إن فوز مصر بالجائزة الأولى عن سياسات المنافسة لعام 2025 التي منحتها شبكة المنافسة الدولية بالتعاون مع البنك الدولي يشكل علامة فارقة في مسار الإصلاح الاقتصادي والتنظيمي للدولة ويؤكد أن الجهود المبذولة في السنوات الأخيرة لم تذهب هباء وهذا التتويج جاء تصديقا لنجاح جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في تنفيذ تدخلات استراتيجية ملموسة في قطاع حيوي هو قطاع التعليم حيث ركزت المبادرات على ضبط سوق طباعة وتوزيع الكتب المدرسية وتنظيم منافسة عادلة في مجال الزي المدرسي وهما مجالان لطالما كانا عرضة للممارسات الاحتكارية والاتفاقات المقيدة للمنافسة.
والأهمية هنا لا تكمن فقط في الجائزة ذاتها بل في الرسائل السياسية والاقتصادية التي تحملها على المستوى الداخلي تعكس هذه الخطوة وعيا حكوميا بأن تعزيز المنافسة العادلة هو أحد مفاتيح تحسين بيئة الأعمال وحماية المستهلك فالتصدي لظواهر مثل التواطؤ بين الموردين أو فرض شروط احتكارية على المدارس وأولياء الأمور يؤدي إلى تخفيض الأسعار وتحسين جودة الخدمات وهو ما ينعكس مباشرة على حياة المواطنين أما على المستوى الدولي فتمنح هذه الجائزة لمصر شهادة موثوقة على التزامها بقواعد الشفافية والانفتاح الاقتصادي وهو أمر يعزز ثقة المستثمرين ويشجع على تدفق الاستثمارات الأجنبية خاصة في القطاعات التي تتسم بتنافسية عالية.
ولعل الاختيار الموفق لقطاع التعليم كنموذج تطبيقي يعكس فهما استراتيجيا بأن الإصلاح يبدأ من القطاعات التي تمس حياة المواطن اليومية بشكل مباشر فالإنفاق على التعليم يشكل جزءا مهما من ميزانية الأسرة وأي تخفيف في الأعباء المالية الناتجة عن كسر الاحتكارات في هذا القطاع يعد إنجازا اجتماعيا بقدر ما هو إنجاز اقتصادي كما أن التدخل في هذا القطاع يفتح الباب أمام منافسين جدد ما يحفز الابتكار ويحسن مستوى الخدمة وهو ما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.
واللافت أيضا أن هذه ليست المرة الأولى التي يحصد فيها جهاز حماية المنافسة تكريما دوليا بل تأتي الجائزة ضمن سلسلة من الإنجازات المتواصلة على مدار أربعة أعوام متتالية حيث حصل الجهاز على جوائز في 2021 و2022 و2023 و2024 وهذا التراكم الزمني للجائز يدل على أن ما يحدث ليس مجرد تحرك ظرفي أو حملة إعلامية وإنما سياسة مؤسسية مستدامة تقوم على آليات عمل واضحة وخطط متابعة وتنفيذ دقيقة وتحمل الجائزة تحمل كذلك بعدا سياسيا مهما فهي رسالة للمجتمع الدولي بأن مصر ليست فقط منخرطة في إصلاحات مالية أو هيكلية كبرى بل تسعى أيضا إلى ضمان أن تعمل أسواقها وفق قواعد تنافسية عادلة وهذا يعزز مكانة الدولة في المؤشرات العالمية المرتبطة بسهولة ممارسة الأعمال وجاذبية الاستثمار ويجعلها أكثر قدرة على الدخول في شراكات اقتصادية إقليمية ودولية على أسس متكافئة وباختصار يعد فوز مصر بالجائزة الأولى عن سياسات المنافسة لعام 2025 هو أكثر من مجرد حدث احتفالي إنه انعكاس لمسار إصلاحي متكامل يجمع بين حماية المستهلك وتحفيز السوق وتعزيز ثقة المستثمرين والتجربة الناجحة في قطاع التعليم يمكن أن تكون نموذجا لتطبيق نفس النهج في قطاعات أخرى مثل الرعاية الصحية أو الصناعات الغذائية أو الخدمات اللوجستية بحيث تتحول المنافسة العادلة إلى ثقافة اقتصادية عامة تدعم النمو وتحقق العدالة الاجتماعية في آن واحد وفي ظل هذا التوجه ويمكن القول إن الجائزة ليست خط نهاية بل محطة انطلاق نحو مرحلة أوسع من الإصلاحات التي تعزز من مكانة مصر الاقتصادية إقليميا ودوليا.