الأربعاء 30 يوليو 2025

ثقافة

ثقافة الفيوم تناقش رواية «بيسان كانت» للكاتب عزت الدسوقي

  • 11-7-2025 | 12:33

جانب من الندوة

طباعة

قدمت الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، ندوة نقدية ضمن برامج وزارة الثقافة.

أُقيم اللقاء بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، حيث نظّم قسم الثقافة العامة، برئاسة سحر الجمال، ندوة نقدية لمناقشة رواية "بيسان كانت" للكاتب عزت الدسوقي، بمكتبة الفيوم العامة. شارك في الندوة القاص محمود حمدون، والقاص عويس معوض، والكاتب والمفكر عصام الزهيري، بحضور ياسمين ضياء، مدير عام الفرع، وأدارها القاص والشاعر محمد شاكر، الذي استهل حديثه بالتعريف بالكاتب ومؤلفاته السابقة، منها المجموعات القصصية: "مهلًا أيها الحب"، و"حكايات عن دفتر العشق"، ورواية "الريف الحائر"، ورواية "رغبات عابرة".

ثم أشار "حمدون" إلى أن الراوي بدأ روايته "بيسان كانت" بتأسيس تاريخي لأزمة فلسطين، تتبع البدايات، الصراع، والمقاومة، غير أنه انحرف فجأة بنهاية النص إلى سرد تفصيلي عن أزمة "بيسان" الفرد، دون الوطن، تلك التي لم ولن تخرج عن معاناة امرأة قادت خطيبها لحتفه ثم عاشت حياتها كما أرادت، زهرة برية تجيد جذب أنوف العابرين إلى رائحتها الذكية، عطرها يتسلل ببطء هنا وهناك، علاقات تنمو رويدًا لكن لا تحمل من معنى العلاقة سوى المعنى السطحي.

"بيسان" هي الشتات، الاضطراب العاطفي، الرغبة في كل شيء يحقق الأمن والأمان، وقد حققت ما تصبو إليه على يد الثري الخليجي "سلطان". لم نقف على منطق "سلطان" في الوقوع سريعًا في هوى بيسان وتلبية رغباتها فوق ما يتصوره عقلها أو عقل القارئ. وقد لخّصت بطلة العمل "بيسان طوقان العلوي" حياتها في العبارة التالية التي وردت على لسانها، تقول مخاطبة نفسها:

ليس لي أهل.

ليس لي مستقبل.

أقيم إقامة مؤقتة.

أخاف من الفقد.

تلك سمات من يعايش الشتات، من فقدان الوطن، من يعيش حياته كلاجئ، حالة سياسية تُنتج أثرها على نفسية الشخص، تُحدث به من التشوهات ما يعجز العقل البشري التقليدي أحيانًا عن استيعابها. ثم أشار إلى أن التشخيص السابق لحالة "بيسان" نقلها بسرعة من خانة المقاومة المدافعة عن وطنها، الطالبة للثأر لدم أبيها وأمها المغتصبة قبل موتها على أيدي الصهاينة، وأخيها الشهيد، إلى أن تطلب ممن تقدم لخطبتها أن يكون مهرها استرداد جزء من ثأرها. وقد لبّى الخطيب العاشق هذا الطلب، ونفّذ عملية قُتل فيها بضع جنود للعدو، ثم كانت حياته ثمنًا، وكأن المهر أصبح دمًا طلبته بيسان.

وأوضح "حمدون" أن باقي الرواية حالة انقلاب للبطلة، الفرار من الوطن، التقلّب بين مصر وبعض بلدان الخليج، تجربتها في العمل، العيشة الرغدة، أحلام الثروة، الحب، اصطياد عريس ثري وإن تم بصورة لا واعية من جانبها.

وتحت تأثير الشتات، تشوّهت نفسية بيسان بصورة لم يتطرق لها الكاتب بصورة سردية أكثر عمقًا.

ثم تحدث "معوض" عن الغلاف والعنوان، حيث أشار إلى أن العنوان "بيسان كانت" يمثل عتبة النص الأولى، وأنه يدل على كلاسيكية الكتابة، وقال إنه كان من الأفضل لو كان العنوان "بيسان" فقط. وأضاف أن الرواية هي رحلة فتاة فلسطينية تركت أرضها وذهبت إلى القاهرة ودول الخليج، وأن الكاتب اهتم ببعض التفاصيل، وهي من مميزات الرواية، حيث تعطي متسعًا للزمان والمكان والأشخاص والتنقل فيما بينهم. وإذا كان يقصد بالرواية الفتاة أو فلسطين، فهو لم يبذل جهدًا في جعل بيسان رمزًا لفتاة فلسطينية، فالرواية تنطبق على أي فتاة من أي جنسية مرت بهذه الظروف والمعاناة، لأنها لم تطرح ولم تلتصق التصاقًا وثيقًا برمزية القضية الفلسطينية. وكان يجب على المؤلف التدخل بشكل مباشر لإبراز التفاصيل النفسية للشخصية، كما أن هناك مأخذًا آخر على الرواية، وهو عنصر الصدفة، إذ كان عليه إيجاد مبرر لهذه الصدف، بينما نجد عنصر الصدفة متوافرًا بوفرة في الرواية، ولم يمهد الكاتب له، مثل موت حبيبها السعودي الذي كانت ستتزوجه...

ثم تحدث القاص والمفكر عصام الزهيري في ورقته النقدية، قائلًا: بداية فإن اسم "بيسان" – شخصية الفتاة الفلسطينية المركزية في الرواية – كان اسمًا أُطلق على مدينة فلسطينية قديمة، وترجمتها الحرفية "بيت الإله شان"، وهي تعني أيضًا الشيء الفريد المتميز. ولعل مخاطبة إحدى شخصيات الرواية لبيسان بقولها: "أنت فدائية عظيمة وقلّما تلد النساء مثلك"، تعكس هذه الدلالات التي يكتنزها اسم بيسان في خلفية السرد، ولو كان وجودًا بالمخالفة، فالسارد لا يتعامل مع شخصيته الرئيسية بوصفها بطلة أو فدائية بالفعل، وإنما يبدأ سرد قصتها من رغبتها في الانتقام لأخيها الذي قُتل في عملية فدائية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي. وكانت طريقة انتقامها غريبة، إذ طلبت من "فالح" الذي تقدم لخطبتها أن يكون مهرها هو الثأر لأخيها. ولعل الطابع الرومانسي الذي أراد أن يسبغه الروائي على قصته جعله يمرر هذه المفارقة مع الواقع، فإقدام "فالح" على عملية عسكرية ضد جيش الاحتلال كان سيؤدي حتمًا إلى مقتله، ومقتله يعني أنه لن يتزوج من بيسان أبدًا، وهو ما حدث بالفعل. لكن بيسان، بعد موت فالح، تقرر الفرار من فلسطين دون أن نعلم السبب في فرارها، إلا لسبب واحد، وهو أن مطلب الثأر والانتقام الشخصي أو الأسري أو القبلي يختلف اختلافًا تامًا عن مطلب الاستقلال الوطني وتحرير الأرض من الاحتلال.

هذه الفجوة التي تتركها الرواية ليملأها القارئ بخياله، دون إشارة تسهّل له الطريق إلى استنتاج أو استلهام الدلالة، تُعد سمة ملازمة للسرد في رواية "بيسان كانت". كنتُ أتمنى أن يملأها السارد بالتجسيد الدرامي والمواقف السردية، وهو ما كان سيُغني العمل إلى حد كبير.

النموذج التالي لهذه الفجوات السردية هو تجسيد بيسان لقضيتين كبيرتين من قضايا الواقع العربي: الأولى هي قضية تحرير فلسطين، والثانية قضية تحرير المرأة. إذ تشير الرواية إلى معاناة بيسان من تحرّش وأطماع الذكور فيها في مختلف البلدان التي تنقّلت بينها، لكنها لا تفسّر ما الذي جعلها لا تقرر الاعتماد على ذاتها في صنع الأمان المادي الذي تبحث عنه، وحاجتها – رغم نجاحها في عملها – إلى رجل لا يقدم لها الأمان النفسي والعاطفي فقط، بل الأمان الاقتصادي والمالي أيضًا؟! وهي فجوة أخرى يجد القارئ نفسه مضطرًا لملئها دون إشارة من أحداث الرواية تسهّل عليه ذلك.

أما المثال الثالث لهذه الفجوات السردية، فهو استخدام تاريخ القضية الفلسطينية كخلفية باهتة وغير فاعلة في أحداث الرواية، مع عدم استغلال الإمكانيات الكثيرة لإغناء الأبعاد الدرامية للرواية وشخصياتها من خلال ذلك. ولعل الخيط الأهم الذي أفلت من النسيج الروائي هو طرح إشكالية اختزال مقاومة الفلسطينيين للاحتلال في استخدام السلاح، إذ أن هناك أشكالًا وأدوات لا متناهية، وغنية غنى الحياة ذاتها، لمقاومة أي شعب للاحتلال، بدءًا من المقاومة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وليس انتهاء بوسائل التمرد والحصار المضاد والعصيان المدني.

ثم أعقب ذلك مداخلات من الحضور: الدكتور الحملاوي صالح، والإعلامي محمد قاياتي، والشاعر سيد كامل، وفي الختام سرد الكاتب بعضًا من صفحات روايته.

جاء ذلك ضمن البرنامج المقام بإشراف إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد، من خلال فرع ثقافة الفيوم.