تطورات متلاحقة شهدها ملف الحرب الروسية الأوكرانية، منذ عقد قمة ألاسكا، يوم الجمعة الماضي، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعقد قمة أخرى بين ترامب والرئيس الأوكراني فولديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين.
مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الرابع، لا تزال التساؤلات قائمة حول مآلات هذا الصراع الذي بات يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي والاستقرار العالمي، تبرز مؤخرًا مؤشرات لتحولات محتملة في المواقف الدولية، تقودها قمة مرتقبة تجمع قادة روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة، أعلن الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأمريكي دونالد ترامب، أطلعه خلاله على نتائج مباحثاته مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة الدول الأوروبية.
وأكد ترامب وبوتين خلال الاتصال دعمهما لمواصلة المباحثات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا، وبحثا إمكانية رفع مستوى التمثيل في هذه المفاوضات، بما يسهم في الدفع نحو تسوية سياسية للأزمة المستمرة.
وأعلن الرئس الأمريكي، دونالد ترامب، أنه سيحاول التوصل إلى اتفاق ثلاثي بين الولايات المتحدة وأوكرانيا وروسيا، مضيفًا أن روسيا وافقت على قبول ضمانات أمنية.
وتابع :"نحتاج إلى مناقشة تبادلات محتملة للأراضي، مضيفًا أن هدفه الأول وقف الأقتتال وإنهاء الحرب في أوكرانيا.
ترقب للقمة الروسية الأوكرانية
قال الدكتور نبيل رشوان، المتخصص في الشأن الروسي، إنه من الصعب التنبؤ بمصير الحرب الحالية بين روسيا وأوكرانيا، فالتطورات الجارية معقدة للغاية وتعتمد على عوامل متناقضة، موضحا أنه خلال أسبوعين من المرتقب أن يلتقي الرئيسين الروسي والأوكراني وقد ينضم إليهم الرئيس الأمريكي وبعد ذلك ستتضح الأمور ويتقرر مصير تلك الحرب.
وأوضح في تصريح لبوابة دار الهلال، أنه في الوقت الحالي هناك اختلاف وجهات النظر، فهناك تباين واضح بين الموقف الروسي والأوروبي بشأن الحل، خاصة فيما يتعلق بمسألة التنازل عن الأراضي والترتيبات الأمنية لما بعد وقف إطلاق النار وتبادل الأراضي حيث يمنع الدستورين الروسي والأكراني التنازل على الأراضي.
وأوضح أن الحل المقترح الحل الأكثر ترجيحًا هو تجميد النزاع على وضعه الحالي، على غرار هدنة كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، حيث تظل حالة الحرب قائمة دون مواجهات عسكرية مباشرة، مع وجود ضمانات أمنية، أو قد يتم تطبيق المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو، لتنضم أوكرانيا للحلف لكن بشكل سياسي فقط وليس عسكريًا، لتوفير ضمانات لأوكرانيا.
وأشار إلى أنه إذا احتفظت روسيا بالأراضي التي سيطرت عليها في أوكرانيا دون اعتراف دولي، ستظل العقوبات المفروضة عليها قائمة، مما يضعها في موقف دولي صعب، لأنها ستكون في عرف القانون الدولي والدول الأوروبية هي دولة سيطرت على أراضي بالقوة، ما سيؤدي لاستمرار فرض العقوبات في ظل ما تعانيه من تأثيرات.
المواقف الدولية وتأثيرها
وشدد على أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متفائل بأنه قادر على حل النزاع، لكن طبيعة هذه الحرب تجعلها صعبة للغاية، خاصة أنها تشبه الحرب الأهلية بين شعوب ذات روابط تاريخية، فكلا البلدين بينهما روابط أخوية، مؤكدا أنه لا يمكن التكهن بشأن مصير الحرب في ظل تلك التناقضات، وخلال أسبوعين سيلتقي الرئيسين الروسي والأوكراني وتبدأ الترتيبات بشأن هذا النزاع.
وأضاف نبيل رشوان، أن بناءً على نتائج هذه الاجتماعات، سيتم تحديد الخطوات القادمة، حيث بدأت الدول الأوروبية بالفعل في اتخاذ ترتيبات أمنية محتملة استعدادًا لوقف إطلاق النار، موضحا أن الرئيس الأوكراني لديه الاستعداد لإنهاء النزاع لكن بدون التنازل عن الأراضي، من خلال ترك الوضع الحالي لكن دون الاعتراف بأن الأربعة مقاطعات وشبه جزيرة القرم التي سيطرت عليها روسيا ، باعتبارها أرض روسية.
ولفت إلى أن هناك خلافات حتى داخل الدول الحليفة لروسيا، فالصين لم تعترف بالقرم كأرض روسية، رغم سيطرة موسكو عليها وضمها منذ 2014، وكذلك تركيا، وحتى بيلاروسيا، التي تعتبر الحليف الأقرب لروسيا، التي لم تعترف بضم القرم إلا من وقت قريب، وتواجه بيلاروسيا صعوبة في تنفيذ الوحدة المقترحة مع موسكو بسبب أرض القرم التي لا تعتبرها جزءا من الأراضي الروسية.
وأشار إلى أن الاعتراف بالأراضي ستكون أزمة غاية في الصعوبة في حل النزاع الروسي الأوكراني، لأنه لا يمكن تحريرها عسكريا، ولا يمكن لأي دولة الاعتراف بكونها جزء من روسيا، ما يعني أنها ستكون أرض محتلة بالقوة وستفرض عقوبات على روسيا، وقد تستمر في ظل ما ما تواجهه من صعوبات اقتصادية بسبب العقوبات، وهو الملف الذي كان مطروحا في قمة ألاسكا، لذلك لم يلجأ ترامب لفرض عقوبات جديدة على روسيا.
وقال إن الأوروبيين يعدون الحزمة التاسعة عشر من العقوبات على روسيا، أما الجانب الأمريكي فلن يلجأ لمثل هذه الخطوة إلا في حالة فشل المفاوضات الجارية أو وصولها إلى طريق مسدود.
تقارب واضح في الإرادتين الأمريكية والروسية
ومن جانبه، قال الدكتور طارق البرديسي، خبير العلاقات الدولية، إنه قمة ألاسكا أسفرت عن تقارب واضح في الإرادتين الأمريكية والروسية، وهو ما يمهد الطريق لتسوية محتملة للنزاع.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أنه يمكن تلخيص أبرز ملامح هذه التسوية في عدة نقاط هي ضمانات أمنية لأوكرانيا، حيث سيتم تقديم ضمانات أمنية لـ كييف من قبل الدول الأوروبية، وليس من الولايات المتحدة، هذه الضمانات ستكون شبيهة بالمادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو، لكنها لن تكون صارمة أو فعالة، بل ستكون مجرد دعم دفاعي، وهذا يعني أن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف الناتو.
وأضاف أن الموقف من الأراضي، يبدو أن مصير بعض الأقاليم قد تم تحديده بشكل شبه نهائي، فمن الواضح أن شبه جزيرة القرم وأقاليم مثل دونيتسك ستظل تحت السيطرة الروسية إلى الأبد، أما بالنسبة لأقاليم أخرى مثل زاباروجيا، فمن المحتمل أن تعود أجزاء كبيرة منها إلى أوكرانيا.
وأكد أن هذا التقارب في المصالح يحدد مسار الحرب ومستقبلها، حيث يتوقف الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وبما أن أوروبا لا تستطيع بمفردها تقديم دعم فعال لأوكرانيا، فإن هذا يضعها في موقف حرج، مما يدفعها نحو المصالحة.
وأشار إلى أنه من الواضح أن من يحدد مسار الأمور هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث تعتبر هذه القمة نقطة محورية في توجيه دفة العلاقة ومكانة الحرب.
إعادة توزيع النفوذ
ومن جانبه قال هاني الجمل، خبير العلاقات الدولية، إن قمة ألاسكا، بمثابة إعادة توزيع النفوذ الأمريكي والروسي سواء في أوكرانيا أو مناطق الإندوباسيفيك والممرات الآمنة بين أرمينيا وأذربيجان، والتموضع الجديد للقوات الأمريكية والروسية في عدة مناطق مثل جنوب القوقاز، مؤكدا أن هذه القمة تمثل مرحلة جديدة للعلاقات، حيث كسرت العزلة الدبلوماسية عن روسيا، وأعادتها إلى المجتمع الدولي، خاصة بعد لقائها مع أقوى دولة في العالم، الولايات المتحدة.
وأوضح في تصريح لبوابة دار الهلال، أن القمة حملت العديد من القضايا الرئيسية، مثل العلاقات الثنائية، والتعاون في مجالات الطاقة والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى التأكيد على معاهدة الأسلحة "نيو ستارت 3" المرتقب تجديدها في فبراير المقبل.
وأشار إلى أن لقاء أمريكا والقادة الأوروبيين، يعد بمثابة هندسة الجغرافيا السياسية الجديدة لأوروبا، في ظل دعم أمريكي لروسيا، للحصول على 20% من أراضي أوكرانيا، وهو ما يؤكد على الاهتمام الروسي بالمنطقة الشرقية، فضلا عن وجود ضمانات أمريكية لعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وفي المقابل تعهدت روسيا بعدم شن هجوم جديد عليها.
وأكد أن هناك مخاوف أوروبية، منها مخاوف من التوسع الروسي خشية من أن يتجاوز التوغل الروسي أوكرانيا إلى بولندا وألمانيا، وكذاك زيادة الإنفاق الدفاعي، وممارسة ضغوط أمريكية على الدول الأوروبية لزيادة إنفاقها الدفاعي، مما يثقل كاهل اقتصادات دول القارة، مضيفا أن هناك مباحثات بشأن صياغة دفاعية أوروبية بعيدا عن أمريكا، في ظل استمرار التبعية لأمريكا، وصعوبة تحقيق استقلال استراتيجي، خاصة في ظل صعود اليمين المتطرف فلا يمكن لها أن تجد حليفا استراتيجيا بخلاف واشنطن.
ولفت إلى أن الصراع الروسي الأوكراني لن ينتهي إلا بتحقيق الأهداف الروسية، لعدة أسباب، منها شرعية الرئيس الأوكراني، لأن زيلينسكي فاقد للشرعية طبقا للدستور، وأي معاهدات ستجريها روسيا ستبرمها مع البرلمان الأوكراني، مضيفا أن روسيا تتمسك بشروطها، وعلى رأسها عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وعدم تسليحها بشكل دائم، لكنها قد تقبل بانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وشدد على أن قضية الأراضي، ترفض روسيا التنازل عن الأراضي التي ضمتها، مثل القرم والدونباس، وقد تتخلى عن بعض مناطق زاباروجيا فقط، مع مطالبتها باعتراف أوكراني رسمي بضم القرم، مضيفا أن الدعم الأوروبي لأوكرانيا ليس مستدامًا وسيتوقف، حيث استنزف الإنفاق الأوروبي على تسليحها الاقتصادات الأوروبية، وكذلك استخدام روسيا لسلاح الطاقة ضد أوروبا ما ضغط على الاقتصادات الأوروبية وأحدث موجات تضخم داخل الدول، كما أن صعود تيار اليمين في أوروبا يرفض الدخول في صراع مع روسيا.
ولفت إلى أن هذه التطورات تجعل أنه يبدو من الصعب التوصل إلى نهاية حاسمة للحرب في الوقت الحالي، خاصة أن روسيا لن تتنازل عن مطالبها، بينما تواجه أوكرانيا تحديات داخلية ودولية كبيرة.