الأربعاء 26 يونيو 2024

عودة الريادة

31-12-2017 | 14:17

بقلم - أكرم السعدنى



أول من أطلق لقب «أم المعارك» كان الرئيس العراقى الراحل صدام حسين عليه رحمة الله، واليوم أتذكر هذا اللقب وأدعو الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الاهتمام بمنظومة الإعلام التى تركها خالد الذكر -خالد العرب -جمال عبدالناصر، كان عبدالناصر رحمه الله ورضوانه عليه، قد افتتح التليفزيون المصرى وأطلق عليه اسم التليفزيون العربى، وقبل ذلك كانت هناك قناة فريدة من نوعها وفى محتواها اسمها صوت العرب، تولى أمرها السيد محمد عروق رحمه الله، هذا المبنى الشهير بماسبيرو وتلك المحطة الإذاعية كان لهما تأثير أبلغ من السحر على كل من يتحدث العربية من أول المغرب حتى الصومال، استطاع جمال عبدالناصر أن يجعل لسان العرب الفصيح هى اللهجة الأمتع والأوقع لهجة التخاطب بين كل العرب.




كانت مصر بقوتها الناعمة هى التى شكلت الهوية العربية وصبغتها بالصفة المصرية، فكان الأدب بنجومه وعباقرته طه حسين، والعقاد، ويوسف إدريس، والسباعى، ونعمان عاشور، والفريد فرج، ويحيى حقى، هم الكتاب والأدباء الذين تحول إبداعهم إلى أعمال فنية أو تم ترويج أفكارهم عبر برامج ثقافية شديدة الثراء، وكان الفنان المصرى هو نجم العرب المفضل من أول عبدالوهاب وأم كلثوم ونجاة وشادية وعبدالحليم، بل إن الأشقاء العرب أصحاب المواهب الثقيلة كان عليهم أن يتخذوا من لهجة مصر اللهجة الأم، لكى ينطلقوا من القاهرة إلى عواصم بلادهم الأصلية مثل فريد الأطرش، وصباح، وأسمهان، ووردةالجزائرية، وفايزة أحمد، ولا يخفى على أحد أن إذاعة صوت العرب كانت هى مقصد كل أبناء أمة العرب من خلالها يستمعون إلى صوت جمال عبدالناصر، الرجل الذى بعث الحياة فى القومية العربية، ومن خلال صوت العرب أيضا كانت هذه الأمة تلتقى حول الراديو لتعرف أخبار مصر.. ومعارك مصر وصوت مصر ورأى مصر .. بل إن هناك عروشا فى عالمنا العربى اهتزت أركانها، بفضل خطابات وبرامج وتحليلات كانت تنتشر عبر الأثير من خلال صوت العرب فى القاهرة، لتصل إلى كل مكان فى عالمنا العربى الذى كان سعيدا.. واليوم عندما أنظر حولى كما حسنين ومحمدين أجد عددا لا حصر له من المحطات الفضائية لا نجد ما تسد به ساعات الإرسال سوى الإثارة والشتيمة والسباب، وهى أمور لا تتفق مع طبيعة بلد كانت هى مصدر البهجة والمتعة الفكرية والعقلية للأمة بأسرها، من يراقب هذا الكم من الفضائيات على السابحة فى فضاء مصر، سيجد بعضها ينشر أوسخ ما لدينا من قاذورات.. ألفاظ لا يمكن سماعها إلا من خلال الدرجة الثالثة فى مباريات الكورة فيديو كليب تثير لا أقول الغرائز ولكن الاشمئزاز والقرف.. شتامين وسبابين فى كل مكان.. أفلام بصبغة الدماء تنشر ثقافة المطواة القرن غزال والسيف والمخرطة ومسلسلات لا هدف من ورائها سوى حشو ساعات الإرسال بما هو تافه وفارغ من الأفكار، مثل هكذا حال لا يستقيم مع الرسالة الإعلامية التى ورثناها فى عصر ناصر.. حيث كان الفيلم المصرى هو أعظم سفير لهذا الوطن من حيث السياحة فقد نقل الفيلم الأبيض والأسود صورة لمصر ظلت راسخة فى وجدان العرب، وكان الفيلم المصرى أعظم دعاية للطب وللمستشفيات المصرية، فصنع للسياحة الطبية ما لم تستطِع قوافل السياحة هذه الأيام أن تصنعه، لقد اتحد العرب حول مصر وفيها تعلموا الغناء والشعر والأدب والموسيقى؛ولكنهم انقسموا فقط حول الأهلى والزمالك، فأصبح بعض العرب زملكاوية، وأصبح أغلب العرب أهلاوية.. مثل هكذا إعلام نحن اليوم فى أشد الحاجة إليه؛ ذلك لأن ما لدينا من إعلام ساهم فى إفساد المصريين وفى انقسامهم وفى بث الفرقة بينهم.. لذلك فإن أم المعارك فى نظرى هى الإعلام.. نحن فى حاجة إلى أصحاب رؤية وليس إلى موظفين.. يأخذون ما لدينا من إمكانيات جبارة، لكى يعيدوا لماسبيرو وللإذاعة المصرية عصرها الذهبى.



أما هذه المحطات السابحة فى الفضاء علينا أن نغلقها وننساها ونعود إلى الأصل؛ لأن المثل يقول: من فات قديمه تاه.. وعلى الاصل دور، سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى لا يزال بيننا مايسترو إعلام عبدالناصر، ولكنه مع الأسف يعمل فى مجال حقوق الإنسان.. ومن أبسط حقوق الإنسان فى مصر أن تعود إلى مصر ريادتها ودورها التاريخى فى التنوير، محمد فائق لا يزال موجودا بيننا.. يا ريت نعود إليه من أجل استعادة أمجاد لا يزال فى الإمكان الرجوع إليها.. مش كدة ولا إيه!!