ذكر تقرير صحفي أعدته مجلة "بوليتيكو" الأوروبية أن قطاع غزة المنكوب من جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل يشهد تفشيًا خطيرًا لأمراض فيروسية نادرة تُسبّب شللاً حادًا لدى الأطفال، في وقت يكافح فيه الأطباء لإنقاذ الأرواح، وسط حصار إسرائيلي خانق ونقص حاد في الغذاء والعلاج.
وتقول الطواقم الطبية - في تصريحات خاصة لمراسل المجلة في القطاع - إنّ تدمير إسرائيل لشبكات الصرف الصحي في غزة ساهم في انتشار فيروسات مميتة، مشابهة لتلك التي تسببت في تفشّي شلل الأطفال العام الماضي.. واليوم، يسجّل الأطباء ارتفاعًا مقلقًا في حالات الشلل الرخو الحاد، وهو متلازمة نادرة تؤدي إلى ضعف عضلي شديد قد يعيق القدرة على التنفس والبلع.
وأوضح الدكتور أحمد الفرا، رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، أن هذه الحالات تشمل التهاب النخاع الرخو الحاد الذي يستهدف الأطفال غالبًا، إضافة إلى متلازمة غيلان باريه المعروفة طبياً.. وقال:" قبل أكتوبر 2023، كنّا نرى حالة أو حالتين فقط كل عام، وكان الأمر نادرًا للغاية، أما اليوم فقد سجلنا ما يقارب 100 حالة في غضون ثلاثة أشهر".
وأكد التقرير أن هذه الأرقام المفزعة تعكس حجم الكارثة الصحية التي يعيشها القطاع المحاصر، حيث يفتقد الأطفال للغذاء الكافي وللأدوية اللازمة، فيما يواجه الأطباء نقصًا خانقًا في المعدات الطبية.
وحذر خبراء الصحة من أن استمرار تدهور الوضع الصحي في غزة قد يؤدي إلى مزيد من تفشي الأمراض المعدية، ما يشكّل تهديدًا خطيرًا على حياة آلاف الأطفال.
وأكدت عينات مختبرية أُرسلت إلى الأردن وإسرائيل نتائج إيجابية لفيروسات معوية "Enteroviruses" تُنقل بين الأشخاص أو عبر المياه الملوثة، وفقاً للفرا.. وهذه الفيروسات - التي تضم أيضًا فيروس شلل الأطفال - تنتقل غالبًا عبر الطرق والبيئة الملوثة ولا يُستغرب أن تكون خان يونس إحدى البؤر الرئيسية للتفشي حيث تغمر مياه الصرف الصحي المكشوفة الشوارع.
ودوليًا، تزداد وتيرة الإدانة ضد إسرائيل، حيث وصفت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية تيريزا ريبيرا سلوك إسرائيل في غزة بأنه "يبدو إلى حد كبير كجريمة إبادة جماعية"- في أقوى تصريح يصدر من مسئول أوروبي حتى الآن، وهو ما تنفيه إسرائيل.
وأفاد بيان صادر عن منظمة الصحة العالمية بتسجيل 32 حالة شلل رخو حاد بين الأطفال دون سن 15 عامًا حتى 31 يوليو .. وأوضحت المنظمة أن هذه الزيادة تُعزى جزئيًا إلى تحسن الرصد، لكنها تعكس أيضًا انهيار البنية التحتية للمياه والصرف الصحي وسوء التغذية وصعوبة الحصول على الرعاية الصحية.
وأظهرت بيانات المنظمة أن ما يقارب 70% من العينات المفحوصة تبيّن أن سببها فيروسات معوية غير شلل الأطفال، مقارنة بنسبة 26% فقط في الأعوام السابقة، وهو ما يعكس تفاقم الأزمة الصحية في غزة بشكل غير مسبوق .. وأشارت البيانات إلى أن التقييم السريري الدقيق "يُعدّ صعبًا للغاية في غزة حاليًا بسبب نقص الإمكانات التشخيصية والمختبرية والفحوصات".
وبالمثل، يقول الأطباء - وفقًا للتقرير - إن خيارات علاج المرضى محدودة، ومن بين هؤلاء مدير مستشفى الشفاء في غزة، محمد أبو سلمية، الذي أكد أن الطاقم الطبي في المستشفى - الذي دمر معظمه على يد إسرائيل في أوائل عام 2024 - شخّص 22 حالة إصابة بمتلازمة غيلان باريه حتى الآن .. وتوفي ثلاثة مرضى، بينما أصيب 12 آخرون بالشلل، ونُقلوا إلى مراكز إعادة التأهيل.
ويشمل علاج التهاب النخاع الرخو الحاد ومتلازمة غيلان باريه إعطاء الغلوبولينات المناعية الوريدية - وهي أجسام مضادة تُستخدم لتحييد العدوى - أو تبادل البلازما، والذي يتضمن ترشيح الدم .. ولا يتوفر أيٌّ من هذه العلاجات بسهولة في غزة، حيث تعاني من نقص مزمن في الإمدادات الطبية الأساسية بسبب الحصار الإسرائيلي.
وأضاف أبو سلمية:" للأسف، العلاج غير متوفر لدينا"، في حين أكد الفرا أن الأطباء في غزة ناشدوا زملائهم المتطوعين في المنظمات الأجنبية محاولة إحضار فلاتر لتبادل البلازما معهم، لكن السلطات الإسرائيلية غالبًا ما تصادرها.
وتابع الفرا أن الأطفال في غزة معرضون بشكل خاص لهذه الحالة بسبب المجاعة الجماعية ونقص الفيتامينات اللازمة لتجديد الأعصاب.. وقال:" لا أحد يملك كمية كافية من فيتامينات ب1، ب6، ب12".. ذلك لأنه "لا توجد فواكه ولا خضراوات ولا لحوم ولا بيض ولا زبادي ولا كل شيء".
وأوضحت المجلة الأوروبية أن الحكومة الإسرائيلية لم تستجب لطلبها الخاص بحق التعليق حتى وقت النشر، مع الإشارة إلى أنها تفرض قيودًا صارمة على دخول الغذاء إلى غزة منذ أكتوبر 2023، مما أدى إلى سوء تغذية مزمن ومجاعة جماعية ..
ويقول مسئولو الصحة في غزة إن 188 شخصًا لقوا حتفهم جوعًا منذ أكتوبر 2023، معظمهم من الأطفال .. وتحتفظ وزارة الصحة في غزة، التابعة للحكومة التي تديرها حماس، بسجلات مفصلة للضحايا، يعتبرها خبراء مستقلون موثوقة بشكل عام.
وتقدر الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 1373 فلسطينيًا لقوا حتفهم أثناء بحثهم عن الطعام، من بينهم 859 في مواقع تديرها مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة .. وفي ديسمبر 2024، أشارت منظمة العفو الدولية إلى الحصار الإسرائيلي وتدمير مرافق الصرف الصحي في تقريرها الذي خلص إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.