشة على جدارن وصروح المعابد، وفي المقابر المصرية، في كثير من الأماكن بالأقصر كمعابد الكرنك، والرمسيوم ومدينة هابو ومعبد الأقصر، وكذلك في معابد أبيدوس وأبي سمبل.
كانت المناظر الحربية للجيش المصري وانتصاراتة المنقوشة على واجهات المعابد لها تاثير بالغ القوة في نفوس المواطنين، مثلما كانت تفعل المؤلفات الأدبية المتعلقة بالحروب والبطولات التي تدل على الشجاعة في ميدان القتال.
فمن الموضوعات المحببة في الأدب المصري القديم لدى العامة وقت حرب التحرير مثلا: قصة ملك مصر" سقنن رع" مع "أبو فيس" ملك الهكسوس عندما أرسل إليه خطابا يشكو فيه من صوت أفراس النهر ببركة قصره العظيم في طيبة، وكذلك قصة الملك "أحمس" طارد الهكسوس وهي تسجل أحداث حرب التحرير ضد الغزاة الهكسوس، وقصة الاستيلاء على يافا التي تعود إلى زمن فتوحات الفرعون العظيم تحوتمس الثالث.
توضح بردية هاريس الأولى صورة واضحة عن مدى تاثير التربية العسكرية فى روح الملك "رمسيس الثالث" إذ يقول الملك:
" لقد جعلت مصر تنبض في قلوب طبقات كثيرة من الشباب وخاصة خدم القصر وكبار الموظفين ومئات الألوف من المشاة وراكبي المركبات الحربية ".
تعتبر الوثائق المكتوبة والبرديات التي وصلت إلينا عن المعارك الحربية التي خاضها الجيش المصري دفاعا عن مصر وتأمين حدودها في العصور الفرعونية بمثابة سجل حافل أدى إلى تكوين فكرة واضحة عن أول موسسة عسكرية في تاريخ العالم تتمتع بفكر إستراتيجي عظيم.
تمثل هذا الفكر الإستراتيجي على أساس تقسيم الجيوش المحاربة إلى ألوية وأجنحة مستقلة، ولكنها فى النهاية تعمل تحت قيادة مركزية موحدة. وقد تم هذا التطور الحربي الهائل على أيدي الفراعنة الأوائل من ملوك الأسرة الثامنة عشر، كما شُرع في استخدام الخيل والعجلات الحربية كسلاح مهم في المعارك، وذلك منذ عهد فراعنة مصر العظام "كامس" و"أحمس".
بكل المقاييس تعتبر الحملات الحربية التي قام بها تحوتمس الثالث وعبوره نهر الفرات ليفتح بلاد ميتاني وانتصاره في موقعة مجدو، واستخدامه الإستراتيجية العسكرية في المعارك لهو قمة في التطور العسكري، كما يعد قيامه بوضع خطة التعاون والتنسيق بين تحركات الأسطول، والقوات البرية المصرية المتجهة نحو الشمال الشرقي تحت قيادته لهو دلالة على العبقرية الحربية المتفردة لهذا الفرعون العظيم، وعلى مدى قدرتة الفائقة على تنظيم وإداراة الجيوش المصرية بطريقة تحدث لأول مرة في تاريخ مصر والعالم القديم.
أما عن المصدر الثاني وهو الاكتشافات الأثرية المتعلقة بتاريخ العسكرية المصرية، وخاصة في المنطقة الممتدة من القنطرة شرق وحتى رفح المصرية، والمعروفة بالمدخل الشرقي لمصر حيث تم الكشف عن العديد من القلاع الحربية القديمة من عصور مختلفة بداية من التاريخ الفرعوني ومرورا بالعصور الفارسية والبطلمية والرومانية والإسلامية. وكان أهمها على الإطلاق الموقع المكتشف والمعروف حديثا بتل حبوة وقديما بمنطقة "ثارو". ويقع تل حبوة شمال شرق القنطرة شرق بنحو 4 كم في مواجهة محطة الكاب شرق قناه السويس.
وتعد تلك القلاع العسكرية المكتشفة فى شمال سيناء سجلا كاملا عن تاريخ العمارة العسكرية، كما أنها تمثل منظومة دفاعية غير مسبوقة في أي مكان في العالم يحكي تاريخ الجيش المصري بداية من عصر الدولة الوسطى في شكل تحصينات عرفت باسم "حائط الأمير" أو "أسوار الوالي"، في عهد الملك سنوسرت الثاني، وكذلك من عصر الغزاة الهكسوس وحتى حرب التحرير التي خاضتها مصر للتخلص منهم، حيث شهدت تلك المنطقة إحدى المعارك الهامة على ضفاف الفرع البيلوزي للنيل والذي كان يخترق المنطقة عند القنطرة شرق ويصب فى البحر المتوسط، مكونا عائقا مائيا أقيمت على ضفتية أضخم القلاع العسكرية شرقا وغربا بينها قنطرة تمر فوق النيل، وقد ورد على بردية رايند معلومات تفيد باستيلاء الملك أحمس الأول على موقع ثارو في مدخل مصر الشرقي بعمل عسكري وكانت بداية لتباشير النصر في حرب مصر ضد الغزاة الهكسوس وهو ما كشفته أعمال الكشف الحديثة بتل حبوة.
وقد سُجِّل ذلك المنظر الذي يوضح مدخل مصر الشرقي على جدران معبد الكرنك بالأقصر، حيث يصور الملك سيتي الأول عائدا من الشرق وأمامه الأسرى يستقبله الكهنة المصريون فى منطقة "ثارو". ويمثل المنظر من البداية للنهاية سجلا كاملا للطريق المعروف باسم "طريق حورس الحربي"، وهو أقدم طريق حربي في التاريخ يقع بين مصر وفلسطين حيث كان على رأس الطريق منطقة "ثارو" والتي هي مقر قيادة الجيش المصري، ومقر ملكي لعدد من ملوك مصر العظام.
ثم يلي قلعة ثارو، أحد عشر قلعة عسكرية منتشرة من القنطرة شرق حتى رفح المصرية لتأمين مدخل مصر الشرقي وهذا النقش يعتبر أول خريطة طبواغرافية في العالم تصف مدخل مصر الشرقي وحدود مصر الشمالية الشرقية بكل دقة.
وهذه القلاع كان لها أسماء معظمها مرتبط بالملوك المصريين، وحدث بها ترميم وتعديل وإضافات من قبل ملوك الدولة الحديثة، وهي ليست فقط منظومة دفاعية، وإنما نقاط إمداد للجيش المصري. وكان يقوم على إداراتها قادة عسكريون مهمون ذوو ألقاب عسكرية ومدنية محددة، وكان بها المخازن المركزية للجيش المصري، وكانت ثارو هي المحطة الأولى بالقنطرة شرق والمنطقة المركزية ونقطة تجمع الجيوش المصرية قبل الانطلاق ناحية الشرق لتامين الحدود المصرية وخوض المعارك وكانت ميناء بحري نهري على نهاية الفرع البيلوزي القديم للنيل.
ويهدف مشروع بانوراما التاريخ العسكري المصري إلى تقديم وعرض الأحداث التاريخية والدلائل الأثرية والمعلومات التي تؤكد على أن الجيش المصري هو أول وأقدم مؤسسة عسكرية في تاريخ العالم استخدم التكتيك العسكري.
كما يهدف المشروع إلى الربط ما بين الاكتشافات الأثرية الحديثة لبعثات الحفائر في شمال سيناء في مواقعها الحقيقية، وما ورد على جدران وصروح المعابد المصرية القديمة عن المعارك الحربية التي خاضها الجيش المصري للتأكيد على أن ما نقش على واجهات المعابد المصرية وما ورد فى البرديات القديمة من معلومات عن الجيش المصري هي حقيقية لا تقبل الشك.
كما تعرض البانوراما أكبر حدث درامي في تاريخ مصر وهو مشهد سقوط مدينة أفاريس عاصمة الهكسوس (تل الضبعة بالشرقية). وقصة كفاح الشعب المصري في حرب التحرير التي خاضها مع ملوكه العظام لطرد الهكسوس من مصر، ومطاردتهم شرقا وحصارهم في موقع شاروحين. كما تعرض البانوراما أشهر المعارك التي خاضها الجيش المصري لتامين حدود مصر الشرقية والغربية والجنوبية وخاصة معركة مجدو وقادش اللتان جرى الإعداد لهما في منطقة ثارو، وكذلك معارك الملك رمسيس الثالث ضد شعوب البحر.
أما عن الموقع المقترح لإقامة البانوراما فلابد وأن تكون مشاهدة قناة السويس وسيناء متاحة عند النظر شرقا من موقع البانوراما وعلى هذا الأساس يمكن اقتراح موقع قريب من المعدية 6 وعلى مسافة غير بعيدة من موقع المزار العسكري الحالي ورمزة السونكي(النصب التذكاري) شرق القناة القديمة، والموقع من أروع الأماكن التي يمكن رؤية قناتي السويس القديمة والجديدة معا،كما أن هذا الموقع يكون قريبا من مكان استشهاد الفريق عبد المنعم رياض وفي مسار زيارة موقع "تبة الشجرة" أحد حصون خط بارليف الذي أسقطته القوات المصرية إبان حرب أكتوبر المجيدة.
التصور المقترح لمكونات مشروع بانوراما التاريخ العسكري المصري من الممكن أن يضم:
• المبنى الرئيسي لعرض البانوراما.
• متحف للتاريخ العسكري ويُعرض به القطع الأثرية المكتشفة في مواقع القلاع والحصون العسكرية في مصر شرقا وغربا وجنوبا، مع عرض موثق لتاريخ مصر العسكري عبر العصور الفرعونية والبطلمية-الرومانية والإسلامية والعصر الحديث مع استخدام أحدث التقنيات في العرض والشرح والوسائل المساعدة فى توضيح المعلومات.
• مكتبة خاصة بالتاريخ العسكري مزودة بمكتبة ديجتيال وأجهزة كمبيوتر لعرض أجزاء من تاريخ مصر العسكري وتاريخ منطقة القناة وسيناء للأطفال.
• قاعة 6 اكتوبر لتوثيق حرب 6 اكتوبر وعرض إنجازات الجيش المصري.
• حديقة حول المباني بها جزء مخصص لنماذج تماثيل القادة العسكرين على مر العصور ودورهم فى قيادة الجيش المصري.
• مسرح مكشوف
• قاعة عرض لإقامة المعارض الفنية
• منطقة بازرات لتحقيق العائد الاقتصادي للمشروع
يمكن أن يشارك في المشروع ثلاث وزارات هي الدفاع، والثقافة بالإضافة إلى وزارة السياحة والآثار التي يمكن أن تقوم بتزويد المكتبة الملحقة بمشروع البانوراما بالكتب العلمية عن تاريخ مصر من مطبوعات هيئة الآثار وإعداد سجل موثق بما نشر عن تاريخ مصر العسكري من خلال الاكتشافات الأثرية. كما يمكن جمع الأفلام الوثائقية التي نشرت عن تاريخ مصر العسكري ومراجعتها لتضاف إلى مكتبة أفلام البانوراما سواء باللغة العربية أو باللغات الأخرى. وعلى الأرض يمكن إعداد القلاع العسكرية المكتشفة فى شرق وغرب القناة وسيناء لتكون مزارات سياحية مثل قلاع تل حبوة (ثارو) وبلوزيوم والكدوة وأبو صيفي بشرق القناة وربط مواقع هذه القلاع بموقع البانوراما بعد تطويرها وترميمها بما يساهم في شرح التاريخ المصري العسكري وتشجيع السياحة الثقافية بالمنطقة، وزيارة الأماكن التي ورد ذكرها ضمن برنامج عرض البانوراما بما يساهم في فتح مزارات سياحية وتشجيع سياحة القلاع العسكرية، وربط المنطقة سياحيا مع مزارات شرق الدلتا بمحافظة الشرقية.
وبذلك يمكن أن نقدم مشروعا ثقافيا سياحيا مع إضافة مزار سياحي عظيم على الضفة الشرقية لقناة السويس أمام محافظة الإسماعيلية وسيناء.
سقنن رع
تحتمس الثالث
لابد أن تكون مشاهدة قناة السويس وسيناء متاحة عند النظر شرقا من موقع البانوراما المقترح، وعلى مسافة غير بعيدة من موقع المزار العسكري الحالي
جزء من بردية هاريس
نقوش الكرنك تتحدث عن أمجاد الجيش المصري
يمكن جمع الأفلام الوثائقية التي نشرت عن تاريخ مصر العسكري ومراجعتها لتضاف إلى مكتبة أفلام البانوراما سواء باللغة العربية أو باللغات الأخرى