الخميس 9 مايو 2024

أبرزها: «رأفت الهجان ودموع في عيون وقحة» .. كيف تلعب دراما الجاسوسية دورا في الانتماء للوطن؟

6-3-2017 | 10:05

تحقيق: عمرو والى

يشهد الموسم الدرامي الرمضاني المقبل عودة الأعمال الوطنية من جديد، والتي تستهدف بشكل أساسي بث روح الانتماء وتنمية قيمة الوطن لدى المشاهد، حيث تستقبل الشاشة الصغيرة ، مسلسلين هما «الزئبق» بطولة كريم عبد العزيز، وشريف منير، والمأخوذ عن ملفات المخابرات العامة المصرية، و«الضاهر» بطولة محمد فؤاد، فيما تظل هذه النوعية من الدراما تحتفظ بأهمية كبرى، حيث شكلت وجبة دسمة ينتظرها المشاهد المصري والعربي، لامتلاكها لعنصر الجذب، لاسيما مع ما تكشفه من أحداث مثيرة ومشوقة، ورغبة منه فى الاطلاع على بطولات الأجيال السابقة وقصصها ... «الكواكب» تطرح تساؤلاً حول أهمية هذا النوع من الدراما ودوره فى تعزيز القيم الإيجابية؟ وأبرز الصعوبات التي تواجه صناعه؟ ولماذا أًصبح مسلسلا «رأفت الهجان» و«دموع فى عيون وقحة» هما النموذجان الأبرز بينما لم تحقق الغالبية العظمي من المسلسلات التي عرضت بعدهما نفس الصدى أو النجاح فى ذاكرة الجمهور ؟ وما هي الأخطاء التي يجب تجنبها عند تنفيذ مثل هذه الأعمال؟

احتياج شديد

يقول الكاتب وليد يوسف، مؤلف مسلسل «الزئبق»، المأخوذ عن ملفات المخابرات العامة المصرية: إن الجميع فى أشد الحاجة لمثل هذه النوعية من الدراما التي تقدم قدوة للشباب المصري، عبر بطولات طويلة لجهاز أمني كبير مثل المخابرات العامة المصرية، لافتاً إلى أنها تعطي ثقة كبيرة للمواطن فى أجهزته الأمنية مما يبعث الطمأنينة لديه، لاسيما ما تقوم به من أعمال تعتمد على الذكاء والقدرة على التعامل مع المواقف فى أصعب اللحظات.

ملحمة بطولية

وأضاف يوسف أن مسلسل الزئبق يحاول توجيه رسالة بأن التجسس ليس فى زمن الحرب فقط، وأن العدو دائماً يعمل طوال الوقت ويحاول معرفة ما لدينا من قدرات، ونقاط قوة لكي يحاربوها بشتى الطرق والوسائل، مشيراً إلى أن ما تشهده البلاد من تفجيرات وأحداث تؤكد هذا الأمر عبر مؤامرات تحاك ضد مصر.

وأشار يوسف إلى أن المنتج لؤي عبد الله عرضت عليه 5 ملفات من المخابرات المصرية ولكنه اختار هذا المسلسل لتقديمه للدراما، الذي يحكي عن ملحمة بطولية لرجال مصر وقعت احداثها فى الفترة من أواخر التسعينيات واوائل الالفية الجديدة ليكون هذا العمل هو أول مسلسل مأخوذ عن ملفات المخابرات المصرية وتدور احداثه فى الالفية الجديدة خاصة أن الاعمال السابقة معظمها تدور قبل حرب 1973.

وأكد يوسف أن مثل هذه النوعية من الدراما تكمن صعوبتها فى التعامل مع محتوى مصمت، وتكون مهمة الكاتب تحويل هذا المحتوى لأشخاص من لحم ودم، مشدداً على أن ما يتم الحصول عليه من معلومات من ملفات المخابرات المصرية، لا يزيد على 20% بينما 80% النسبة المتبقية للعمل الدرامى، تكون نابعة من وحى خيال الكاتب، وهنا تكمن صعوبة المهمة، فى كيفية الحفاظ على التفاصيل ونسجها فى عمل ابداعى جاذب للمشاهد، به حبكة درامية، وشخصيات متفرعة ومتنوعة، دون التقليل من شأن أحد أو تعظيم شأن أحد آخر أو مخالفة الحقائق، لأن طريقة اللعب بين الأجهزة صعبة، لأنها سياسة وأمن دولة، وبالتالي لايمكن الكشف عن كل تفاصيلها.

وأعرب يوسف عن أمنياته فى أن يلقى العمل إعجاب الجمهور، لاسيما وأن كريم عبد العزيز وشريف منير يقدمان أدواراً جديدة ومختلفة فى مشوارهما الفنى، وبشكل مختلف تماماً عن فيلم «أولاد العم» الذى تعاونا فيه معاً، أو مسلسل «الصفعة» .

حقيقة المنع

ومن جانبه أعرب الفنان تامر عبد المنعم، مؤلف، ومنتج مسلسل «الضاهر» عن سعادته ببدء تصوير العمل، بعد فترة طويلة من التأجيل، نافيا ما تردد عن منع الجهات الأمنية للعمل بأي شكل من الأشكال، مشيراً إلى أن المسلسل البطل فيه ضابط بالجيش، وهو ما تطلب السير وفقاً للنظام المتبع بعرض سيناريو المسلسل علي الشئون المعنوية، من أجل التصديق عليه، لأن العمل يحتاج ملابس خاصة، ودبابات، وطائرات، وبالتالي لايمكن أن يتم ذلك إلا بالحصول على الموافقة من الجهة المختصة.

وأكد عبد المنعم أن جهاز الرقابة قدم للشئون المعنوية 7 نسخ من المسلسل، لافتا إلى أنه لم يتلق أي ملحوظات، فيما انطلق التصوير من القاهرة بالفعل بداية الشهر الجاري عقب بناء عدة ديكورات فى مدينة الإنتاج الإعلامي، موضحاً أنه سافر إلي اليونان بصحبة فريق العمل لتصوير بعض المشاهد الخارجية.

ورفض عبد المنعم الكشف عن تفاصيل المسلسل، واكتفي بالقول: يتناول جزءاً مهماً من الحياة الاجتماعية فى مصر من خلال فترتى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى وتواجد اليهود في مصر، ويجسد المطرب محمد فؤاد دور ضابط بالجيش المصري يعيش في حي الضاهر بالقاهرة، حيث يحمل المسلسل العديد من المفاجآت، ويكشف عن معدن المصريين الأصيل، والانتماء لتلك البلد، مؤكداً على أن طاقم العمل يجمع الكثير من النجوم على رأسهم حسن يوسف، ورغدة، وسميرة محسن، وأميرة هاني، ومحمد لطفي وغيرهم.

الإثارة والتشويق

المؤلف بشير الديك: والذى كان له عدة تجارب سابقة منها «مهمة في تل أبيب»، و«حرب الجواسيس» يقول إن الشباب اليوم فى حاجة ماسة إلى أعمال تزرع فيهم روح الوطنية والأمل من جديد، وأن نسبة المشاهدة العالية التى تحققها دراما الجاسوسية تؤكد أن الشباب العربى لديه رغبة قوية للاطلاع على بطولات الأجيال السابقة وقصصها، وأن هذه الأعمال تتطلب مهارة خاصة فى الكتابة، وتعتبر من أصعب أنواع الدراما نظرا إلى اعتمادها على الإثارة والتشويق طوال أحداثها فضلاً عن ذلك فمن يتصدى لكتابتها يجب أن يكون ملمّا بأحدث الدراسات والأبحاث والآراء التى كُتب عنها كما يجب أن يكون مدركا جيدا للزمن الذى كتبت فيه.

وأضاف الديك: أن الأساس فى الأعمال المخابراتية هي لعبة الذكاء، وبالتالي فالسيناريو يجب أن يكون متقناً فنياً، بغض النظر عما إذا كانت قصة العمل عن واقع ملفات المخابرات المصرية أو من خيال المؤلف، لافتاً إلى أن كل الأعمال الحقيقية وعلى رأسها رأفت الهجان ودموع في عيون وقحة نسبة الحقيقة فيها لا تتعدي 10%، والنسبة الباقية من خيال المؤلف.

وأشار إلى أن هذه النوعية من الأعمال بها الكثير من العناصر المشتركة فى الظروف والوقائع والأحاسيس والمشاعر فى مصر، إسرائيل، العداء، والكره المتبادل، لعبة الذكاء فى الخطط، والتعامل معها، موضحاً أن القصص المأخوذة عن ملفات المخابرات لا تكون فيها التفاصيل كاملة، لأنها فى النهاية أسرار خاصة للدولة، لاسيما وأن نقل الأحداث كما هي يجعل العمل وكأنه تسجليا، وليس درامياً به عناصر التشويق والإثارة.

عوامل الجذب

ويشرح الدكتور نبيل فاروق، الكاتب والروائي بداية العلاقة الحقيقية بين المشاهد ودراما الجاسوسية قائلا إنها تفجرت من خلال مسلسل «رأفت الهجان»، والذى كتبه الراحل صالح مرسي ونقل تفاصيل المعالجة الدرامية، من أحد ملفات المخابرات الحقيقية، حول أحد أقوى العمليات المخابراتية، وقام بها الراحل محمود عبد العزيز.

وأضاف: أن ما أعقب المسلسل من مقالات ولقاءات تليفزيونية، واستنكار إسرائيلي وكشف للحقائق زاد الشغف بهذه النوعية المميزة، وهذا الشغف يعود لعدة عوامل أبرزها: درامي حيث يتابع المشاهد لعبة شديدة التعقيد تحمل مفاجآت واستمتاعاً، ومنها اجتماعي حيث صار هناك احترام كبير لصورة رجل المخابرات، وما يقدمه من تضحيات من أجل الوطن، وقد لا تعلن عن بطولاتهم مطلقاً، وآخر نفسي حين يكون لكل إنسان رغبة فى الشعور بالقوة والانتصار فى لحظات النصر، لاسيما إذا ارتبطت بروح العطاء والانتماء والإحساس بحب الوطن، وهي أحاسيس تبعث بالهدوء والأمان والاستقرار.

وأكد فاروق أن المسلسلات الأخيرة والتي تم عرضها خلال السنوات الماضية افتقدت للحرفية المطلوبة، وهناك خلط بين العمل الجاسوسى والمخابراتى وبين العمل الأمنى، لاعتمادها فقط علي إنتاجيات ضخمة، ومناظر مبهرة فى الصورة على حساب البناء الدرامي والقصة، لافتاً إلى أن مسلسل رأفت الهجان نجح فى المقام الأول بسبب الحبكة الدرامية الرائعة على الرغم من وجود خطأ كبير وهو أن المشاهد فى بداية المسلسل تأكد أن البطل لن يتعرض لأي مخاطر أثناء عمله، وكانت النهاية معروفة، إلا أن المشاهد تفاعل مع الأحداث تفصيلياً، بسبب حرفية المؤلف والمخرج، وبالتالي تبقي الكتابة والسيناريو المحكم هو الأساس فى نجاح أي عمل درامي من هذا النوع .

روح العصر

ويرى الناقد الفني، رامي عبد الرازق، أن الأعمال الوطنية لابد أن تصنع بشكل جيد على كافة المستويات سواء الإنتاج أو الكتابة أو الإخراج حتي تحدث لدى المتلقي تأثيراً قوياً في بث روح الانتماء الوطني، لافتاً إلى أن أعمالا مثل «رأفت الهجان» أو «دموع في عيون وقحة» يتمتعان بالتميز فى تلك المستويات، واصبحا هما النموذجان الأكثر نضجا فى تاريخ دراما الجاسوسية التي انتجتها مصر.

وأضاف عبد الرازق أنه من الممكن أن يتوافر لدى الكاتب قصة متميزة من ملفات المخابرات على سبيل المثال، ولكن كتابتها بشكل هزيل أو سيىء، وبدون إتقان لها يفقد تأثيرها تماماً، وهو ما حدث من خلال أعمال مثل حرب الجواسيس أو الحفار أو عابد كرمان.

وأوضح عبد الرازق أنه بعد وفاة صالح مرسي الكاتب المتخصص فى هذا النوع من الدراما لم يحاول أحد دراسة أو إعادة النظر في أدب ودراما الجاسوسية، وكيف تكتب؟، وما هي أبعادها؟ وسبل نجاحها؟، لافتاً إلى أن كل من جاء بعده حاول تقليد ما تم عرضه، من النموذجين الأبرز، وسبق ذكرهما، وبالتالي خرجت الغالبية العظمي من تلك المسلسلات كصورة مشوهة وكان مصيرها الفشل فى التأثير على الجمهور.

واستطرد عبد الرازق حديثه قائلاً: «إذا لم يتم تلافي تلك الأخطاء، والتصدي لتلك المسلسلات من خلال الكتابة والإخراج، عبر متخصصين، وعلى دراية كاملة واستيعاب لهذا النوع من الدراما سيكون مصيرها الفشل من جديد، خاصة أن كل من يرغب فى تقديم الأعمال الوطنية يصر على محاكاة رأفت الهجان أو دموع في عيون وقحة، على الرغم من أن الزمن تغير، ولدينا من الإمكانيات ما يجعلنا نقدم عملاً جيداً.

مبالغات وسطحية

وطالبت الناقدة الكبيرة خيرية البشلاوي بضرورة عرض الأعمال الوطنية التي تتضمن دراما الجاسوسية خارج الموسم الدرامي الرمضاني، من أجل أن تأخذ حقها بشكل تام فى المشاهدة والتحليل، لاسيما وأنها تعمل بشكل رئيسي علي ترسيخ معاني الوطنية والانتماء والشهامة لدى الشباب، عبر بطولات وقصص متنوعة تثرى الوجدان، في ظل سيطرة قيم العولمة والثقافة الغربية الوافدة إلينا، والتي تشكك في كل قيمنا.

وتضيف: أن كل الأعمال الدرامية أو السينمائية من هذا النوع وثقت النجاحات التي حققها رجال المخابرات لافتة إلى أن معظم الأعمال التي قدمت هذه النوعية من الدراما تكاد تكون نهايتها الفشل، باستثناء رأفت الهجان، ودموع فى عيون وقحة، خاصة أنها وقعت فى فخ المبالغات فى تقديم الأعداء بشكل واقعى أو ظهور الشخصيات المصرية بصفة الأبطال الخارقين، وكذلك الحرفية فى بناء الشخصيات الدرامية وتناول الأحداث، لاسيما وأنها تناقش موضوعات بالغة الحساسية والخطورة.

وأشارت إلى أن العمل الناجح فى هذه الأعمال لابد أن يتوافر فيه عدة عناصر، أهمها الصدق والبعد الوطنى لكى يلهب حماس المشاهد، بالإضافة إلى الإمتاع والعناصر الفنية التى تساعد على جذب المتلقي للعمل.

خيال المؤلف

وقالت الناقدة الفنية ماجدة خير الله، إن دراما الجاسوسية لديها الكثير من المقومات التي تجعلها قادرة على جذب المشاهد، بالإضافة إلى تقديم محتوى جيد، ولكن شرط أن تتوافر فيها عنصر المصداقية، والحبكة الدرامية، والأداء المميز للأبطال.

وأكدت خير الله أن أعمال الجاسوسية التى قدمت تعالج جزءا من الحقيقة، وليس كل الحقيقة، لأنه من المستحيل أن أى جهاز مخابرات يكشف عن ورقه أو عن واقع وحقيقة الأعمال التى يقوم بها، ولكن كل ما يقدم هو المتاح والمطلوب إعلانه فى وقت معين، لذلك من المستحيل أن تكون هذه الحقائق الكاملة، لأنها أسرار أمن قومى، وبالتالي يوجد جزء كبير من أى عمل درامى له علاقة بخيال المؤلف، ولابد أن يكون المؤلف مدركا لذلك لكى تكون لديه الفرصة للتواصل مع الأحداث بسهولة وتقديمها بصورة جيدة.

    Egypt Air