إن التعليم بمفهومه العام هو وسيلة المجتمعات لتحقيق نهضتها وضمان تطورها وارتقائها. لذلك تمعن فيه المؤسسات الرسمية النظر، وتستهدف التقويم والتطوير من حين لآخر لكي تجعل من نظامها التعليمي وسيلة لتحقيق تطلعاتها بأقصى ما تطيقه إمكاناتها المتاحة.
وعندما قامت ثورة يوليو 1952 تغيّر اسم الوزارة المشرفة على شؤون التعليم من "وزارة المعارف العمومية" إلى "وزارة التربية والتعليم"، ليشير الاسم الجديد إلى الأعباء الجديدة الملقاة على عاتق الوزارة في عهد الثورة، التي أدركت أن بناء المصانع والمستشفيات والمدارس سهل، لكن بناء البشر هو الصعب.
ولقد كانت المباني المدرسية تمثل مشكلة كبرى أمام أي إصلاح تعليمي، فأنشئت "مؤسسة أبنية التعليم" بناءً على القانون رقم 343 لسنة 1952م، وأُعطيت صلاحيات واسعة مكّنتها من إنشاء "300 مدرسة لكل عام"، وتمكنت الثورة بفضلها، في الفترة من 1952 إلى 1957، من بناء 1235 مدرسة، أي بمعدل 247 مدرسة لكل عام، في حين لم يتجاوز ما بني من مدارس في السنوات الخمس السابقة على الثورة 24 مبنى فقط.
والواقع أن المبادئ الاجتماعية والاقتصادية الجديدة فرضت على التعليم سياسة جديدة، فضلاً عما فرضته التغييرات التي حدثت في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية والخارجية. ولتوضيح ذلك:
في المرحلة الأولى من الثورة، مرحلة التحرير الوطني، كان الاهتمام منصبًا على تحرير البلاد من القيود التي تعرقل نموها وتطورها، وكان لا بد في هذه المرحلة من الإسراع في تخليص التعليم من قيوده.
وفي المرحلة الثانية: انصب الاهتمام على تنظيم الاقتصاد الوطني والانتقال به من الاستغلال، وكان من الطبيعي لتحقيق ذلك توجيه مزيد من الاهتمام لتنمية الطاقات البشرية عن طريق التعليم والتدريب.
وفي سنة 1962م اتضحت معالم الفلسفة الجديدة للمجتمع، وارتكزت على المبادئ التالية: (الاشتراكية، الديمقراطية، الوحدة العربية، العمل من أجل السلام والتعاون الدولي). وفي إطار هذه الفلسفة ظهرت اتجاهات جديدة للتعليم منها:
الاهتمام الشعبي بالتعليم:
فقد كانت سياسة التعليم قبل الثورة تقوم على أساس تقسيم الأمة إلى طبقتين، والفصل التام بين تعليم الخاصة وتعليم الشعب. أما أبناء الخاصة، فيتلقون في المدارس الابتدائية والثانوية والعالية تعليمًا يهدف أساسًا إلى إعداد الموظفين، ويطالب التلاميذ في مقابله بمصروفات عالية نسبيًا تحول بينهم وبين أبناء الشعب، الذين كان تعليمهم مقصورًا على الكتاتيب والمدارس الأولية.
لكن بعد الثورة، عملت الدولة على زيادة الاهتمام بالتعليم الشعبي، وأكبر دليل على ذلك هو تخصيص نسبة تتراوح بين 60 بالمائة و80بالمائة للتعليم الإجباري من جملة اعتمادات التعليم.
لم تعد غاية التعليم إخراج موظفين للعمل في مكاتب الحكومة، ومن هنا فإن مفاهيم التعليم في جميع فروعه ينبغي أن تعاد دراستها ثوريًا، لكي يكون هدفها هو تمكين الإنسان من القدرة على تشكيل الحياة.
اعتبار التعليم حقًا أساسيًا
لكل مواطن بقدر ما يتحمل من استعداد ومواهب، باعتبار أن تكافؤ الفرص هو التعبير عن الحرية الاجتماعية.
ومما سبق نلاحظ أن التطوير التعليمي قد تأثر بصورة ما بمبادئ هذه الفلسفة، ففي ضوئها أصبح التعليم مهمة قومية، لا خدمة تقدمها الدولة للأفراد.
وقد انصرفت جهود السياسة منذ قيام ثورة يوليو 1952 إلى إحداث التوازن في أمور التعليم، فعملت على توحيد سن التعليم حيث ينبغي أن يوحد، وتنويعه حيث ينبغي أن ينوع، مع إدخال الاعتبارات القومية والتربية في الحسبان. ولذلك أُدمجت مدارس المرحلة كلها في مدرسة موحدة مشتركة مجانية للجميع، قوام الدراسة فيها ست سنوات، ثم انقسمت المرحلة التالية إلى قسمين: إعدادي وثانوي، يهدف كل منهما إلى تكوين الطالب تكوينًا سليمًا يمكنه من مواجهة الحياة بنجاح إذا ما وقف به تعليمه عند هذا الحد، أو متابعة الدراسة الملائمة في المرحلة التالية.
أما التعليم العالي، فقد تنوع وتعدد، وتوزعت خدماته توزيعًا جغرافيًا عادلاً، وأصبح الهدف منه تغطية مطالب كل القطاعات في الحياة العملية والثقافية للبلاد. ومن أجل هذا، تعرض السلم التعليمي في السنوات الأولى من تلك الفترة لكثير من التغيير والتعديل، حتى يستجيب لكل هذه المطالب والاعتبارات، وكان هذا التغيير ضرورة اقتضتها سياسة التوسع والتنويع في جميع مراحل التعليم.
وقد بدأت هذه الجهود كلها تؤتي ثمارها مع بداية استقرار أمور التعليم كما نظمتها قوانين التعليم عام 1953، و1956، و1957، وأخيرًا قانون 1968.
وفقًا لهذا التنظيم، اتخذ التعليم شكلًا هرميًا منتظمًا، تتسع قاعدته عند مرحلة التعليم الإجباري، وتضيق تدريجيًا كلما صعدنا إلى مراحله الأعلى. فاستكمل التعليم سنواته الست، كما استكمل التعليم الإعدادي سنواته الثلاث على النظام الجديد، وأصبحت المدرسة الثانوية ثلاث سنوات، وبذلك سار التنظيم الجديد للتعليم فيما قبل التعليم العالي وفقًا لثلاث حلقات متصلة:
التعليم الابتدائي: 6 سنوات من سن 6 إلى 12 سنة.
التعليم الإعدادي: 3 سنوات من سن 12 إلى 15 سنة.
التعليم الثانوي: 3 سنوات من سن 15 إلى 18 سنة.
قانون 210 لسنة 1953م
نص على أن التعليم الابتدائي مجاني إلزامي لجميع الأطفال من سن 6 إلى 12 سنة، ومدته ست سنوات. وقد أعفى القانون التلاميذ من الرسوم المدرسية أو أي نفقات إضافية. وراعى في اختيار مواد الدراسة أن تحقق الغرض المقصود منها وهو ضمان حد أدنى من التعليم لجميع المواطنين. وشملت المناهج اللغة العربية، المواد الاجتماعية، الحساب، العلوم، الخبرات الصحية، التربية البدنية، الأشغال اليدوية، والدين.
تدريس اللغة الأجنبية:
دخلت اللغة الإنجليزية إلى مناهج الصف الثالث الابتدائي سنة 1887م، وامتدت حتى الصف الأول سنة 1901م، ثم حُذفت تدريجيًا حتى أُلغي تدريسها في المرحلة الابتدائية بقانون 1953م، حرصًا على إتقان اللغة العربية أولاً.
بعض عيوب قانون 1953م:
التداخل بين المراحل التعليمية، حيث سُمح بالالتحاق بالإعدادية من نهاية الصف الرابع، مما أضعف هدف التعليم الإلزامي.
عدم تقرير حد أدنى للإلزام، مما أدى إلى ترك كثير من الأطفال الدراسة مبكرًا.
القانون 213 لسنة 1956م
صدر لتلافي عيوب القانون السابق، ومن أهم مستحدثاته:
جعل التعليم الابتدائي إلزاميًا ومشتركًا بين البنين والبنات.
الاعتناء بالتلاميذ المتخلفين بإنشاء فصول خاصة لهم.
تنظيم المناهج على شكل وحدات دراسية بدلًا من المواد المنفصلة.
اعتماد "النقل الآلي" وفق نسبة حضور لا تقل عن 75%.
قانون 68 لسنة 1968م
صدر لأسباب منها:
تطويع التعليم لمتطلبات التحول الاشتراكي والتنمية.
معالجة أوجه القصور في النقل والرسوب.
تحقيق الإلزام الكامل للتعليم الابتدائي.
دفع مستوى التعليم الفني.
أهم أحكام القانون:
التعليم إلزامي ومجاني، وتلتزم الدولة بتوفيره للأطفال عند سن السادسة.
منح سلطة الضبط القضائي لنظار المدارس لتنفيذ الإلزام.
تنظيم المناهج لتشمل المواد الثقافية والفنية والزراعية والنسوية، ومراعاة التدرج في تدريسها.
القضاء على النقل الآلي ووضع اختبارات تحريرية للنقل.
عقد امتحان نهائي في الصف السادس، يُمنح الناجحون شهادة إتمام الدراسة الابتدائية، أما من لم يتقدم أو رسب، فيمنح شهادة بإتمام مدة الإلزام.
رعاية غير الأسوياء:
نص القانون على توفير فصول خاصة للأطفال غير الأسوياء ضمن منظومة التعليم الابتدائي.