كشفت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة "إسناد الطقس في العالم" (WWA) أن الظروف الجوية القاسية التي تسببت في اندلاع حرائق الغابات في كل من تركيا واليونان وقبرص خلال الأشهر الماضية أصبحت أكثر حدة بنسبة 22% بفعل تغير المناخ.
وذكرت شبكة "يورونيوز" الإخبارية، في نشرتها الفرنسية اليوم الخميس، أن التحليل السريع للدراسة أشار إلى أن الحرارة المرتفعة، والجفاف، والرياح العاصفة التي ساهمت في انتشار تلك الحرائق باتت أكثر تطرفًا نتيجة ارتفاع درجات حرارة الأرض، محذرًا من أن هذه الظواهر مرشحة للتكرار بوتيرة أعلى.
وتأتي هذه النتائج في وقت تشير فيه البيانات إلى أن عام 2025 هو الأسوأ على الإطلاق لحرائق الغابات في أوروبا، إذ احترق حتى الآن أكثر من مليون هكتار، وهي مساحة تفوق حجم جزيرة قبرص، حسب بيانات النظام الأوروبي لمعلومات حرائق الغابات (EFFIS).
وقال الباحث "ثيودور كيبينغ" من مركز السياسة البيئية في "إمبريال كوليدج لندن"، إن حرائق الغابات أصبحت أكثر تطرفًا، موضحًا أن فرق الإطفاء تعمل الآن عند حدود قدراتها القصوى، مع تنامي خطر اندلاع حرائق أشد حدة في المستقبل القريب إذا لم تتخل الدول عن استخدام الوقود الأحفوري.
ووفقًا للدراسة، فقد شهدت منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، خلال شهري يونيو ويوليو، مئات من حرائق الغابات. وكانت تركيا الأكثر تضررًا، حيث أسفرت الحرائق عن مصرع 17 شخصًا، من بينهم رجال إطفاء حوصروا بسبب تغيير مفاجئ في اتجاه الرياح. كما توفي شخصان في قبرص وشخص واحد في اليونان، في حين تم إجلاء أكثر من 80 ألف شخص من الدول الثلاث.
وأشار الباحثون إلى أن تغير المناخ مهّد الطريق لتلك الكوارث من خلال التأثير على الظروف الجوية خلال الأشهر والأسابيع السابقة للحرائق. فقد انخفض هطول الأمطار الشتوية في المنطقة بنسبة 14% مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، فيما زادت حدة "ظروف التبخر الشديد"، التي تجفف النباتات وتجعلها أكثر عرضة للاشتعال، بنسبة 18%، وأصبحت أكثر احتمالًا بـ13 مرة.
الدراسة كشفت أيضًا أن مثل هذه الظروف، التي كانت نادرة في الماضي وتحدث كل مئة عام، أصبحت الآن تتكرر كل عشرين عامًا تقريبًا، فيما زاد احتمال حدوثها العام بنحو 10 أضعاف، واشتدت شدتها بنسبة 22% نتيجة لتغير المناخ.
وتناول الباحثون أيضًا تأثير الرياح الشمالية القوية، وارتفاع شدة أنظمة الضغط الجوي المرتفع، مثل تلك التي تسببت في الحرائق الأخيرة، مشيرين إلى أن موارد مكافحة الحرائق أصبحت على حافة الانهيار. فقد تم تفعيل آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي 17 مرة هذا الصيف فقط، لدعم جهود الإطفاء في عدة دول بينها اليونان وإسبانيا وبلغاريا والجبل الأسود وألبانيا.
وقال الدكتور بيكيم أكبر زاده، من معهد أوراسيا بجامعة إسطنبول التقنية، إن العالم يتجه نحو نمط جديد، حيث تصبح الحرائق الكبرى الأكثر شدة والأكثر فتكًا هي القاعدة وليس الاستثناء، خاصة في ظل تداخل المناطق الحضرية مع البيئات الطبيعية.
وأكدت المستشارة الفنية بمركز المناخ التابع للصليب الأحمر والهلال الأحمر، "مايا فالبيرغ"، أن الاعتماد على طائرات الإطفاء والمساعدات الدولية لا يكفي وحده، بل يجب إعطاء الأولوية للوقاية وإدارة الوقود النباتي، لتمكين المجتمعات المحلية من الاستعداد والتأقلم.
وبحسب التقرير، فإن استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 2.6 درجة مئوية، وفق المسار الحالي لسياسات المناخ العالمية، سيجعل فترات الحر الشديد والجفاف والرياح أكثر احتمالًا بتسعة أضعاف، وأشد بمقدار 25 مرة.
وقد سُجلت إسبانيا والبرتغال باعتبارهما الدولتين الأكثر تضررًا هذا العام، حيث شكلتا معًا نحو ثلثي المساحات المحترقة في الاتحاد الأوروبي، لا سيما خلال موجة الحر الشديدة في الفترة من 5 إلى 19 أغسطس.