الثلاثاء 24 سبتمبر 2024

شـيخ المصـــوّرين ابن التسـعـيـــن .. حــــالة اســتثنــائـــية محمـد صبـري .. «لقطـة مصـر»

6-3-2017 | 14:24

حوار أجراه : محمد عبدالحافظ

كانت عقارب الساعة تستعد للعناق معلنة انتصاف نهار التاسع والعشرين من أكتوبر ، ومرور ستين عاما كاملة علي «مؤامرة « العدوان الثلاثي علي مصر» ..

الحدث « الجلل « لم يغب عن بال القائمين علي مؤسسة «دار الهلال» .. والذكري لم تكن لتمر  دون حفاوة تليق بها ، فكان قرار الكاتب الصحفي غالي محمد رئيس مجلس ادارة دار الهلال ورئيس تحرير «المصور» بإصدار عدد تذكاري عن العدوان ، ومعه كتيب «عشرة ايام مجيدة « الذي نشرته «المصور» عام 1957 ووثق بالكلمة والصورة للحدث .

وعلي الغلاف الداخلي للكتاب المعاد نشره لفتتني العبارة « التقط صور المعركة» محمد صبري  فكانت شرارة هذا الحوار .

خطوات بسيطة تفصل بين مؤسسة «دار الهلال» الصحفية ، ومنزل واحد من أبنائها اللامعين، الذي وثق بكاميرته وقائع العدوان ، في «خبطة» صحفية وفنية نادرة .

ستة عقود ملآي بالحكايات يحملها الرجل علي كاهله ، وهو يسير متمهلا في شوارع المربع الجعرافي الذي طالما شهد لحظات مجده .

قطعة من التاريخ ، تمتزج فيها السياسة بالتصوير الصحفي ، الفن التشكيلي ، وتتزاحم فيها أسماء زعماء وقادة ، نجوم ومغامير ، فدائيون وحالمون ، قطعة من التاريخ يختزلها اسم لم يفقد بريقه رغم التغيرات المرعبة في الواقع.

خطوات قطعتها في طريقي لمنزل الفنان محمد صبري ، كانت أغنيات تلك الفترة الاستثنائية تتردد في اذني ، بينما تمر أمام عيني لمحات من حياة «صبري» المولود في الشهر نفسه «أكتوبر» قبل أعوام طويلة ، تحديدا عام 1925 ، لأب  مستشار شارك في التحقيق بقضية « ريا وسكينة » ، اما والدته فكانت «ناشطة نسوية» ورفيقة در ب »هدي هانم شعراوي» .. فضلاً عن مساهماتها الثقافية المتعددة ..

مبكرا تفتحت موهبة صبري ، وعرف ان الرسم هو طريقه ومسار حياته ، وجاءت الفوتوغرافيا بالمصادفة ، وربطته بـ«دار الهلال» علاقة لا تنفصم .

 « محمد صبري « أحد الأسماء التي دفعت بها «دار الهلال» للساحة الثقافية ، والإعلامية ، يمثل حالة إنسانية ومهنية فريدة ، واحد  ممن أتاحت لهم «دارالهلال» فرصة المساهمة في كتابة التاريخ ، كتفا الي كتف مع أسماء منها : أحمد بهاء الدين ، فكري اباظة ، كامل زهيري وأمينة السعيد ورجاء النقاش وآخرون من نجوم احد اعرق المدارس الصحفية في العالم العربي .

لمناسبة مرور ستين عاما علي «العدوان الثلاثي» تبدو اللحظة ملائمة ، لا لتكريم «صبري»  الذي شارك بعدسته في المعركة ، وإنما لإعادة قراءة تاريخ رجل أضاف الكثير ، لمهنة التصوير الصحفي ، ورصدت عدسته حركة المجتمع المصري والعربي في واحدة من اشد مراحل التاريخ تقلبا .

في ذكري العدوان الثلاثي ، تستعيد صور محمد صبري بريقاً لم تفقده عبر أكثر من نصف قرن ، ويتجدد الاعجاب بشجاعته وحرفيته ، وكيف حول الكاميرا لسلاح في مواجهة ثلاث دول كبري ارادت كسر مشروع مصر النهضوي ، وككل جندي يستحق صبري الحفاوة ، والتكريم

ومن أجل هذا ذهبت اليه «المصور» لتقول له شكراً .

ولطبيعة الرجل ..جاء الحوار معه مختلفا ، فقد اختار له أو قادنا الحوار إلي شكل أشبه ما يكون بلقطات فوتوغرافية ، مشاهد من حياته ومغامراته ، يجمع بينها كونه البطل ، اما شركائه في تلك اللقطات فكانو من كل الشرائح والفئات .

اللقطة الاولي ..

«اب مستشار.. وام  مثقفة بروح فنانة»

 كانت الحرب العالمية الاولي وضعت اوزارها قبل اقل من عام ولا زالت ظلالها جاثمة ،  عندما انطلقت في احد منازل شارع البراموني بالحلمية الجديدة صرخة معلنة ولادة الابن الأكبر للمستشار احمد مجمد صبري الذي لمع اسمه عقب مشاركته التحقيق في قضية «ريا وسكينة « السفاحتان الشهيرتان ، بينما كانت الام نموذجا استثنائيا في عصرها ، نموذج ترك اثرا لا يمحي في حياة الابن ، فـ»جميلة هانم صبري « كما كانت تعرف ، كاتبة ، وناشطة نسوية ، عاشت حياة حافلة ، وتميزت بـ»روح الفنانة « الامر الذي انعكس علي صغيرها ، كانت مقربة من «هدي شعراوي « وعضوا مؤسسا في جمعية «ترقية الفتاة «  ومدراس « بنات الاشراف « ، وتركت ارثا ادبيا تمثل في سبع كراسات ، ضمت رصدا بقلمها  للتطورات السياسية والاجتماعية في مصر وانعكاس ذلك علي حياتها الخاصة ، وهي الكتابات التي نشرت لاحقا تحت عنوان « تدوينات جميلة صبري « عن مؤسسة المرأة والذاكرة ، بمقدمة للكاتبة صافيناز كاظم ،

تركت الام أيضا اعمالا شعرية وبعض الرسومات ، واثرا خاصا في ابنها الأصغر الذي اكتشفت ميوله الفنية مبكرا ودعمته ليتجه نحو الفن التشكيلي ، لتبقي في قلبه دائما المرأة التي احبها لأنها «نموذج المرأة العظيمة « ولم ينل من حبها في قلبه رحلاته المتعددة في عالم الحب والغرام ..

 

اللقطة الثانية ..

«طفل موهوب ..ومعلم ارمنى»

مبكرا جدا تعلق الطفل محمد صبري بالألوان، وتقاسم مع والدته الساعات علي سبورة بيضاء وطباشير ملون اشترتهما له خصيصا لينمي موهبته الواضحة ، ويوما بعد يوم اكتشف الابن والام ان الرسم هو الطريق الوحيد امام الفتي الموهوب ، الذي شغله الفن عن استكمال المسار التقليدي للتعليم ، كما شغله عن  رياضته المفضلة وهي المصارعة ، وكان قرار محمد ابن السادسة عشرة هو السفر لإيطاليا لتعلم الفن ، وجهز نفسه للرحلة الا ان ظروف الحرب منعته من استكمال مخططه ، فما كان منه الا ان واصل الرسم بفطرته، وكان يهدي لوحاته الي افراد عائلته واصدقاءه المقربين ،

ولعبت الصدفة دورها في وصول احدي لوحاته عن طريق الاهداء الي حائط فيلا شقيقته الكبرى ، وعندما عرضتها للبيع ، جاء المصور الأرمني «البان» الذي كان احد اشهر المصورين الفوتغرافيين وقتها ، ورأي الصورة وسأل عن الفنان الذي رسمها وعندما اخبرته انه شقيقها الأصغر ابدي اندهاشه ونصح بان يتجه  «صبري « للتصوير الفوتغرافي متوقعا ان يكون له مستقبل عظيم ، وكانت تلك شهادة لها أهميتها من فنان مثل البان احترف تصوير العائلات المالكة في مصر وأوروبا ، لم يكذب صبري خبرا فالتحق باستديو «ارمان « بوسط البلد حيث التقي وصادق الفنان « سحاب الماظ « ،

 

اللقطة الثالثة ..

«فنان عالمي .. ولمبة جاز»

كانت خطوات الفتي الموهوب اسرع من الأيام، واحلامه ارض كثيرا من الواقع ، وربما كان يدرك او يشعر انه مقدر له الشراكة في تغيير الواقع ، وانطلاق بلاده نحو التحديث ، وبمجرد ان قرأ اعلانا  عن مسابقة عالمية للتصوير الفوتغرافي ، قرر ان مصر يجب ان تشارك ، وكانت امامه مشكلة بسيطة ..لم يكن يمتلك كاميرا !!

استطاع «العبقري الشاب» ان يصنع صورته التي سيشارك بها في المسابقة ، بواسطة «كارتونة « ثقبها بابرة وضبطها بمهارة لا تتوافر الا للمصريين لتتحول الي «الة تصوير بدائية « التقط بها صورة حازت المركز الثاني في المسابقة العالمية التي كان يطمع فقط الي شرف المشاركة فيها ..

مرة اخري تزامن الصدفة جائزة صبري بتحول في نمط اداري كان مستقرا في المؤسسات الصحفية المصرية ، حيث يدرك القائمون عليها تعاظم دور الصورة ، ويقرر ون انشاء اقسام للتصوير الفوتغرافي وتأسيس استديوهات خاصة بدلا من التعاون مع المصورين  من الخارج بنظام «الأبونيه»

بسرعة تحولت الجائزة الي عروض عمل من الاخبار والاهرام ودار الهلال ، التي اختارها صبري ، وبدأ  فيها  رحلة عمل اثمرت مشوارا مهنيا وانسانيا فريدا

 

اللقطة الثالثة .. «في دار الهلال»

كان صبري يؤمن انه فنان ، وان الكاميرا «دخيلة» علي مساره الذي بدأ بالريشة ، وربما كان هذا الإحساس هو ما قاد خطواته الي دار الهلال ، التي كانت الصورة فيها «لوحة « وليست «خبرا « ..

أسس صبري الاستديو ، حسب اتفاقه مع اميل زيدان ، علي احدث المواصفات العالمية ، ومن اجل هذا الهدف تعلم اللغة الفرنسية وقرأ احدث الكتب والمقالات في هذا المجال ،

وربما كانت أحلام صبري عندما دخل دار الهلال عريضة ، وطموحه كبيرا الا انه بالتأكيد لم يكن يتوقع ان يحقق من خلال علاقته بالمؤسسة العريقة كل هذا الإنجاز ، وان توثق عدسته لحظات التاريخ ، الذي كان يتشكل وقتها ، وان يصادق ملوكا ورؤساء ونجوم ونجمات ، وان يسجل تاريخ الصحافة ، وفن التصوير اسمه كأحد رواد هذا الفن وتلك المهنة باحرف من نور، شاهدة عليه «كاميرا قديمة « لازالت ضمن مقتنيات الدار حتي اللحظة .

لقطة جانبية ..

 «عدسة واحدة .. واربع رؤساء تحرير»

من بين العديد من نجوم مهنة المتعب الذين عمل صبري معهم والي جوارهم تبقي في الذاكرة مساحة خاصة يحتفظ بها لاربعة أسماء ممن رأسو تحرير مطبوعات دار الهلال ، يأتي في مقدمته الراحل الكبير احمد بهاء الدين ، الذي قاد عملية لتجديد دماء الدار العريقة ، مستعينا بمجموعة من الشباب الجامعي اثارو حسد الكبار حتي ان « عواجيز الدار « اطلقوا عليهم اسم « البهائيين « نسبة لاحمد بهاء الدين ، ومع احدهم «كمال سعد « زار صبري جبل علبة ووثق حياة وتقاليد قبائل العبابدة والبشارية ، وطبيعة الجبل المدهشة ،  فضلا عن خبطاته الصحفية المتعددة مع بثينة البيلي وصافيناز كاظم ، ومع بهاء أيضا كان له موقف لا ينسي عندما صور علي صبري نائب رئيس الجمهورية وقتها في مأدبة فاخرة بموسكو ، بينما مصر تعاني تبعات النكسة ،

وتمر السنوات ويبقي بهاء عنوانا علي مدرسة ومرحلة في الصحافة المصرية تجمع بين التوقد والعقلانية ، ولا تفقد بريقها ونظرتها الثاقبة ..

و لا ينسي  صبري  أيضا  نقيب النقباء كامل زهيري ، الذي قدم للمهنة الكثير ، ورسم ملامح مدرسة « الرصانة الصحفية « التي تقدم الخبر والمعلومة بلا تزيد او ابتذال ،

 و»الباشا « فكري اباظة ، صاحب العبارة الرشيقة المرحة ، الذي كان قلمه مضبوطا علي موجة الجماهير ، وبقي قلبه شابا حتي بعدما جاوز السبعين

 والعظيمة امينة السعيد ، التي كانت رئيسا لتحرير مجلة «حواء».. عندما نشرت علي غلافها صورة بعدسته لابنه الوليد أحمد وزوجته السيدة ليلى ، وهو الذي سيصبح لاحقا مهندسا معماريا ، بقرار مستقل ،بعيدا عن التأثيرات الفنية لـ«صبري» الكبير ، وظلت امينة رمزا للمرأة المصرية القوية المعطاء ، القادرة علي ادارة عشرات الرجال بشخصيتها الحاسمة الامومية

 

لقطة مقربة .. « الصياد ..في مهمة خاصة»

من بين عشرات الخبطات الصحفية تبقي المهمة الأصعب والاهم في مشوار صبري تلك الرحلة الخطرة التي قام بها في 29 أكتوبر عام 1956، عقب العدوان الثلاثي ، والفكرة تبلورت لديه بعد فشل مشروع مماثل لمجموعة من صحفيي ومصوري روزاليوسف ، الذين لم يتمكنوا من دخول بورسعيد المحاصرة ، لانهم ــ حسب قوله ــ استبقوا الرحلة بـ»زفة إعلامية «صاخبة ، لكن صبري قرر التسلل بهدوء وتوجه بالفعل الي  مدينة المطرية بالمنزلة ، وهي النقطة التي كان يتسلل منها فدائيو الجيش والمقاومة ، ويتحرك منها الصيادين ، وبعد جلسة مع ضابط ادارة المخابرات  ــ كما كانت تسمي وقتها ــ الصاغ نعمان ،  تم وضع الخطة ، حيث ظل يتمرن لمدة أسبوع كامل علي الحياة مع الصيادين ، اتقن طريقة كلامهم ولبسهم ، وترك وجهه للشمس كي تلوحه ، وقدماه لقسوة الأرض حتي تشققتا ، وبعدها اصبح جاهزا للتسلل مصطحبا «كاميرته « المخبأة بمهارة في «قفة سمك « ،  مراعيا  ان يضع أعلي القفة اربع سمكات كبار ، بينما تختفي الكاميرا اسفل عدد من سمكات البساريا الصغيرة ، لانه علم ان الانجليز يفتشون قفف الاسماك وياخذون الكبير منها ،

انطلت الخدعة المصرية علي جنود « الامبراطورية العظمي ، ودخل صبري الي بورسعيد  وهناك قام  بواحدة من اعظم المهمات الصحفية ، حيث صور بورسعيد تحت الحصار ، كما صور جنود الانجليز ،  وكانت الصدفة كعادتها في صفه حيث وجد استديودمرت القذائف احد حوائطه فدخله واخذ منه ايصالات تصوير و»جاكت « المصور الشعبي ، مما منحه فرصة التجول بحرية بل ان بعض جنود الاحتلال اعطوه أفلاما صوروها بأنفسهم ليقوم بتحميضها وبالتالي استطاع  نقل صورة كاملة لفظائع المعتدين

وبقيت مغامرة صبري في بورسعيد درسا للصحفيين والمصورين ، في «العمل علي خط النار « من اجل المهنة ، والوطن

 

لقطة  اخري مقربة جداً ..«الفنان والنجوم»

روح الفنان بداخله ، وعمله الصحفي ، ربطتا محمد صبري بعدد كبير من نجوم الفن ، سواء من كان يصورهم في الاستديو الذي اسسه في دار الهلال ، او من ربطته بهم صداقة شخصية واعجاب متبادل ،

كان النجم رشدي اباظة قريبا جدا من صبري وكانا يلعبان « البلياردو « معا ، ولا يخفي صبري انهما كثيرا ما تنافسا في المجال العاطفي ، وكان ملك الترسو فريد شوقي أيضا من أصدقائه المقربين ، بينما لم تربطه علاقة بـ»الجيل الجديد « مثل نور الشريف وحسين فهمي ،

وقد تزوج صبري من النجمة نادية لطفي لفترة قصيرة وانفصلا في هدوء ، ورغم انه لم يكن من هواة الموسيقي الا ان ذاكرته تحتفظ بحكاية خاصة مع « الست « ام كلثوم ، التي ذهب لتصويرها بمنزلها في الزمالك ، بتكليف من احمد بهاء الدين الذي اخبره ان ام كلثوم طلبته بالاسم ، ولأنه فنان غير تقليدي  صوّر صبري «الست» وهي تروي زرع حديقتها وهي الصورة التي اشتهرت ومازال عشاق ام كلثوم يحتفظون بنسخ منها .

 

لقطة في الصحراء ..

 «والدة العقيد .. ورسالة للزعيم»

جاب صبري بلاد العالم في مهمات صحفية ، وفي قلبه بقيت باريس مدينة الفنون هي الأقرب والاجمل ، لكن الذاكرة تأبي نسيان رحلة خاصة جدا الي ليبيا برفقة الكاتب الصحفي مصطفي نبيل  ،  لرصد احوالها بعد ثورة الفاتح من سبتمبر ، والتقيا العقيد الشاب ــ وقتها ــ معمر القذافي ، ليكتشفا خلال الحوار ان والديه لازالا احياء ، فيقرران السفر اليهما، وعندما يطلبان ذلك من القذافي يخبرهما ان الامر متاح ولا يحتاج الا لاستئجار سيارة ، فيقولان له ان كل ما معهما هو خمسة جنيهات فقط ، فيخصص لهما سيارة لاندروفر عسكرية ، معتذرا عن مشقة الرحلة بها ،  حملتهما السيارة  اكثر من الف ومائتي  كيلو في الصحراء ليلتقيا بوالدي القذافي وكانت المفاجأة عندما طلبت منهما ام الرئيس الليبي ابلاغ الزعيم عبدالناصر رسالة تطلب فيها علاج زوجها ، وعندما قالا لها ان ابنها هو رئيس البلاد قالت « ابلغا الرسالة لعبدالناصر « ..وقد كان

لقطة بانورامية ...

«الفنان واوجه العطاء السبعة»

حياة حافلة لا يمكن اختزالها في لقطات خاطفة ، لكن شريط الزمن يحتفظ للرجل بالكثير من العطاءات ، رساما ، وفوتغرافيا ، ومصمما لاغلفة الكتب ، وموثقا لتاريخ مصر ، فضلا عن دوره الوطني ، صور الرجل قادة وزعماء العالم ، وصادق نجوم الفن ، وسجل جوهر وروح الشعب ممثلا في كتاباته علي العربات وهو الموضوع الذي سيتحول لاحقا الي دراسة علمية لرائد علم الاجتماع المصري دكتور سيد عويس ،

تنوع ابداع صبري في مجالات متعددة ، واحتضنت صوره ولوحاته مجلات «دار الهلال» المختلفة ، وحتي مجلة «الهلال» المعنية بالفكر والادب قدم فيها بابا بعنوان الروح والصورة ، كان أسلوبا جديدا في الصحافة الثقافية آنذاك ، كما قدم «الأسبوع الفني» في «المصور»، وترك بصماته في كل مجال 

انسانيا تزوج الرجل ثلاث مرات ، ولا يخفي حبه وتقديسه للمرأة وللحب ، الاولي من السيدة ليلي خالد والدة ابنه الوحيد ، والثانية من النجمة نادية لطفي ، والثالثة من ليلي ايضا .. احدي فتيات  فرقة « الثلاثي المرح» الغنائية التي قدمت عدداً كبيرا من الاغنيات الناجحة ، خصوصا في مناسبات رمضان والاعياد  .

 

لقطة اكتوبرية ..

« الفنان ..في دايرة الرحلة»

في اكتوبر ولد محمد صبري ، وفيه خاض مغامرته الكبري ، وفيه ودع مهنة المتاعب ، وفي اكتوبر من كل عام ، تتجدد الذكريات ، نسمات اكتوبرية عطرة ، تشعل حماسة الرجل التسعيني لتلمع عيناه ببريق التفوق ، وزهو الذكريات ،

عاش الرجل حياته « بالطول والعرض» وحقق مهنيا وانسانيا ما يتجاوز قدرة اخرين علي الحلم والامنيات ،

وفي اكتوبر هذا العام تضاعفت سعادته باعادة طبع شهادته المصورة عن العدوان ، وبحوار الذكريات مع «المصور» وتضاعفت سعادتنا بانتماءه الينا وانتمائنا اليه ..

وحين اوشكت ان اطوي اوراقي قال لي :

«لا تنسي» ؟

قلت : «لن انسي»

قال : «اتعرف ماذا اقصد»

قلت : «سلم لي علي الاحباب»

خرجت وقد ارتفعت قامتي وشعرت ــ حقيقة ــ أننا جديرون بهذا الرجل ..