في قلب مجمع الدير البحري، وبتصميم معماري رائع، يقع ضريح الإلهة حتحور الذي يجسد أحد أبهى رموز العقيدة المصرية القديمة، شيد هذا الضريح في عهد الملك تحتمس الثالث من الأسرة الثامنة عشرة، وتحديدًا خلال الفترة ما بين 1479 و1425 قبل الميلاد، ليخلد ذكرى الإلهة التي عرفت في العقيدة المصرية القديمة بسيدة الجمال والحياة والنجوم.
تحتمس الثالث وتمثال حتحور
بني الضريح من الحجر الرملي المطلي، ويبلغ ارتفاعه نحو 225 سم، وعرضه 157 سم، بينما يمتد طوله إلى 404 سم، ويضم الضريح تمثالاً فريدًا لحتحور على هيئة بقرة مقدسة، وهي تقدم ساقها اليسرى في مشهد ينبض بالحياة، وتحمل على رأسها قرص الشمس بين قرنيها، في رمزية واضحة لارتباطها الوثيق بالشمس والخصوبة والبعث.
وزين سقف الضريح باللون الأزرق المرصع بالنجوم الصفراء، في محاكاة رائعة لقبو السماء، بينما خُلدت على الجدار الخلفي مشاهد للملك تحتمس الثالث وهو يقدّم القرابين ويحرق البخور أمام الإله آمون رع، ولا تزال الألوان الأصلية محفوظة بشكل مدهش رغم مرور آلاف السنين، في دلالة على براعة الفنان المصري القديم ودقة تقنياته.

سيدة الفيروز والأمومة
عرفت حتحور لدى المصريين القدماء بعدد من الألقاب، من أبرزها: سيدة الحياة، سيدة السماء، وسيدة الفرح والموسيقى والجمال. وقد امتدّ نفوذ عبادتها إلى مختلف أرجاء مصر، وكانت تُعبد في معابد كبرى، لا سيما في دندرة وسيناء، حيث ارتبط اسمها بمناجم الفيروز، حتى أطلق على بعض المناجم اسمها تكريمًا لها.
كما ارتبطت حتحور برمزية الأمومة والحماية، فكانت الإلهة التي تحتضن وتغدق بعطائها، وظهرت في كثير من المشاهد الفنية وهي تحيط بالملوك والأفراد، تمنحهم الرعاية الإلهية وتباركهم بالخصب والرخاء.
تمثال حتحور
نحت تمثال حتحور بدقة فنية بالغة، فجاءت ملامحه متناغمة، تبرز القوة والوداعة في آنٍ واحد. ظهرت وهي ترتدي عقدًا مكوّنًا من خرزات صغيرة، تعكس أناقتها كإلهة للجمال، أما الملك، الظاهر إلى جانبها، فكان متقدمًا بساقه اليسرى، مرتديًا شعرًا مستعارًا وقلادة فاخرة، ويداه موضوعتان على نقبته الطويلة، التي نُقشت عليها أسماؤه وألقابه بالهيروغليفية، ليؤكد بذلك انتماءه إلى الحماية الإلهية التي تمنحها حتحور.