أثارت الاتفاقية التي تم توقيعها مؤخرًا بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في اسكتلندا جدلاً واسعًا، إذ تنص على شراء طاقة أمريكية بقيمة 750 مليار دولار، بما في ذلك زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال، ما اعتبره خبراء ومحللون مؤشراً مقلقاً على صعيد البيئة والمناخ.
وفي مقال تحليلي نشرته صحيفة "لا ليبراسيون" الفرنسية، تساءلت الكاتبة "أناييس موران" عن التداعيات المناخية لهذه الاتفاقية التي وصفتها بأنها صفقة انتزعتها واشنطن من بروكسل. وتشير تفاصيل الاتفاق إلى التزام أوروبي بشراء ما قيمته 250 مليار دولار من الطاقة الأمريكية خلال السنوات الثلاث المقبلة، في إطار تقليل الاعتماد على الغاز والنفط الروسيين، بحسب تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. ويبدو أن الغاز الطبيعي المسال يقع في صميم هذا التعاون الجديد بين ضفتي الأطلسي.
العديد من الخبراء أبدوا شكوكهم إزاء ما وصفوه بـ"التأثير الإعلاني" للاتفاق، معتبرين أن الرسائل السياسية المنبعثة منه في ظل حالة الطوارئ المناخية العالمية تنذر بعواقب سلبية. ففي عام 2024 وحده، استورد الاتحاد الأوروبي طاقة بقيمة تجاوزت 430 مليار دولار، منها فقط 90 مليارًا من الولايات المتحدة، ما يعني أن واردات الطاقة الأمريكية ستتضاعف ثلاث مرات اعتبارًا من العام المقبل، ما يطرح تساؤلات حول دوافع هذا القرار وتأثيره على الشركاء الآخرين.
وتعتقد آن صوفي كوربو، الباحثة في جامعة كولومبيا، أن الأرقام المقترحة في الاتفاقية غير واقعية، موضحة أن الولايات المتحدة زودت أوروبا بـ45% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال العام الماضي، بينما لا تزال روسيا تمد القارة بـ17% من احتياجاتها، دون احتساب 15% أخرى عبر خطوط الأنابيب، ما يجعل الفكاك الكامل من الاعتماد على الغاز الروسي مستحيلاً في الأمد القصير.
وتطرح التساؤلات حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قد انساق خلف ضغوط أمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب، أو إذا ما كانت لديه نية لإعادة توزيع شراكاته الاستراتيجية في مجال الطاقة. ويبرز أيضًا تناقض الاتحاد الأوروبي الذي أعلن، في بيان مشترك مع الصين قبل أيام، عن رغبته في تعزيز الجهود لمكافحة تغير المناخ، رغم تأخره لأكثر من خمسة أشهر في إصدار خارطة طريقه المناخية لعام 2035.
وتشهد أروقة الاتحاد الأوروبي انقسامًا واضحًا بشأن هدف خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 90% بحلول عام 2040، وهو هدف لا يحظى بالإجماع بين الدول الأعضاء، ما يعكس عمق التباين في الرؤى حول مسار التحول البيئي.
وفي هذا السياق، يرى ألكسندر جولي، مهندس الطاقة في شركة "كاربون 4"، أن الاتفاق الأخير لا يحرر أوروبا من الاعتماد على الوقود الأحفوري، بل يرسخه، مضيفًا أن الرسالة الموجهة إلى القطاعات منخفضة الكربون في أوروبا محبطة، حيث يُفترض أن تكون هذه القطاعات محور الاستثمار والدعم، لا أن تُزاحمها واردات الغاز.
وتكمن خطورة الغاز الطبيعي المسال الأمريكي في أثره البيئي، إذ تشير دراسة من جامعة كورنيل إلى أن بصمته الكربونية على مدى عشرين عامًا قد تتجاوز الفحم بنسبة 33%. ويشمل ذلك عمليات الحفر التي ينتج عنها تسربات ميثان قوية التأثير، ونقله، وتسييله، وشحنه، واستهلاكه، ما يجعله أحد أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثًا للبيئة.
وفي هذا الإطار، عبّرت آن برينجولت، مديرة البرامج في شبكة العمل المناخي، عن قلقها من الاتفاقية التي وصفتها بأنها تقود أوروبا إلى طريق مسدود، وتتناقض مع التزاماتها المناخية، وتُضعف من سيادتها، وتجعلها خاضعة للنفوذ الأمريكي في قطاع حيوي كقطاع الطاقة.