الثلاثاء 2 سبتمبر 2025

مقالات

1596 هلالاً في سماء الصحافة هل الهلال

  • 1-9-2025 | 12:29
طباعة

بصدور هذا الشهر الموجود بين أيدي قراء مجلة الهلال يكون قد مر 133 عامًا بالتمام والكمال على إصدار العدد الأول (سبتمبر 1892)، تلك المجلة التي أسسها جورجي زيدان وقام بتحريرها وساعده ابنه إميل، حيث عدَّد أسباب تسميتها بـ”الهلال” في ثلاثة أسباب: 

أولها التبرك بالهلال العثماني، وثانيها أنها تظهر أول كل شهر كالهلال - بالرغم من صدورها بداية كل شهر ميلادي وليس هجري - وثالث تلك الأسباب هو التفاؤل بنموها مع الزمن حتى تكتمل بدرًا.

وقد أصدر بيانًا عن المجلة وأهدافها وأبوابها الخمسة وهي: باب "أشهر الحوادث وأعظم الرجال"، وباب "المقالات"، وباب "الروايات"، وباب "تاريخ الشهر"، وباب "منتخبات من الأخبار والتقريظ والانتقاد وغير ذلك". والمطالع للعدد الأول – المتاح على شبكة الإنترنت – يستطيع أن يدرك بسهولة كيف جمعت المجلة بين سرد بعض الأحداث التاريخية واستعراض أحدث الروايات وعرض أهم الأخبار التي جرت في الشهر السابق.

ففي باب "أشهر الحوادث وأعظم الرجال" يتحدث عن السلطان العثماني، ومؤسس الدولة، وقائدين من قادة الرومان هما يوليوس قيصر وبومبيوس. وفي باب "المقالات" نجد مقالًا عن الجرائد العربية في العالم، ويختتم هذا الفصل بمعلومة عن "الزقازيق" التي بُنيت في عهد محمد علي ويعود اسمها إلى نوع من السمك يُسمى "زقازيق" ومفرده "زقزوق" ينتشر في عدد من المستنقعات بالمنطقة.

أما باب "تاريخ الشهر" فقد قسمه إلى حوادث مصرية وحوادث عالمية؛ حيث نجده في قسم الحوادث المصرية يتحدث عن "مجلس الملة القبطية" وعن سليم بك تقلا مؤسس جريدة الأهرام، ويختتم هذا القسم بالإشارة إلى أنه ليس في الأخبار الرسمية ما يهم ذكره "فالاحوال هادئة" على حد تعبيره، حيث يختتم هذا القسم بالدعاء للخديوي المعظم وجلالة السلطان الأعظم قبل أن ينتقل إلى قسم الحوادث الأجنبية، حيث يتحدث عن الخلاف الذي حدث بين السفير الإنجليزي وسلطان مراكش حول بعض بنود إحدى الاتفاقيات التجارية، ثم ينتقل إلى خبر عن صراع عسكري بين روسيا ومقاطعة بامير شمال أفغانستان، وخبر آخر عن تأليف وزارة جديدة في إنجلترا، وعقد مؤتمر اللغات الشرقية والمؤتمر الجغرافي الدولي، وخبر آخر بعنوان "وقانا الله" يتحدث عن انتشار وباء الكوليرا في عدد من البلدان.

أما باب "المنتخبات" فيشمل العديد من المواد المنشورة في الجرائد الوطنية مع ذكر اسم الجريدة في نهاية الفقرة، وذلك "إقرارًا لفضل كل كاتب بما كتب" على حد تعبيره، وهو الأسلوب الذي اتبعته مجلة "ريدرز دايجست" الأمريكية Reader's Digest التي صدرت عام 1922 أي بعد ثلاثين عامًا من هذا التاريخ، ولذلك فإنه يمكن وبحق اعتبار "مجلة الهلال" هي المجلة الثقافية الشهرية الأولى في مصر والوطن العربي.

أما ما يميز "مجلة الهلال" فهو التطور المستمر والمجهود الكبير والانتقاء الدقيق لما يُكتب ومن يكتبه. وقبل العودة إلى استعراض بعض من أعداد المجلة تجدر الإشارة إلى أن الهلال بدأت كمجلة ثم تحولت إلى مؤسسة صحفية كبيرة، ففي عام 1924 أصدر إميل زيدان مجلة "المصور" سياسية أسبوعية مصورة، ثم أصدر في العام التالي مجلتي "كل شيء" و"الدنيا" الأسبوعية الأدبية الاجتماعية المنوعة، ثم أصدر "الفكاهة" في عام 1926 و"الدنيا المصورة" في عام 1929 و"الأبطال" في عام 1932.

وفي عام 1934 صدرت مجلة "الإثنين"، وفي عام 1949 صدر العدد الأول من سلسلة "روايات الهلال" الشهرية. وفي العام ذاته صدرت مجلة "الكواكب" الفنية الأسبوعية التي تعنى بشؤون السينما والمسرح والغناء والفنون بصفة عامة، وفي عام 1951 بدأ نشر كتاب الهلال شهريًا، ما أفسح المجال للعديد من الكتاب المصريين والعرب لنشر إبداعهم فيه، وما تزال إصدارات تلك السلسلة تلقى رواجًا كبيرًا في معارض الكتاب في مصر وخارجها.

وفي عام 1953 صدرت مجلة "حواء" النسائية الأسبوعية، ثم صدرت مجلة "سمير" للأطفال في عام 1956، ثم مجلة "ميكي" عام 1959، ثم مجلة "طبيبك الخاص" عام 1969، وهي إصدارات شكلت وما تزال وجدان الأطفال والنشء والشباب والكبار في كافة المجالات، وهو أمر لا يحتاج إلى إثبات أو تأكيد.
الهلال بدرًا

التطور في المحتوى المنشور بمجلة الهلال يفوق أي تصور ولا يمكن سرده أو حصره في مقال صغير، فهو يحتاج إلى جهد كبير ومساحات أرحب، وربما حاول بعض الباحثين القيام بذلك في عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه التي تناولت هذا الأمر أو تناولت قضية واحدة من القضايا التي تناولتها المجلة، مثل الاتجاهات الأدبية والثقافية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو حقوق المرأة وغيرها الكثير.

وخلال تلك الفترة نجد كتابات شبه شهرية لعمالقة العصر من أمثال عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وعباس محمود العقاد، وأحمد أمين، وإبراهيم ناجي، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وغيرهم الكثير. ويمكن لمن يريد الاطلاع الدخول إلى بوابة تراث مصر الرقمي التي نفذتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وذلك للتسجيل والاطلاع على العنوان: https://torath.gov.eg/.

والحقيقة أن خطوة الرقمنة تفتح المجال إلى خطوات تالية يمكن فيها استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لاستغلال هذا الكم الكبير من الأعداد من أجل المزيد من التحليلات المتقدمة، وربما أيضًا إنشاء روبوت دردشة ذكي Smart Chatbot يستطيع البحث في هذا المحتوى الكبير والخروج بخلاصات أو بمحتوى جديد. فلا نجد في مصر أو المنطقة العربية مجلة بهذه العراقة الضاربة في أعماق التاريخ المعاصر مثلما نجد في مجلة الهلال. فمن المحتوى الموجود نستطيع – كما يحاول بعض الباحثين في رسائل الماجستير والدكتوراه – رصد تطور الأحداث والظواهر، وكذلك تطور أسلوب الكتابة الأدبية والصحفية، وهو ما يمكن أن يشكل مرجعًا معتبرًا للمؤرخين وللمهتمين بالحركة الثقافية والأدبية والسياسية أيضًا.

ومن التطورات الهامة التي يلحظها القارئ مؤخرًا إصدار الأعداد التذكارية، التي يكون لكل عدد منها موضوع واحد يتناوله الكتاب من مختلف الزوايا، أو على الأقل وجود موضوع للعدد بخلاف الأبواب الثابتة. ولا يمكن أيضًا أن نغفل استجابة المجلة لعصر المعلومات من خلال إتاحة الإصدارات بصورة رقمية، ما يشكل مخرجًا مناسبًا لتحديات الإصدارات الورقية ويزيد من مساحات الاستفادة والتوزيع والانتشار، وهو ما يعطينا تصورًا عن "هلال المستقبل" الذي لا يمكن أن يكون قد خطر ببال جورجي زيدان وقت الإنشاء قبل مئة وثلاثة وثلاثين عامًا من اليوم.

وختامًا، فإن الرقم 1596 في أول المقال يشير إلى عدد الأعداد أو الأشهر أو الأهلة منذ الهلال الأول في سبتمبر 1892 وحتى الآن، وهو قد لا يكون دقيقًا، ولكن لم أجد أي مصادر تشير إلى توقف المجلة في أي فترة من فتراتها. وبغض النظر عن مدى دقة هذا البحث، فإنه يكفينا فخرًا أن نتائج البحث عن أقدم مجلة في مصر والعالم العربي ما زالت تصدر حتى الآن لا نجد إلا "مجلة الهلال"، فلها ولكل القائمين عليها منذ العدد الأول وحتى هذا العدد كل التقدير والاحترام والامتنان والشكر.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة