بقلم : عاطف بشاي

"مصر من تالت" .. حواديت من المحروسة "كتاب ممتع صدر أخيراً تأليف "مؤمن المحمدي" .. يحتوي على عدد كبير من الحواديت المختارة من تاريخ مصر الحديث صاغها بالعامية المصرية صياغة سلسة وطريفة .. انتقاها بذكاء ولماحية مثقف أريب يعشق دراسة التاريخ .. واستنباط الحكم والعبر واستخلاص النتائج التي تنعكس على الحاضر .. وربما المستقبل .. وإن كان يقرر في مقدمة الكتاب في تواضع جم "باحاول ماتدخلش .. ولا أصدر أحكاما .. على قد ما أقدر يعني .. وماعنديش هدف إني أقول علي إن العصر ده أحسن من العصر دوكها .. ولا أن الحاكم الفلاني أجدع من الحاكم العلاني .. أنا سايب لك إنت الحكم وتوجيه الحكايات زي ما تحب ثم هو يسأل نفسه "طيب إيه هدف الكتاب"؟! .. ويجيب معلناً بوضوح أنه مجرد تنفيسة .. تنفيسة لي ولك ..

أما أكثر الحكايات ذات الدلالة والمغزى التي شدتني في الكتاب فهي بعنوان انتفاضة الدراويش .. يا عزيزي كلنا لصوص" و التي نقلها "مؤمن المحمدي" عن "الجبرتي" : قالت إيه .. مراد بك شريك إبراهيم بك في الحكم ساب القاهرة المحروسة سنة (1200هـ) وطلع على بحري في مهمة هي تحصيل الأموال والإتاوات من الأهالي .. واللي يرفض يفشخوه وينهبوا بيته وممكن ياخدوا عياله عبيد وحريمه سبايا .. ولكنه ترك في القاهرة من يقوم بنفس المهمة هو "حسين بك الشفت" .. الشفت ده طلع على الحسينية وهجم على دار "أحمد سالم" المسئول عن جمع أموال وتبرعات دراويش سيدي البيومي" .. ونهبه .. انتفض الدراويش .. جمعوا أنفسهم وعملوا أذعرينا ناحية جامع الأزهر .. وطالبوا بحقهم اللي خده منهم "حسين الشفت" .. ويا قاتل يا مقتول .. وتحولقوا حول الشيخ "أحمد الدردير" الذي تبني قضيتهم وقال حاجه كده شبه .. يا نجيب حقهم يا ينموت زيهم" اللي هو إحنا حانهجم عليهم زي ما هجموا علينا .. وننهب بيوتهم زي ما نهبوا بيوتنا " ..

وبناء على هذه الهبة الجماهيرية اجتمع مسئول حفظ الأمن "محمد سليم" وأعوانه وذهبوا إلى الشيخ "أحمد الدردير"

إيه اللي يرضيكم يا شيخ أحمد ؟!

حق الناس يرجع لهم

يرجع يا شيخ أحمد .. اكتب لنا قائمة بالحاجات اللي نهبها الشفت ده وإدينا مهلة .. واحنا حا نرجعها بإذن الله ..

"محمد سليم" يستدعي "حسين بك الشفت" الذي حضر فبادره :

رجع الحاجات يا "حسين بك"

مش ها أرجع حاجة ..

إزاي يعني؟!

كده ..

إزاي بس "ياحسين بك" .. دي حاجات الناس .. حاتنهبها يعني؟!

آه .. حا أنهبها .. دمش أنا بس اللي باأنهب .. يا عزيزي كلنا لصوص.. أنا بأنهب .. وإنت يا إبراهيم بك بتنهب وكلنا بننهب ..

يقول "مؤمن" معلقاً "مؤكداً أن "حسين" بك الشفت كان فاهم الشعب المصري كويس وإنه زي النحاس يسخن بسرعة ويبرد أسرع وإن الحكاية حترسي على فاشوش أو حسب تعبير "الجبرتي" "بردت القضية" .. ولا جابوا حقهم ولا ماتوا زيهم .. ولا يحزنون .. منه له .. جاي رايح منه له" ..

ألا تذكرك حكاية "الجبرتي" تلك بالمليارات التي نهبها قراصنة عهد مبارك وأودعت في بنوك الخارج .. وراح مسئولين .. وجه مسئولين .. وفشلوا في استرداد الأموال .. وراحوا تاني وتالت لغاية لما "بردت القضية .. وآفة حارتنا النسيان؟!