في مثل هذا اليوم، 26 يوليو، تمر الذكرى التاسعة على رحيل المخرج الكبير محمد خان، أحد أبرز صُناع السينما الواقعية في مصر والعالم العربي، والذي رحل في عام 2016 عن عمر ناهز 74 عامًا، بعدما قضى رحلة فنية نادرة التكرار، حافلة بالحب، والشغف، والإخلاص للشخصيات الصغيرة والهامشية التي صنع منها أبطالًا حقيقيين.
ولد خان عام 1942 لأب باكستاني وأم مصرية، وعاش في قلب القاهرة، يعايش نبض شوارعها ويتنفس هواءها، وبرغم أنه لم يحمل الجنسية المصرية إلا في عام 2014 بقرار من الرئيس المؤقت عدلي منصور، فإن مشواره السينمائي كان شاهدًا على مصريته الأعمق من أي أوراق رسمية.
كاميرا ترى المدينة بروح عاشق
لم يكن وجود محمد خان في السينما المصرية مجرد اسم وسط أسماء، بل كان مشروعًا فنيًا متكاملًا، تُحس فيه البصمة من أول مشهد. كان عاشقًا للمدينة، كبيرها وصغيرها، بأرصفتها المزدحمة وحواريها القديمة، وكان يرى في المكان بطلًا لا يقل أهمية عن الإنسان، كل لقطة يلتقطها كانت تعكس فهمه العميق لطبيعة المكان ودلالاته، وكل مشهد كان يضم الحياة اليومية بكل ما فيها من وجع وفرح وبساطة.
استخدم خان الشوارع كديكور حي لحكاياته، فصور في ميدان عبد المنعم رياض ووسط البلد وكأنها أماكن مقدسة لا يمكن استبدالها بستوديو، ومن أفلامه "ضربة شمس"، "الحريف"، "سوبرماركت"، و"نص أرنب"، التي وثق بها نبض القاهرة في لحظة زمنية معينة.
المخرج الذي لا يكتب فقط.. بل يستمع
خان لم يكن فقط مخرجًا بل كان أيضًا راويًا شديد الحساسية، يمنح شخصياته حرية التعبير، ولم تكن أبطاله تتحدث بالحوار وحده، بل بلغة الجسد، بالنظرات، وحتى بالصمت، وفي أحد حواراته القديمة مع الإعلامية الراحلة ليلى الأطرش، قال إنه يستمع للممثلين ويمنحهم مساحة من الارتجال، لكنه في النهاية صاحب القرار الفني، لأنه يرى الصورة الكاملة.
وتحدث خان عن علاقته الخاصة بالفنان أحمد زكي، قائلًا إنه كان من أذكى الممثلين الذين عمل معهم، حتى إنه في أحد مشاهد فيلم "مستر كاراتيه"، فوجئ بأن كليهما فكر في نفس التفاصيل الإخراجية دون أن يتحدثا، قال: "وقفنا نبص لبعض بذهول.. كأننا قرينا أفكار بعض".
عن المرأة التي أحبها في أفلامه
على عكس ما يُقال عن رؤيته الذكورية، أكد خان أن المرأة لم تكن متسلطة في أفلامه، بل واقعية، أحيانًا تكون سلبية مثل "زوجة رجل مهم"، وأحيانًا مقاتلة مثل بطلات "أحلام هند وكاميليا"، و قال في الحوار: "المرأة مظلومة لأن الراجل هو اللي بيحط القوانين وينفذها.. وأفلامي بتحاول تعكس ده".
خان ضد "مخرج المهرجانات"
رفض خان أن يُطلق عليه "مخرج مهرجانات"، لأنه كان يؤمن بأنه يصنع أفلامًا للجمهور أولًا، ورغم أنه لم يكن يلهث وراء الإيرادات، فإن أفلامه بقيت في ذاكرة الجمهور، مثل "خرج ولم يعد" الذي لم يحقق نجاحًا كبيرًا عند عرضه، لكنه تحول إلى عمل يُعرض باستمرار في الأعياد ويبعث البهجة.
سينما خان.. المكان والشخصية والذاكرة
الناقد حسن الحداد تناول في كتابه "محمد خان.. سينما الشخصيات الصغيرة" فيلم "أيام السادات" كمثال على خفوت بريق خان في بعض الأعمال، اعتبر أن خان وقع في فخ سيناريو ضعيف لم يستطع إنقاذه رغم خبرته الإخراجية، وقال: "في الفيلم ده ماكناش حاسين إن دي بصمة خان، هو ضاع وسط ضجيج الحكاية وماقدرش يسيطر على البناء الفني بالكامل".
لكن هذا الفيلم يبقى استثناءً في مسيرة ممتدة امتلأت بالجرأة والتجريب والصدق، لم يكن خان يخشى كسر القواعد، بل كان يصنع قواعده الخاصة.
حكاية خلاف ووفاق مع نور الشريف
في نفس الحوار، روى الفنان نور الشريف موقفًا شهيرًا جمعه بخان، وقال إنه كان يرغب بشدة في إنتاج فيلم "ضربة شمس" بعدما سمع القصة من خان وشعر بتميزها، لكن خلافًا بسيطًا نشب بينهما عندما سقط اسم خان بالخطأ من أفيش الفيلم، ما جعله يرسل خطابًا غاضبًا، لكن سرعان ما زالت الخلافات وعادا للعمل سويًا.
في رصيد خان.. تاريخ من الشخصيات التي لا تُنسى
قدّم محمد خان مجموعة من أبرز أفلام السينما المصرية، منها: "ضربة شمس"، "الحريف"، "مشوار عمر"، "زوجة رجل مهم"، "أحلام هند وكاميليا"، "سوبر ماركت"، "مستر كاراتيه"، "عودة مواطن"، "خرج ولم يعد"، "نص أرنب"، "طائر على الطريق"، "الرغبة"، و"فارس المدينة".