محكمة مكتملة الأركان ... قاض، ومستشارون، وشهود، وحاضرون، وحكم يصدر آخر الجلسة مثل حد السيف ، محكمة لا تختلف عن المحاكم العادية في شيء. كما أن المتهم نفسه لا يدخل قفص الاتهام مهما كانت جريمته.. والقضاء العرفي، أداة أصيلة لضبط المجتمعات القبلية التي تختص بطبيعة حياة مختلفة فرضتها تركيبة الشخصية القبلية ، ما جعله جزءا أصيلا من تقاليد المجتمع وملاذا لحل الخلافات بعيدا عن أقسام الشرطة، وبعضهم يعتبر أن لجان المصالحات بالمحافظات من أهم وسائل المساعدة للشرطة فى تحقيق الأمن والأمان، من خلال إنهاء الخلافات والخصومات الثأرية بين العائلات المتخاصمة، بما يحقق الاستقرار بالمحافظة، وآخرون يرون أن دورها بدأ في التراجع، في ظل انتشار الأسلحة ، وعلي أثر ذلك، بدأت الخصومات الثأرية فى التجدد مرة أخرى بين العائلات المتخاصمة، واستغل كل من له خصومة ثأرية فى أخذ ثأره بل نقض البعض الصلح الذى أقرته اللجان العرفية فى بعض المراكز.
يقول حميد سلامة العمارني ، المحامي بالنقض والقاضي العرفى بقبيلة العمارين: إن القضاء العرفي هو قانون غير مكتوب وملزم للجميع، وذلك في ظل العادات والتقاليد التي تميز هذا المجتمع عن غيره فهناك قاعدة لدينا تقول" المعروف عرفا كالمشروط شرطا "، والقضاء العرفى ميزته أنه أسرع من القضاء العادي ولا يكون هناك حق ضائع فهو يعتمد على الشهود إذا كان هناك شهود محترمين معروف عنهم النزاهة والاحترام والبعد عن شرب الخمور، فشارب الخمر ليس له شهادة في القضاء العرفي.
وأوضح محمد أبوالفضل ،منسق مجلس الأجاويد بأسيوط، أن هناك شريحة من المجتمع لا يمكن حل النزاعات بين أفرادها بدون اللجوء للمجالس العرفية، وهى لاتتعارض مع القانون فالمادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية تحض على فض النزاعات بين المتخاصمين بالتصالح وهذا ما تقوم به لجان المصالحات. كما أن المجالس العرفية لا تضرب هيبة الدولة كما يدعى البعض.
وأشار الإعلامي محسن داوود ، قاض عرفي ،ومقدم برنامج "حق عرب" إلى أن التحكيم العرفي أثبت نجاحه، خصوصا بعد ثورة 25 يناير، حيث زادت الخلافات الثأرية بين العائلات في الصعيد، ولم يكن هناك من يقوم بتوحيد الصف غير هؤلاء المحكمين العرفيين الذين أثبتوا جدارتهم في كل موقف يتواجدون فيه، ولا ننسى مشكله أسوان الأخيرة، ولقد كان للمحكمين العرفيين دور بارز ومهم في وقف نزيف الدم لمدة شهر بين عائلتى الدابودية والهلايلة، وطالب داوود بإنشاء مجلس قومى للتحكيم العرفى لإنهاء الخصومات وفض المنازعات.
وأكد محمد عكاشة ،مؤسس مجموعة الانتشار السريع للمصالحات العرفية وحقن الدماء ،والتي تخطت الخمسين محكما عرفيا، إن القضاء العرفي له بعض القوانين التي تحكمه وهى معروفة وليست مكتوبة يعرفها كل رجال التحكيم العرفي، وتبدأ بتدخل أهل الخير فور وقوع أي مشكلة بين العائلات بتحديد فترة " عمار" بين الطرفين ممنوع خلالها منعا باتا اعتداء أي طرف على الآخر وإلا تكون هناك غرامة فورية تقدر بآلاف الجنيهات، وفترة العمار هذه عباره عن وعد شفوي من كل طرف يتم تحديد شخصيتين من وجهاء المجتمع أو من رجال التحكيم العرفى كمسئولين عن تنفيذه ثم يبدأ بعدها عمل مستند يطلق عليه مشارطة التحكيم العرفى يتم فيها التوقيع من الطرفين المتنازعين، يتم بعدها التجهيز لجلسة التحكيم بين الطرفين، وهذا النظام يحل الكثير من المشاكل وخصوصا عندما يكون هناك قتلى، وقد يمتد الحكم فيها في المحاكم العادية لأكثر من عامين وقد تؤدى إلى ما لا يحمد عقباه بين الطرفين.
ويري حلمي علي ، المحامي بالنقض، أن البعض ينظر للقضاء العرفي علي أنه عمل رجعي متخلف بعيداً عن الأخذ بالوسائل العلمية الحديثة فى البحث والتقصى والتحرى عن الجرائم وفاعليها وسبل العقاب الرادع لها ، ولكن بنظرة موضوعية للقضاء العرفى سنجد أن فيه الكثير من المزايا التى قد تنتهى فى النهاية إلى العدالة الناجزة الحاسمة للأضرار النفسية والاجتماعية التى بها تستقر الأنفس وتهدأ المجتمعات بحصول كل ذى حق على حقه .
واضاف أن أبرز ما يميز هذا القضاء هو تلك الهالة من القدسية التى تحيط به من قبل الخاضعين له واللاجئين إليه لما يتميز به من العدالة فى تطبيقه، فالقضاة العرفيون لديهم خبرة كافية من أمور الدين والدنيا ما يجعلهم على مقدرة فائقة من الفصل الصحيح والقوى فى المسائل التى تعرض عليهم، ربما قد لاتتوافر بصورة مطلقة فى القضاء الرسمى رغم قابلية الأخير للطعن بالطعون القانونية المختلفة، والتى تطيل أمد التقاضى وتتسبب أحيانا فى إهدار الحقوق أو على الأقل إضعاف قيمتها الرادعة بالبطء فى إنجازها ، بالإضافة لمعايشة القضاة العرفيين للوقائع على الطبيعة وربما رؤية الواقعة رؤية العين بما يجعل الحكم الصادر قاطع الدلالة وعلى سند قوى من الحق والواقع، بعكس القضاء الرسمي الذي يتعامل دائما مع نصوص ميتة وأوراق قد لا تكشف كل الحقيقة فيضطر معها القاضى إلى الاعتماد على عقيدته التى قد تخطىء أو تصيب حسبما تستهدي إليه رؤية القاضي مما يعرض عليه من أوراق ، وأيضا سرعة الفصل فى المسائل المعروضة على مجلس القضاء العرفى تحقق الأمن والاستقرار والرضا من جميع الأطراف خاصة المتقاضين ، كل ذلك يجعل القضاء العرفى وسيلة فعالة للوصول إلى الحق من أقرب الطرق وبأسرع السبل، لذا تقل الجريمة كثيراً فى المجتمعات التى تطبق فى شئون حياتها هذا النوع من القضاء.