هو مهندس الحلم المسرحي، الذي يترجم رؤية رئيس المهرجان إلى واقع ملموس على خشبات المسارح في شتى أنحاء مصر، دوره يتجاوز الإدارة التقليدية ليصبح حارساً للرؤية الفنية وناسجًا لخيوط الإبداع التي تمتد من أقاصي الصعيد إلى شمال الدلتا،ويقدم دوره كمبدع وفنا وليش مجرد منسق أو مدير تنفيذي.
وفي عصر تسعى فيه الثقافة المصرية لكسر حواجز المركزية وتحقيق العدالة الثقافية، يحمل هذا المنصب مسؤولية مضاعفة: فهو سفير الفن في المحافظات، وجسر التواصل بين الإبداع الشعبي والمنصات الرسمية، والضمانة الحية لوصول صوت كل مبدع مصري، مهما بَعُدت المسافات أو تواضعت الإمكانيات.
إن هذا الدور، في جوهره، هو حراسة للذاكرة المسرحية المصرية وصياغة لمستقبلها معا، فمن خلال متابعته الدقيقة لتنفيذ شعار الدورة الثامنة عشرة "في كل مصر"، يؤكد أن المسرح المصري ليس حكرًا على العاصمة، بل هو نبض الوطن كله ومرآة تعكس تنوع المجتمع المصري بكل طبقاته وأقاليمه.
في هذا اللقاء، نكشف عن الوجه الآخر للمهرجان القومي للمسرح المصري، ذلك الوجه الذي يعمل في الظل ليضمن إشراق الأضواء على المبدعين، والذي يسهر ليلاً ليحقق أحلام المسرحيين نهارًا
بداية .. ما الدور الأساسي الذي تقومون به كمساعد لرئيس المهرجان في هذه الدورة تحديدًا؟
إن دوري كمساعد لرئيس المهرجان في هذه الدورة كان يحمل أهمية خاصة ومركزية، إذ تُعتبر هذه الدورة الأهم في تاريخ المهرجان، لكونها نقلت الفعاليات من القاهرة إلى المحافظات، محققة بذلك العدالة الثقافية وفقًا لخطة الفنان محمد رياض، رئيس المهرجان واستراتيجية الوزارة في الانتشار الإقليمي، وتبنّى هذه الرؤية وشملها برعايته وزير الثقافة الأستاذ أحمد فؤاد هنو، بهدف نقل المسرح من المركزية والوصول به إلى جميع أنحاء مصر لتحقيق العدالة الثقافية وإيصال الفن لمستحقيه. لذلك أُعتبر همزة الوصل بين رئيس المهرجان وجميع اللجان التنفيذية، حيث كنت مسؤولاً عن متابعة تنفيذ رؤية الأستاذ محمد رياض رئيس المهرجان الذي وضع شعار الدورة الثامنة عشرة «في كل مصر».
وتشمل مسؤولياتي متابعة الخطة الموضوعة لحظة بلحظة، سواء فيما يتعلق بالعروض أو الفعاليات أو الجوانب اللوجستية، بالإضافة إلى المتابعة مع منسق المحافظات الأستاذ محمود حسن الذي بذل جهدًا كبيرًا في وضع خطة التنقلات والإقامة بالتنسيق مع الهيئة العامة لقصور الثقافة، وكنت دائمًا في قلب الأحداث لضمان سير كل الأمور بسلاسة ويُسر وفقًا لرؤية رئيس المهرجان، ولضمان حصول كل لجنة على الدعم الكافي لأداء مهامها دون تعطيل أو ارتباك، وكنت أتدخل لحل أي مشكلة تظهر، سواء كانت إدارية أو فنية أو حتى خلافات بسيطة بين الجهات، مع الحرص على عدم إشغال رئيس المهرجان بالمشكلات الصغيرة إلا في الحالات الكبرى التي تستدعي الفنان محمد رياض شخصيًا.
- ما آلية التنسيق والتواصل بينك وبين رئيس المهرجان لضمان سير العمل بسلاسة؟
نحن في تواصل دائم، ليس فقط أثناء فترة التحضير، بل حتى خلال أيام العروض نتواصل يوميًا، سواء هاتفيًا أو عبر اجتماعات ميدانية، و يضع رئيس المهرجان رؤية عامة وخطة استراتيجية، وأنا مُكلف بترجمتها إلى تنفيذ على أرض الواقع مع فرق العمل، عندما يكون هناك قرار يحتاج متابعة أو تنسيقاً مع لجنة معينة، أتحرك في أسرع وقت لإيصال القرار ومتابعة التنفيذ، ثم أعود إليه بالتفاصيل، و يوجد تقسيم أدوار واضح لتجنب التداخل، لكن في الوقت نفسه، لابد أن نكون دائمًا على الصفحة ذاتها، وهذا يحدث من خلال الشفافية وسرعة التواصل بيننا، وكان الفنان محمد رياض يجعل كل فرد رئيس مهرجان في مجاله، وهذا يمنح كل واحد مساحته دون تدخل إلا في الحالات التي تستدعي تدخل رئيس المهرجان فعليًا دوري يشبه دور المخرج المنفذ الذي ينفذ رؤية المخرج، والذي يقوم بدوره الأستاذ محمد رياض.
- ما أهم الصعوبات التي واجهتكم خلال مراحل التحضير للمهرجان، وما الاستراتيجيات أو الحلول التي تم اعتمادها لتجاوزها بنجاح؟
كان أكبر تحدٍ واجهناه هو ضيق الوقت مقارنة بحجم المهام المطلوبة؛ فمهرجان بهذا الحجم يحتاج شهورًا طويلة من التحضير، و بدأنا العمل في وقت قصير نسبيًا، كما واجهنا ضغطًا كبيرًا بسبب كثرة التنقلات، حيث كنا نقدم عروضًا وورشًا في محافظات متعددة، مما يتطلب تنسيقاً لوجستياً عالي المستوى، بالإضافة إلى ذلك، واجهنا أحياناً صعوبات في التواصل مع بعض الجهات، لكننا تغلبنا على ذلك بالحوار والمرونة، وبدعم رئيس المهرجان الذي كان حريصاً على تعاون جميع الجهات لإنجاح الدورة.
- كيف جرى اختيار العروض المشاركة؟ وهل هناك معايير محددة لعبتم دورًا في وضعها أو الإشراف عليها؟
بالطبع، فإن اختيار لا تُختار بشكل عشوائي، بل توجد لجنة مشاهدة محترفة تراجع جميع العروض المُقدمة وتُقيمها على أسس فنية واضحة مثل جودة النص والإخراج والأداء التمثيلي والمستوى التقني وغيرها من المعايير، ولست عضوًا في لجنة المشاهدة، لكن دوري يبدأ بعد اختيار العروض، حيث أعمل على التواصل مع الفرق بعد التنسيق معهم من خلال الأستاذة ماجدة عبد العليم، المنسق العام للمهرجان التي تُبلغ الفرق بالنتائج ومواعيد عروضهم بعد وضع الجدول من خلال لجنة العروض.
وأتولى التأكد من جاهزية الفرق ومتابعة ذلك بالتنسيق مع لجنة التجهيزات الفنية، وأحياناً أتدخل إذا احتاجوا دعمًا معينًا أو لإرسال خطابات للاستعانة ببعض الأجهزة من مسارح أخرى ، بالتنسيق مع الدكتور عادل عبده، مدير المهرجان الذي كان يبذل جهدًا كبيرًا وخاصة في المحافظات.
بلا شك لها دور كبير، نحن كمهرجان قومي نعتبر أنفسنا مهرجان كل مصر، وليس القاهرة فقط؛ وللأمانة، فقد تقدم الفنان محمد رياض بمقترح لتغيير اسم المهرجان إلى «مهرجان المسرح المصري» لأنه حتى الآن ليس فقط المواطن العادي الذي يخطئ في اسم المهرجان، بل إن بعض الصحفيين أيضاً يكتبون على صفحاتهم «مهرجان المسرح القومي»، لكن تم رفض هذا المقترح من لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة.
لذلك تراعي اللجنة دائماً أن تكون العروض قادمة من مختلف المحافظات، من الصعيد والدلتا والسواحل وحتى سيناء، والهدف هو أن نسمع صوت المسرح في كل مكان، وأن نُتيح فرصًا متساوية لجميع أقاليم الجمهورية، مع متابعة خاصة للفرق البعيدة تحديداً لتسهيل أي أمور قد تعطلهم عن المشاركة؛ وهذا ما يؤكده شعار الدورة الثامنة عشرة «المهرجان القومي للمسرح المصري في كل مصر».
- برأيك، ما مدى تطور مستوى العروض هذا العام عن الأعوام الماضية في الدورات السابقة؟
أرى أن هناك نقلة حقيقية هذا العام، وهذا واضح جداً في مستوى التناول الجمالي والنضج في اختيار الموضوعات. زاد الوعي عند المخرجين الشباب، وكذلك تطور استخدام عناصر العرض مثل الديكور والإضاءة، حتى الفرق القادمة من الأقاليم البعيدة قدمت عروضاً قوية جداً تستحق أن تُشاهد على مسارح أكبر، وما يميز هذا العام هو أن المشاركين أصبح لديهم رغبة حقيقية في إثبات أنفسهم، وهذا انعكس على مستوى العروض بشكل إيجابي.
- إلى أي حد شهدت علاقة المهرجان بالشباب تطورًا خلال السنوات الأخيرة؟
نعم بلا شك، وهذا من أكثر الأمور التي أُوليها اهتمامًا شخصيا، وأصبحنا نرى شبابًا يشاركون في كل شيء، من التمثيل والإخراج وصولًا إلى التنظيم والتطوع، و زادت الثقة في قدرات الجيل الجديد، كما أن الشباب أنفسهم أصبحوا أكثر اهتمامًا بالتعلم والاندماج.
ولعبت ورش المهرجان دورًا كبيرًا في ذلك، لأنها وفرت فرص تدريب حقيقية ومجالاً للاحتكاك مع أساتذة وفنانين كبار. إإضافة إلى أننا أصبحنا نسمع صوتهم أكثر ونستفيد من أفكارهم، وإن إتاحة الفرصة للشباب هدف من أهداف رئيس المهرجان منذ توليه المهمة، حيث وضع استراتيجية لجذب الشباب وتسهيل اشتراكهم في الفعاليات.
كيف سعيتم لتوسيع قاعدة الجمهور لتشمل فئات من خارج دائرة المهتمين بالمسرح؟
نحن مؤمنون بأن المسرح لا يجب أن يكون للنُخبة فقط، ولذلك حاولنا تقديم عروض كثيرة في المحافظات، وقدمناها في أماكن عامة ومفتوحة أحيانًا، كما ركزنا على تنويع العروض لكسب جمهور جديد، خاصة الشباب غير المعتادين على حضور المسرح، ومن ناحيتي، عملت على تقوية التواجد على وسائل التواصل الاجتماعي مع لجنة الموقع الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي برئاسة محمد فاضل، لأن هذه وسيلة تواصل مهمة جدًا مع جيل جديد بالكامل.
ما أبرز المستجدات في اتجاه والجوانب الخاصة بالتنظيم والجوانب اللوجستية في الدورة الأخيرة للمهرجان؟
ركزنا هذا العام بشدة على هذا الجانب، لأن نجاح أي مهرجان لا يكمن فقط في العروض، بل في التنظيم السلس،و عملنا على توفير وسائل النقل للفرق، وأعددنا جداول محكمة، ونسقنا مسبقًا مع جميع الجهات الفنية والإدارية في المسارح.
وحاولنا استخدام التكنولوجيا أكثر، مثل الملفات الإلكترونية للعروض بدلًا من الأوراق، وحجز العروض إلكترونيًا عبر تطبيق المهرجان والموقع الإلكتروني للمهرجان، مما قلل الازدحام أمام المسارح ونظم أولوية الدخول، هذا ساعد في تحقيق السرعة والدقة.
هل استحدثتم لجانًا أو آليات جديدة لضمان الشفافية في هذه الدورة الأخيرة ؟ حدثنا عنها؟
فعلًا، تم استحداث آليات جديدة هذا العام، مثل لجان المتابعة والتقييم التي تتواجد أثناء العروض وتكتب تقارير مستقلة تُرسل للجان التحكيم. كما حاولنا توسيع قاعدة التقييم لضمان التوازن بين الأجيال وتنويع الرؤى، ونحن مؤمنون بأن الشفافية تبدأ من احترام عقل الفنان، وأن كل فريق يجب أن يشعر بأن حقه محفوظ.
كيف أسهم المهرجان في اكتشاف وإبراز الطاقات المسرحية في المحافظات والأقاليم من جديد؟
المهرجان هو المنصة التي تظهر فيها المواهب التي لا تملك فرصة في الإعلام أو القاهرة،و هذا العام شاهدنا عروضاً من أماكن بعيدة جداً تحتوي على طاقات شبابية حقيقية تستحق أن تُرى، ومن وجهة نظري، هذا من أهم أدوار المهرجان، لأنه لا يكتفي بالعرض فقط، بل يكشف المواهب أيضاً ويضعها على الطريق الصحيح.
كيف كنتم تتعاملون مع الملاحظات أو الاعتراضات التي تبديها الفرق المشاركة؟
نتعامل معها بمنتهى الجدية والاحترام، من حق كل فرقة أن تعترض إذا شعرت بأن هناك شيئًا غير واضح أو فيه ظلم، و نحن نستمع إليهم ونراجع الموقف، وإذا كان هناك خطأ فعلاً نصححه فورا، وكمجموعة عمل من رئيس المهرجان ومديره والمنسق العام، نتواصل مع الفرق ونرد على استفساراتهم، وكثيرًا ما تُحل المشكلة في ساعتها، لأنه بدون ثقة الفرق لا قيمة للمهرجان.
ما الذي كان ينقص المهرجان ليكون من كبار المهرجانات عربياً؟
المهرجان القومي للمسرح، من أكبر المهرجانات في الوطن العربي بقيمته وتاريخه وما يقدمه من عروض وعددها، وهذا لا يوجد في أي مهرجان في الوطن العربي والشرق الأوسط؛ لكن ما ينقصنا هو التمويل الأكبر والدعاية المناسبة التي تليق بهذا الحدث العظيم، و نحتاج شراكات مع جهات إعلامية وإتاحة الفرصة للموارد المالية من خلال الممولين والرعاة، وكنا نحتاج توثيقاً أفضل وأرشفة تليق بتاريخ المهرجان الذي يحمل اسم وزارة الثقافة المصرية وكل ما يقدمه من زخم مسرحي على مدار العام، و هذا سيجعله ليس فقط مهرجاناً قومياً مصرياً، بل علامة مسرحية عربية كبيرة ومرجعية لشباب المسرحيين والباحثين الذين لا تُتاح لهم مشاهدة عروض الجامعات أو الهواة أو الأقاليم.
- ما هي السبل التي قدمها المهرجان وكانت فعّالة لتعزيز الشراكات مع المؤسسات الثقافية والتعليمية؟
يجب أن يكون هناك تواصل مستمر، وليس فقط أثناء المهرجان. وهذا من خلال ورش مشتركة وبروتوكولات تعاون وحتى مشاركة الطلاب في التحضير والتنفيذ، إذا شعروا بأن لهم دورًا، سيصبحون جزءًا من الكيان و سيستمرون فيه، وقد بدأنا خطوات في هذا الاتجاه ضمن فعاليات الدورة.
- ما المشاريع أو الأحلام التي تتطلعون لتنفيذها في الدورات المقبلة إذا توفرت لكم الإمكانات الكاملة؟
أحلم بأن يكون للمهرجان فرع دولي، وأن ننظم فعاليات في دول أخرى باسم مصر، و أتمنى إنشاء منصة إلكترونية كبيرة توثق جميع دورات المهرجان بالعروض والحوارات والورش، وأتطلع لإنشاء برنامج احتضان للمواهب من المحافظات، يوفر لهم فرصة تدريب حقيقية ومتواصلة، وإذا تحقق هذا، فسنشهد جيلًا مسرحيًا جديدًا يُغير شكل الساحة الفنية ككل، لأن المسرح هو أبو الفنون.


