الخميس 14 اغسطس 2025

عرب وعالم

قمة آلاسكا انتصار لبوتين وخسارة لأوروبا

  • 14-8-2025 | 15:51

بوتين وترامب

طباعة
  • دار الهلال

رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتمتع بموهبة لا تضاهى في مفاجأة العالم؛ فقد كان إعلان الأسبوع الماضي عن قمته المرتقبة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المقررة غدا في ولاية آلاسكا الأمريكية بمثابة صدمة للعالم.

وأوضحت المجلة أن آخر مرة أثار فيها لقاء دولي مثل هذا القدر من الحيرة والدهشة عندما زار الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون الصين الشيوعية عام 1972، واصفا رحلته حينها بأنها "أسبوع غير العالم". وقد يحمل هذا الأسبوع (الذي يتضمن قمة آلاسكا) التأثير ذاته، سلبا أو إيجابا.

وذكرت المجلة الأمريكية أن عقد مثل هذه النوعية من القمم بات علامة مميزة في دبلوماسية ترامب، ولم يسبقه إلى هذه النوعية من اللقاءات والقمم سوى عدد محدود من الرؤساء مثل فرانكلين روزفلت وهاري ترومان وريتشارد نيكسون الذين التقوا مع الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، والصيني ماو تسي تونغ.

إلا أن تلك اللقاءات جرت -وفقا للمجلة- في سياقات مغايرة، ففي مؤتمر يالطا بشبه جزيرة القرم، كان روزفلت وستالين حليفين في الحرب العالمية الثانية، وعندما التقى نيكسون بماو كانت حرب كوريا قد انتهت، وكان البلدان يواجهان خصما مشتركا هو الاتحاد السوفييتي.

أما الآن، فإن دعوة ترامب لبوتين إلى ألاسكا تأتي بينما يخوض الأخير حربا وحشية ضد حليف فعلي للولايات المتحدة هو أوكرانيا. فواشنطن تدعم كييف منذ ثلاث سنوات في مواجهة العدوان الروسي، فيما يستضيف ترامب ما وصفته المجلة ب "المعتدي" على أرض حليف لواشنطن، وهو ما يماثل في مفارقته التي تدعو للسخرية دعوة خيالية من الرئيس جورج بوش الأب للرئيس العراقي صدام حسين إلى جلسة ودية بعد غزوه للكويت.

ولفتت "فورين بوليسي" إلى أن المحللين يتساءلون حاليا عن أهداف ترامب الحقيقية من هذه الدعوة، خاصة وأن بوتين لم يبد أي نية للتراجع عن أهدافه في أوكرانيا، التي إن تحققت ستترك البلاد ممزقة وخاضعة للهيمنة الروسية.

ويبدو -في رأي المجلة- أن ترامب قد يراهن على أن يقدم بوتين بعض التنازلات مقابل احتفاظه بأراض أوكرانية احتلها، لكن ماذا إن اكتفى بوتين بمحاضرات عن "عظمة روسيا" ومظلوميتها التاريخية، وربما تذكيره ببيع آلاسكا للولايات المتحدة عام 1867؟
لا شك أن اختيار آلاسكا كمكان للقاء غير مسبوق في تاريخ القمم الروسية-الأمريكية، وإن كان منطقيا للطرفين، إلا أنها تمنح بوتين -وفقا لفورين بوليسي- قدرا أكبر من الأمان والخصوصية، وترضي ترامب الذي ربما كان يفضل منتجعه في فلوريدا لكنه تنازل واختار آلاسكا. ويبدو أن غموض تصريحات مبعوث الرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف حول اختيار مكان القمة يوحي بأن القرار ذي الصلة ربما كان مدفوعا بدافع اللحظة أكثر من كونه ثمرة استراتيجية مدروسة.

وتؤكد المجلة الأمريكية أنه على عكس ترامب الذي قد يربح أو يخسر وفق ما سيحدث خلال اللقاء، فإن بوتين فاز مسبقا. فمجرد جلوسه مع الرئيس الأمريكي يمثل دليلا على فشل محاولات الغرب لعزله، ويعزز صورته كقوة عظمى. وسيتم استغلال هذا في الدعاية الروسية لإظهار موسكو كند لواشنطن، بينما يجري تقرير مصير أوروبا بعيدا عن حضور الأوروبيين أنفسهم.

والأخطر مما سبق، أن القمة قد تسمح لبوتين بطرح صفقات كبرى، مثل دعم مطالب ترامب السابقة بضم جرينلاند، مقابل اعتراف أمريكي بنفوذ روسيا في أوروبا الشرقية.

وبالنسبة لأوروبا، فإن المشهد كارثي، حيث إن قضايا أمنها ستناقش بين "زعيم العالم الحر" ورئيس تتهمه أوروبا بارتكاب جرائم حرب، دون أن يكون لها مقعد على الطاولة.

كما أن اللقاء سيرفع من مكانة بوتين أمام الصين، إذ سيأتي قبيل مشاركته في قمة منظمة شنغهاي للتعاون نهاية الشهر الجاري، واحتفالات بكين في الثالث من سبتمبر بانتصارها في الحرب على اليابان. 

وعليه، فإن الاحتمالات المرتبطة بالقمة ليست في صالح ترامب. فإذا فشل في تحقيق سلام واقعي لأوكرانيا، سيواجه انتقادات واتهامات بإضفاء الشرعية على المعتدي، وخيانة ثقة الحلفاء، وإظهار الولايات المتحدة بمظهر الساذج سياسيا. وحتى لو راهن على "حدسه" ونجح، فإن تحقيق هذا السلام سيتطلب -وفقا للمجلة- معجزات، تتمثل في قبول بوتين بأوكرانيا كدولة مستقلة قادرة على الدفاع عن نفسها، وتخلي موسكو عن شروطها القاسية، وقبول كييف بتنازلات إقليمية مؤلمة، وهو أمر لا تبدو أوكرانيا مستعدة له حاليا، ناهيك عن واقع أن الدبلوماسية لا تعول على المعجزات.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة