الأربعاء 23 يوليو 2025

مقالات

لن ننسى مهما مر الوقت

  • 29-6-2025 | 13:16
طباعة

كما تنفع الذكرى المؤمنين فإن دروس الماضي تنفع الشعوب فهي الضوء الكاشف لها لترسم خطواتها المقبلة وتعيد ترتيب أولوياتها الوطنية ففي مثل هذا اليوم اغتالت يد الإرهاب الآثمة النائب العام في محاولة لإسكات صوت العدالة وترهيب ممثل الشعب كمحاولة لتجاوز إرادة المصريين في الثلاثين من يونيو وتصور هؤلاء المجرمون ومن وراءهم أنه عندما تستهدف رصاصات التطرف رموز الأمة لا تسقط جثة فحسب بل ينهار وهم الأمان الجماعي فهذه الجرائم ليست عملا عشوائيا بل ضربة مدروسة لقلب الدولة واغتيال للثقة بين الشعب ومؤسساته وتفجير لخطاب الرعب الذي يعطل مسيرة الحياة وهنا يصبح الرد على الإرهاب اختباراً لإرادة الأمة في الصمود.

وقد يتساءل البعض لماذا تختار التنظيمات الإرهابية الرموز الوطنية وببساطة لأنها تعرف جيداً أن استهداف القضاء أو الأمن أو الفكر يحدث زلزالا في الضمير الجمعي وتقارير الأمم المتحدة تكشف أن 70% من هجمات الإرهاب المنظم تركز على الشخصيات الرمزية لتحقيق أثر نفسي مضاعف فالمجتمع الذي يفقد حماة قيمه يشعر بالعري أمام عاصفة التطرف فهذه الجرائم تهدف لتحقيق معادلة شيطانية فكلما انهارت ثقة المواطن بمؤسسات وطنه ازدهرت ثقافة الخوف ومواجهة هذه الآلة تتطلب ثلاث جبهات متكاملة على الصعيد الأمني فلم تعد الحراسات التقليدية كافية بل ثورة الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات والتي تتيح التنبؤ بالهجمات قبل وقوعها كما أن تعقب التمويل عبر الشبكات المالية الدولية يخنق موارد الإرهاب أما فكريا فالمعركة الحاسمة تدور في ساحات التعليم ومنصات التواصل ويحتاج تفكيك خطاب الكراهية إلى خطاب مضاد يوثق جرائم الإرهاب ضد الإنسانية قبل الدين والوطن أما مجتمعياً فالتضامن الوطني في لحظات الأزمات هو الدرع الأقوى ضد انقسام المجتمع الذي هو الهدف الحقيقي للإرهاب فتوحده هو الضربة القاضية له.

ويقدم التاريخ دروسا صارخة فبعد هجمات 11 سبتمبر أنشأت أمريكا أنظمة إنذار غيرت موازين المواجهة العالمية وفي أوروبا دفعت اغتيالات السبعينيات لتأسيس "اليوروجست" أكبر شبكة استخباراتية عابرة للحدود فالدماء تسجل درسين لا ينسيان الأول أن الإرهاب لا يهزم بالمدافع وحدها بل بمشروع وطني يجعل الشباب حراسا للوطن لا وقودا للتطرف والثاني أن العدالة المتأخرة تهدر معنى التضحية لذا فإن المحاكمات العلنية السريعة للقتلة تعيد هيبة القانون وتقطع الطريق على ثقافة الإفلات.

وهنا يجب أن نعي أن الإرهاب يسعى لتحويل الرموز إلى ضحايا لكن دماءهم تتحول إلى رموز أشد صلابة فعندما يرفع الشعب شهداءه فوق الانقسامات يصبح الجرح مدرسة تخرج جيلا يعرف أن الرصاصة التي تقتل حارس الحق لا تقتل الفكرة بل توقظ ألف حارس جديد والنصر الحقيقي يتحقق حين يتحول ألم الأمة إلى مناعة وظلام الجريمة إلى شعلة تضيء درب الخلاص إن استلهام العبر من الماضي هو مفتاح الحكمة وبوصلة المستقبل فالماضي يحمل في طياته تجارب وأحداث شكلت تاريخنا وهويتنا كم أن تجاهل هذه الدروس يعني تكرار الأخطاء وفقدان فرص التعلم والتطور لذلك يجب علينا أن نمعن النظر في مآثرنا وأخطائنا ونستخلص منها العبر ونحافظ على ذاكرتنا الجمعية حتى لا تضيع جذورنا بين متاهات الزمن فالماضي ليس مجرد ذكريات منتهية بل هو مرآة تعكس حاضرنا ومصدر يضيء طريقنا نحو غد أفضل.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة