الخميس 28 اغسطس 2025

ثقافة

"مسرح السويس.. من الجذور إلى الآفاق" ندوة في معرض السويس الثالث للكتاب

  • 28-8-2025 | 15:34

جانب من الفعاليات

طباعة
  • ياسر علي

في أجواء احتفالية تحتفي بالكلمة والإبداع، وضمن فعاليات معرض السويس الثالث للكتاب، الذي تنظمه الهيئة المصرية العامة للكتاب تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، انعقدت ندوة ثقافية كبرى بعنوان: "مسرح السويس.. جذور وآفاق"، أدار الندوة المخرج خالد حسن، وشارك فيها المخرجون:  عبد الفتاح قدورة، محمود طلعت، مجدي إبراهيم، وأحمد رضوان، في حضور جمهور متنوع من المثقفين والمهتمين بالمسرح وأبناء المدينة.

استهل المخرج عبد الفتاح قدورة الندوة باستعراض جذور الحركة المسرحية في المدينة، مشيرًا إلى أن الانطلاقة الحقيقية جاءت مع افتتاح قصر ثقافة السويس عام 1964، حين كانت التجارب الأولى مجرد أنشطة مدرسية بسيطة. ومع نكسة 1967 وما تبعها من تهجير سكان السويس إلى محافظات أخرى، تكوّنت فرقة مسرحية في القاهرة وقدمت عملها الشهير "السويس حبيبتي".

لكن المحطة الأبرز – كما يوضح قدورة – كانت في نهاية عام 1975، حين قُدمت مسرحية "الزنزانة" من تأليف القاضي السيد الشوربجي وإخراج عبد الحليم السيد، بمشاركة نخبة من فناني السويس، منهم: سيد الخولي، إبراهيم علي حسن، سمير أمين، ومنى معاطي، ومنذ تلك اللحظة بدأت حركة مسرحية متدفقة، تعاقبت عليها أعمال مهمة مثل "البوفيه" تأليف علي سالم وإخراج عبد الفتاح قدورة، و"هبط الملاك في بابل" تأليف فريدريش دورنمات وإخراج إبراهيم علي حسن، لتتوالى بعدها العروض حتى أصبح للمسرح في السويس فرقة قومية، وأخرى تابعة لقصر الثقافة، إلى جانب فرق بيوت الثقافة.

ورغم أن مسرح قصر ثقافة السويس مغلق للتجديد منذ أكثر من عامين، إلا أن الفرق لم تتوقف عن إنتاج العروض، لتثبت أن المسرح في المدينة عصيّ على الغياب، وأن جذوره ممتدة في وعي الناس وذاكرتهم.

أما المخرج محمود طلعت فقد قدّم شهادة شخصية عن تجربته مع فرقة قصر ثقافة السويس منذ انضمامه إليها عام 1980، حيث استقبله الكبار من رواد الحركة المسرحية: إبراهيم علي حسن، عبد الفتاح قدورة، وسيد الخولي. وروى طلعت كيف شارك في عروض مهمة مثل "ليالي الحصاد" للراحل محمود دياب، "الذهب" إخراج سيد الخولي، و"دون كيشوت" إخراج إبراهيم علي حسن، و"الناس اللي في السماء الثامنة" تأليف علي سالم وإخراج قدورة.

وأكد أن هذه التجارب لم تكن مجرد أعمال مسرحية، بل كانت مدرسة متكاملة تعلم فيها هو وجيله أسس التمثيل والإخراج، واطلعوا على أهم المراجع مثل كتاب "إعداد الممثل" لـ"ستانسلافسكي"، وتعرفوا على مصطلحات المسرح وأسراره. كما توقف عند تجربة "استوديو الممثل" عام 1989 الذي أسسه الأستاذ إبراهيم علي حسن، معتبرًا إياها محطة فارقة صقلت جيلاً كاملاً من الفنانين، وكان لها تأثير مباشر على تجربته الشخصية، حيث قدّم أول عمل مسرحي من إخراجه عام 1990، ثم أخرج أكثر من 15 مسرحية لاحقًا.

ولم ينسَ طلعت أن يوجّه رسالة استغاثة إلى وزير الثقافة ورئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة بسرعة الانتهاء من تجديدات قصر ثقافة السويس، مؤكدًا أن المدينة تعاني غياب مسرحها الرئيسي منذ ثلاث سنوات، رغم أن الأجيال الشابة في حاجة ماسّة إلى خشبة مسرح تحتضن إبداعاتهم.

من جانبه، تحدث المخرج أحمد رضوان عن تجربته في نوادي المسرح بالسويس، مشيرًا إلى أن عرض "كرنفال الأشباح" شكّل لحظة فارقة حين أعاد المدينة للمشاركة في المهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية بعد غياب استمر عشر سنوات. وأوضح أن العرض – المقتبس عن نص للكاتب المسرحي الفرنسي موريس دو كوبرا – كان تجربة مختلفة من حيث الطرح التفاعلي مع الجمهور، إذ بدأت الأحداث من أمام المشاهدين مباشرة في محاولة لخلق مسرح حيّ لا يفصل بين المتلقي والعرض.

وأكد رضوان أنه تعلم الكثير من جيل المخرجين الذين عملوا في صمت على مدار أكثر من عقدين، مثل أحمد غريب، محمد بكر، كامل عبد العزيز، ومحمود عثمان، معتبرًا أن استمرار المسرح في السويس حتى اليوم يعود بالفضل لجهود هؤلاء الرواد الذين آمنوا برسالته.

أما المخرج مجدي إبراهيم فقد حمل الحضور من الماضي إلى المستقبل، متحدثًا عن الآفاق المنتظرة لمسرح السويس. ورأى أن أهم هذه الآفاق يتمثل في:

1. تجديد العلاقة مع الجمهور، وعدم الاكتفاء بالعروض داخل القاعات، بل النزول إلى الميادين والفضاءات العامة.


2. فتح المجال أمام المواهب الشابة في الكتابة والإخراج والتمثيل، لتجديد دماء الحركة المسرحية.


3. إنشاء مدرسة للمسرح داخل قصر ثقافة السويس لصقل المواهب.


4. ربط المسرح المحلي بالحركة المسرحية في مصر والعالم، مع الحفاظ على الهوية السويسية وحكاياتها الخاصة.


5. البحث عن دعم مستدام للأنشطة المسرحية، عبر التواصل مع وزارة الثقافة، والهيئة العامة لقصور الثقافة، وصندوق التنمية الثقافية، إلى جانب الجهات المحلية ورجال الأعمال والجمعيات الأهلية، باعتبار المسرح مشروعًا للتنمية الثقافية والمجتمعية.

ودعا إبراهيم إلى إعداد ملف تعريفي متكامل يتضمن تاريخ المسرح السويسي وإنجازاته وخططه المستقبلية، ليُطرح أمام الجهات الداعمة باعتباره قضية ثقافية تستحق الرعاية. كما وجّه دعوة مفتوحة لكل المثقفين والفنانين – من شعراء وأدباء وموسيقيين وتشكيليين ومصممين – للانخراط في أعمال المسرح المقبلة بوصفهم شركاء في رحلة الإبداع.

اختُتمت الندوة وسط تفاعل الحضور وتصفيقهم، وقد حملت كلمات المشاركين رسالة واضحة مفادها أن مسرح السويس ليس مجرد خشبة تُضاء بالعروض، بل هو ذاكرة مدينة قاومت الهزيمة وصنعت من الفن وسيلة للبقاء والأمل. وبين الحديث عن الجذور واستشراف المستقبل، بدا واضحًا أن المسرح في السويس سيظل حاضرًا مهما تأخرت التجديدات، لأن ما يملكه من تاريخ وروح وإصرار كفيل بأن يضمن له البقاء والازدهار.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة