عشاق الفجر وانبلاج الصبح ومؤذن يؤذن فى المسجد البعيد، وصبحنا والصبح لله، ويا رب أرزقنا بالحلال، وماء الوضوء يتسربل من بين شيخ عجوز، وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، وحى على الصلاة وحى على الفلاح، وإحراز النجاح.
وتدعو الطيبة من قعر الغرفة الداخلية لولدها الذي خرج يسعى على رزق العيال، يفتحها فى وشك، يرزقك ما يحرمك كالعصفور فى السماء، ويحفظك من كل شر، ويسترك دنيا وآخرة، ويجعلها في إيدك خضرة.
وينداح صوت الكروان "محمد قنديل" بكلمات "مرسي جميل عزيز" على ألحان "محمد الموجي"، ( يا حلو صبح .. يا حلو طل يا حلو صبح .. نهارنا فل)، وتنافسه كوكب الشرق أم كلثوم في افتتاح صباحات المصريين، (يا صباح الخير يا اللى معانا يا اللى معانا / الكروان غنا وصحانا وصحانا)، وعجوز لطيف رأسه بيضاء كالثغامة، يتذكر أيام الشقاوة، منشرح صدره، يعاكس ع الريق ، يا صباح التفاح أشرلي وأنا ارتاح، لسان حاله، ليت الشباب يعود يوما.
وموظف محدود ، ينفث دخان الشيشة فى الهواء، عامل اصطباحه شاى بربرى، ويطالع وجوه بنات المدارس الصابحة، ويتبسم لطلتهن..
وست طيبة بجلابية سودة، وشبشب لميع، وتلهث وراء الأتوبيس، وتجر ولدها شبه النائم لتلحق بجرس المدرسة، فى إصرار غريزى أن تحجز لابنها مكانا فى المستقبل .
وجمع من الساعين على الرزق، يتحلقون حول عربة فول تفتح النفس، وطبق فول بالزيت الحار، وبصلة، وقرن فلفل حامي، وعيش بنار الفرن، البخار المتصاعد من قدرة الفول يجوع الشبعان، وبُق ميه يروى العطشان، ووداع على أمل اللقاء على عربية الفول فى نفس المكان والزمان.
والنهار يفتح عينيه، من أثر الليل، والشوارع تمتلئ رويدا رويدا، والميكروباصات تستيقظ فجاة وكان ركبها عفريت تسلل تحت جنح الظلام.
وسيدة طيبة من ضحايا الزمن تغسل سيارة البيه أمام باب العمارة بخرقة مبلولة، وترفع المساحات دليلا على إنجاز الأعمال الصباحية.
ورجل هده المرض، يسعل وهو يجر عربة القمامة، يجمع فضلات العمارات الكبيرة فى أكياس سوداء، والرضا كل الرضا على وجهه، وكل خطوة ببسملة، وتفوح من فيه صباحات منثورة كالفل على المارة فى السيارات اللامعة، يبحث عن رزقه، ويحنو على قطة صغيرة تأكل من خشاش الأرض، يمسح رأسها، ويتركها تمرح وتلعب .
سوق الرجالة يستقبل السمر الشداد، يعرفون الطريق إلى الشقاء، مقبلون على يوم جديد، مكتوب عليهم الشقاء، ولكنهم راضون بالقليل، ويوم عمل فى جبل، فقط لقمة حلال تسد أفواه العيال، وربنا يديمها نعمة ويرزقها من حلال.