الأربعاء 27 نوفمبر 2024

صحافة الصورة وصورة الصحافة

  • 15-1-2017 | 12:04

طباعة

مؤخرا احتلت صورتان صحفيتان صدر اهتمامات الإعلام العالمى ودخلتا تاريخ الإعلام من أوسع أبوابه لقوتهما ولدلالتهما فى الممارستين المهنية والإنسانية.

الصورة الأولى التى التقطتها الصحفية التركية نيلوفير ديمير وهى صورة الطفل السورى إيلان كردى، وهو منكفئ على وجهه على شاطئ مدينة بودروم التركية بعدما قذفته أمواج البحر بعد غرق القارب المطاطى الذى كان يقله مع أبيه وأمه وشقيقه الأكبر فى رحلة هجرة غير شرعية طلبًا للجوء إلى أوربا بحثًا عن فرصة للحياة بعيدًا عن الحرب.

الصورة الثانية كانت لمصورة قناة n١tv المجرية التى تركل المهاجرين السوريين الذى يفرون من مطاردة رجال الشرطة المجريين لهم حتى أنها عرقلت مهاجرًا يحمل طفلته الصغيرة فوقع بها على الأرض.

فى الصورة الأولى اهتز العالم وتحرك زعماء أوربا السياسيون ليغيروا من سياسة تجاهل وإهمال تدفق المهاجرين الفارين من جحيم الحروب إلى بلادهم بحثًا عن فرصة للنجاة والحياة, قرر زعماء فرنسا وألمانيا والمفوضية الأوربية الترحيب باستقبال الفارين إليهم ومنحهم الفرصة ليعيشوا، حيث تحترم الحياة والكرامة الإنسانية.

رغم أن آلافا من السوريين قتلوا وهدمت عليهم بيوتهم وأسواقهم بالبراميل المتفجرة منذ بداية الصراع فى سوريا من أربع سنوات, ورغم وفاة المئات من السوريين وبينهم أطفال بالغازات السامة وغازالكلور، الذى مازال بشار يستخدمه ضدهم إلا أن ذلك كله تحول إلى روتين يومى عادى فى نشرات الأخبار حول العالم, وبالتعود لم يعد يصدم احد, حتى جاء هذا الرمز الذى يحرك المشاعر, والذى يعبر عن عمق معاناة الفارين من جحيم بشار إلى درجة المغامرة بحياتهم وحياة أطفالهم فى ظلمات البحر وأمواجه العاتية, جاء الرمز فى صورة إيلان ذى الثلاث سنوات ووجهه يحتضن رمال الشاطئ ويلامس أطراف موجاته التى ألقت به من جوف البحر.

كان أساتذة الصحافة يقولون: إن الصورة بألف كلمة حيث تسجل الحدث لحظة وقوعه وتحفظه وتسجله بتفاصيله, وتترك انطباعًا أوليًا فى ذهن من يشاهدها يدوم ويبقى فى ذاكرته فيشكل وعيه ويشكل الوعى العام للمجتمع كله, فالصورة تخاطب الجميع مهما اختلفت أعمارهم ومهما اختلفت درجة ثقافتهم, ومع وجود مواقع التواصل الإجتماعى زادت قوة وسرعة ثأثير الصورة الصحفية حيث تنقل الصورة ومعها مشاعر كل من يراها فتحدث زخمًا وضغطًا شعبيًا على كل سياسى وكل صاحب قرار يتلمس رضا ناخبيه عنه.

انضمت صورة إيلان إلى مجموعة الصور الصحفية، التى حركت ضمائر الشعوب ضد سياسات بلادهم, تمامًا كما فعلت الصورة الشهيرة للمصور الصحفى الأمريكى (نك أوت) عام ١٩٧٢ فى حرب فيتنام وهى لفتاة صغيرة في التاسعة من عمرها تفر عارية من منطقة قتال ألقت فيها القوات الأمريكية قنابل نابلم حارقة بعد أن احترقت ملابسها، كانت الصورة بداية الحراك المدنى الأمريكى لرفض الحرب فى فيتنام, والذى انتهى بانسحاب القوات الأمريكية منها فيما يشبه الهروب فى عام ١٩٧٤.

الصورة الثانية، التى دخلت التاريخ الصحفى الأسبوع الماضى كانت للمصورة التليفزيونية المجرية المجرمة بترا لازلو، التى لم تتعاطف مع محنة اللاجئين الفارين من ويلات الحروب بأبنائهم فأخذت تركل فيهم حتى أسقطت رجلًا يحمل طفلته على الأرض فشوهت بذلك صورة الصحافة والصحفيين وحقيقة مهمتهم التى يجب عليهم القيام بها.

فالمصور أو الصحفى فى موقع الحدث مفروض أنه عين المشاهد، التى ترصد مايحدث بدقة وأمانة, لذلك لايجب عليه أن يتورط فيما يحدث أمامه ويشارك فيه سواء بالتأييد أو الرفض, فإذا كان فى مظاهرة فهو ليس ناشطًا سياسيًا حتى ولو كان متعاطفًا مع المتظاهرين أو أن قضيتهم تخصه, فهو لو أراد ممارسة أى نشاط غير الصحافة فهذا من حقه، ولكن فى غير الأوقات التى يمارس فيها مهنته, والاستثاء الوحيد الذى يتخلى فيه الصحفى أو المصور الصحفى عن مهمته تكون فقط عندما ينقذ حياة إنسان عندما لايكون هناك أحد غيره ليقوم بهذه المهمة فى موقع الحدث.

والعمل الصحفى عمومًا يستهدف الدفاع عن القضايا الإنسانية العادلة لذلك يجب على الصحفى أن يتعاطف مع البشر الذين يصورهمأو يحاورهم فيراعى الظروف القاسية التى يمرون بها ويقدرحالتهم النفسية والصحية, فلا يجهد أحداويعرضه لضغوط أويستغل ضعفه أو حاجته, أما أن تكون عدوانيًا تجاه بشر تصورهم إلى درجة الاعتداء بالضرب عليهم وهم لاجئون ضعفاء مجهدون وجوعى ومطاردون فهذا قمة الخسة والنذالة إنسانيًا ومهنيًا, وقد أعلنت شبكة التليفزيون، التى تعمل بها هذه المصورة فصلها من العمل بعد ردود الأفعال العالمية على الفيديو، الذى يصور الواقعة, وذلك على الرغم من الحملة الدعائية الكبرى التى يشنها رئيس وزراء المجر فى وسائل إعلامه ضد المهاجرين وكيف أنهم باحثون عن حياة الرفاهية فى أوربا, كما أن أغلبهم مسلمون، وبالتالى سيغيرون من هوية أوربا المسيحية، فالقواعد المهنية الصحفية والتعاطف مع محنة إنسانية شيء ومزايدات السياسيين شيء آخر.

كتب : طارق سعد الدين

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة