السبت 23 اغسطس 2025

عرب وعالم

تلفزيون سويسرا: زيادة معدلات استخراج "الرمال" 3 أضعاف تجعله محور توترات جيوسياسية وتحذيرات بيئية

  • 23-8-2025 | 15:37

سويسرا

طباعة
  • دار الهلال

سلطت شبكة راديو وتلفزيون سويسر، الضوء على الزيادة الكبيرة في معدلات استخراج واستغلال الرمال باعتباره ثاني أكثر الموارد الطبيعية استغلالا بعد الماء، حيث بلغت هذه الزيادة نحو 3 أضعاف خلال 20 عاما، وهي معدلات تتجاوز كل اللوائح العالمية، الأمر الذي جعل الرمل محور توترات جيوسياسية غير مسبوقة وسط تحذيرات دولية من تأثير ذلك على النظم البيئية.

وتساءلت الشبكة هل يمكن أن تصبح الشواطئ الرملية الجميلة، جوهرة العطلات الصيفية، قريبا ، سرابا من الماضي؟ ، ففي جميع أنحاء العالم تتراجع غالبية الشواطئ بلا هوادة، نظرا لارتفاع منسوب مياه البحر الذي يؤدي إلى تآكل السواحل .. مشيرة إلى أهمية الرمل ليس فقط لجذب المصطافين، بل لأنه في الواقع أكثر الموارد الطبيعية استغلالا في العالم، بعد الماء.

 وذكرت الشبكة أن الطلب على الرمل زاد بشكل هائل في جميع أنحاء العالم نظرا لأنه يستخدم في مجال البناء، وصناعة الزجاج، وتكنولوجيا وألواح الطاقة الشمسية، وحتى استخراج النفط بينما تتضاءل احتياطياته.. فلولا الرمل لما كان هناك خرسانة علما بأن بناء منزل واحد يتطلب 200 طن من الرمل ، وبناء مستشفى يتطلب 3000 طن، فيما يتطلب بناء كيلومتر واحد من الطريق السريع 30 ألف طن من الرمل.

وفي مواجهة هذا الاستغلال المفرط المتزايد، أطلقت الأمم المتحدة مرصدا عالميا للرمال عام 2023، ومقره جنيف، وتهدف هذه المنصة، الأولى من نوعها، إلى تحديد حجم استخراج الرمال وتوثيق آثاره على النظم البيئية والسكان المحليين.

ونقلت الشبكة عن الباحث البيئي والأستاذ في جامعة جنيف، باسكال بيدوزي، مدير قاعدة بيانات الموارد العالمية في جنيف، التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، قوله ، في تصريحات ، "إن استغلال الرمال قضية بالغة الأهمية، وإن كانت غير معروفة، فالرمال موجودة في كل مكان لدرجة أننا لا نلاحظها.. إنها البطل الخفي في تنميتنا".. موضحا أن الرمل جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية من صناعة الخرسانة إلى الأسفلت والزجاج، بما في ذلك مستحضرات التجميل والإلكترونيات ويمثل استخراجه، سواء كان حرفيا أو صناعيا ، نحو 50 مليار طن سنويا حول العالم.

وأضاف أن معدل استخراج الرمل ازداد بمعدل ثلاثة اضعاف خلال 20 عاما، بينما تستغرق موارده آلاف السنين لتتجدد.. مشيرا إلى أن الرمال تتكاثر من خلال التعرية على المستويات الجيولوجية.

وفي حين يتم استخراج معظم الرمل لتلبية الاحتياجات المحلية لأي دولة إلا أن بعضه يسهم أيضا في تغذية التجارة العالمية، فقد باعت الولايات المتحدة، أكبر مصدر للرمال، ما قيمته مليار دولار تقريبا من الرمل في عام 2024، تلتها هولندا (262 دولارا أمريكيا)، وكمبوديا (218 دولارا أمريكيا)، وألمانيا (160 دولارا أمريكيا)، وبلجيكا (112 دولارا أمريكيا).. أما الدول الأكثر استيرادا له فهي سنغافورة (312 دولارا أمريكيا)، وكندا (291 دولارا أمريكيا)، والصين (291 دولارا أمريكيا)، وفيتنام (225 دولارا أمريكيا).

كما أصبحت الرمال سلاحا استراتيجيا.. فعلى سبيل المثال تمكنت سنغافورة من توسيع مساحتها بنسبة 25% منذ حقبة الستينيات من القرن الماضي بفضل وارداتها الضخمة من الرمال، لا سيما من الدول المجاورة، وغالبا ما يأتي هذا "الاستصلاح" على حساب الدول الموردة، بما في ذلك إندونيسيا وماليزيا وتايلاند وكمبوديا.

وقال باسكال بيدوزي "عندما تستورد سنغافورة الرمال من إندونيسيا أو تايلاند أو ماليزيا أو كمبوديا، فإن ذلك يؤثر على النظم البيئية المحلية، بل ويؤدي إلى اختفاء بعض الجزر الصغيرة، كما هو الحال في إندونيسيا، وقد يؤدي هذا إلى توترات دبلوماسية، لأن فقدان الجزر يعني فقدان المياه الإقليمية، وبالتالي المناطق الاقتصادية الخالصة."

وفي مناطق أخرى، مثل بحر الصين الجنوبي، أصبح الرمل سلاحا استراتيجيا للاستيلاء على أراض جديدة من خلال إنشاء جزر اصطناعية، وأكد الباحث أن هذا النهج محل اعتراض المجتمع الدولي.. مشيرا إلى أن غياب التنظيم الدولي يسهم في تنامي الاتجار غير المشروع، لا سيما في الرأس الأخضر، حيث تحول العديد من الشواطئ إلى محاجر.. ونظرا لظروف العيش المتردية، لا تجد العديد من النساء هناك خيارا سوى جمع الرمال مقابل دخل زهيد، حوالي 25 فرنكا سويسريا شهريا.

وأكد أن هذه الممارسات، التي تفرغ الشواطئ من الرمال، تؤثر على سبل عيش أخرى، مثل صيد الأسماك أو جمع السلطعون .. موضحا أنه بمجرد إزالة الرمال، تختفي السلطعونات، وتصبح الأسماك نادرة، ويجبر القرويون على مغادرة قراهم والتوجه إلى المدن.

ومع ندرة الموارد، تنتقل مواقع استخراج الرمال إلى بيئات هشة بشكل متزايد، فإن قاع البحر، ومجاري الأنهار، والسواحل هي المطمع الحقيقي لأن الرمال ليست كلها متساوية فعلي سبيل المثال رمال الصحراء، التي تشكلها الرياح، ناعمة جدا ولا تصلح للبناء.

وحذر الباحث من أن التنوع البيولوجي هو أول من يتأثر، وكذلك قدرتنا على التكيف مع تغير المناخ، فالرمال هي خط دفاعنا الأول ضد العواصف والفيضانات.. فهي تنقي المياه وتحمي المياه الجوفية الساحلية من تسرب المياه المالحة.

وفي فيتنام، يسرع استنزاف الاحتياطيات من تآكل ضفاف الأنهار في دلتا نهر الميكونج، مما يهدد بتشريد مئات الآلاف من الناس بسبب الانهيارات ، إلى جانب استخراج الرمال، الذي يغير حتى مورفولوجيا الأنهار، وتحتفظ السدود الكهرومائية بالرواسب، مما يبطئ تدفقها الطبيعي ويهدد تجدد هذا المورد.

وفي هذا الشأن قال نجوين هو ثين، المتخصص في دلتا ميكونج، : "سواء شاءت فيتنام أم أبت، لن يبقى هناك رمال خلال 10 سنوات.. إن هذه هي آخر حبات الرمل التي نستخرجها".

وفي مواجهة صعوبات في التوريد، توقفت بعض مشاريع البناء، كما هو الحال في مانيلا بالفلبين، حيث تم تعليق عمليات توسيع مهبط طائرات بسبب نقص الرمال، وفي هذا الصدد قال باسكال بيدوزي : "نرى أننا نتجه نحو نقص في الرمال.. إن الدول الجزرية الصغيرة، مثل جزر المالديف، هي أول المتضررين نظرا لقلة مواردها".

وفي أوروبا أيضا، تعاني الدول التي لا توجد بها جبال، مثل بلجيكا والدنمارك وهولندا، من نقص في الموارد، فأوضح البروفيسور قائلا: "تشير التقديرات إلى أن هناك ما يكفي من الرمال ل 80 عاما في بلجيكا، وأقل من ذلك بقليل في هولندا".

وفي مواجهة ندرته المتزايدة، ركزت بعض الشركات على تصنيع الرمل الصناعي، المنتج من الصخور المكسورة أو مخلفات التعدين، وينطبق هذا تحديدا على الصين، التي تشهد طفرة عقارية، حيث يلبي هذا البديل، وفقا للتقارير، 80% من احتياجات الرمل.

وللحد من هذا الاستغلال المفرط، أوصى باسكال بيدوزي بالتركيز على إعادة التدوير، وإطالة عمر المباني من خلال التجديد بدلا من الهدم، واستخدام مواد بديلة قائلا : "إن الخرسانة ليست الحل الأمثل، لا سيما وأن إنتاج الأسمنت يسهم في نحو 8% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.. ويمكننا أيضا البناء باستخدام القش أو الخشب" .. مشيرا إلى أنه في سويسرا أيضا، تدرس الشركات استعادة المعادن الثقيلة والرماد الناتج عن حرق النفايات لإنتاج بدائل للرمل.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة