الأحد 7 سبتمبر 2025

تحقيقات

غزة.. بين التهجير والقضاء على حلم الدولة

  • 6-9-2025 | 13:45

قطاع غزة

طباعة
  • محمود غانم

صعّد جيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ أمس الجمعة، هجماته على مدينة غزة شمال القطاع، معلنًا عزمه استهداف ما تبقى من مبانٍ، خاصة متعددة الطوابق، خلال الأيام المقبلة، تمهيدًا لتوسيع عمليته العسكرية الرامية إلى السيطرة على المنطقة، تنفيذًا لأوامر حكومية صادرة الشهر الماضي.

ويأتي هذا التصعيد في ظل تجاهل كامل للأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها الفلسطينيون تحت وطأة الحرب المستمرة منذ نحو عامين، فضلًا عن تجاهل مصير الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى فصائل المقاومة.

ويتزامن ذلك مع تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، التي ألمح فيها إلى إمكانية تهجير سكان القطاع عبر معبر رفح، إلا أن مصر ستغلقه فورًا.

وقد ردت القاهرة بالتأكيد على أن مصر لن تكون شريكًا في أي مخطط يستهدف تصفية القضية الفلسطينية أو تحويلها إلى بوابة للتهجير، معتبرة أن هذا الأمر يمثل خطًا أحمر ثابتًا.

ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر 2023، تبنّت مصر موقفًا رافضًا لمساعي التهجير، مؤكدة وقوفها سدًا منيعًا أمام هذه المخططات، وهو موقف حظي بدعم عربي ودولي واسع.

القضاء على حلم قيام الدولة الفلسطينية

وفي غضون ذلك، قال الدكتور هاني الجمل، الخبير في الشؤون الدولية، إن ما تقوم به إسرائيل في الوقت الراهن يمثل مخططًا لليمين المتطرف للقفز على الاتفاقيات الدولية المبرمة، فضلًا عن الانسجام مع الموقف الأمريكي، الذي يتباطأ في إعادة مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف للتوافق على المقترح الذي قدمه.

وأوضح الجمل، في تصريح لـ"دار الهلال"، أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة تأتي بناءً على توجيهات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وبدعم كبير من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن جفير، بهدف القضاء على حلم قيام الدولة الفلسطينية، وإحراج الدول التي أعلنت رغبتها في الاعتراف بدولة فلسطين خلال اجتماعات الأمم المتحدة المقبلة.

وأضاف أن هذا الأمر يشكل أزمة نوعية لدول الجوار، خاصة بعد تصريحات نتنياهو التي تحدث فيها عن تهجير الفلسطينيين عبر البوابات المصرية، وهو ما يحرج النظام المصري، ويعكس النية الإسرائيلية – الأمريكية لإفراغ قطاع غزة وتحويله إلى ما وصفه الرئيس الأمريكي بـ"بريفيرا الشرق الأوسط".

ورأى الجمل أن ذلك قد يتبعه تصعيد العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ثم امتدادها إلى جنوب لبنان لتثبيت الوجود الإسرائيلي هناك.

وأكد خبير الشؤون الدولية أن هذه التصريحات تتناقض مع الموقف الفرنسي، الذي تعهد لدى الجانب الإسرائيلي بالعمل على إحداث تغيير أيديولوجي لدى الفلسطينيين من خلال تعديل المناهج التعليمية، بما يفرز أجيالًا تؤمن بالتعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين على حدود 1967، مشيرًا إلى أن التصعيد الحالي يخالف هذا المسار، الذي سعت أوروبا إلى ترسيخه في إطار هندسة مشهد جديد للعلاقات التي تؤثر على مصالحها في المنطقة.

وفي السياق ذاته، أوضح الجمل أن العمليات الإسرائيلية تستند، بما لا يدع مجالًا للشك، إلى "بروتوكول هنيبال"، الذي يقوم على التضحية بالأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية من أجل تحقيق التمدد للدولة اليهودية، ليس فقط من النيل إلى الفرات، بل كما قال بن جفير عبر "ممر داود"، لإقامة دولة إسرائيلية قائمة على الإثنية والعرقية والدينية، ضمن ما يسمونه بـ"إسرائيل الكبرى"، حيث يسعى اليمين المتطرف لفرض مشروع ديني على حساب الدولة العلمانية.

وأشار إلى أن ذلك قد يدفع المنطقة إلى الدخول في حالة فوضى عارمة، تُمهِّد لما يسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد".

وبشأن الرد المصري على تصريحات نتنياهو حول تهجير الفلسطينيين، شدد الجمل على أن القاهرة أبدت موقفًا حاسمًا، مؤكدة أنها لن تشارك بأي شكل من الأشكال في عملية التهجير.

وقال إن البيان المصري أكد كذلك أن مصر لن تكون أداة لمساعدة إسرائيل في تفريغ القطاع من سكانه، مشددًا على أن القاهرة كانت الدولة الوحيدة التي عرقلت هذه المخططات، سواء بالتهجير الطوعي أو القسري، حفاظًا على حلم الدولة الفلسطينية.

ولفت إلى أن هذا البيان يعكس ثوابت السياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية، التي أكدها الرئيس عبد الفتاح السيسي، موضحًا أن مصر تنتهج دبلوماسية راقية داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني.

وأضاف أن القاهرة حرصت دائمًا على كشف ما يجري في القطاع من إبادة جماعية ممنهجة ضد الفلسطينيين، في انتهاك صارخ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ونظام روما الأساسي.

واختتم الجمل بالتأكيد على أن هذا الموقف جزء أصيل من عقيدة الدولة المصرية في مواجهة المخططات التي تستهدف الشعب الفلسطيني، وتجسيدًا للتوجه المصري الثابت في دعم القضية الفلسطينية بكل ما تملك من قوة.

نية مبيتة للتهجير

ومن جانبه، أكد الدكتور أحمد العناني، خبير العلاقات الدولية، أن هناك نية إسرائيلية مبيتة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، غير أن هذه المخططات تصطدم برفض عربي، خاصة من جانب مصر، التي تعمل على إبقاء القضية الفلسطينية حية.

وأوضح العناني، في تصريح لـ"دار الهلال"، أن إسرائيل تتعامل وفق اعتبارات سياسية داخلية، أبرزها بقاء حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة في السلطة، مشيرًا إلى أن إنهاء الحرب والانسحاب من القطاع سيضع نتنياهو أمام المساءلة الداخلية.

ولفت إلى أن المعارضة الإسرائيلية بقيادة يائير لابيد تتحرك لإزاحة الحكومة.

وأضاف أن الحكومة الإسرائيلية تظهر تعنتًا واضحًا، ما يعكس عدم رغبتها في التراجع عن فكرة التهجير، لاسيما في ظل الدعم الكبير الذي تحظى به من الولايات المتحدة.

وأشار خبير العلاقات الدولية إلى أن الموقف العربي حيال الحرب واضح وصريح، ويتمثل في المطالبة بوقف العدوان، وإدخال المساعدات الإنسانية، ورفض التهجير، والعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر 2023، غير أن إسرائيل تقابل ذلك بمزيد من التعنت.

وفي هذا السياق، أوضح العناني أن الرد المصري على تصريحات نتنياهو بشأن تهجير الفلسطينيين عبر معبر رفح كان حاسمًا، حيث أكد أن التهجير يمس الأمن القومي المصري، وحمّل إسرائيل مسؤولية المجاعة في القطاع.

وشدد على أن بيان وزارة الخارجية المصرية كان واضحًا وجريئًا، إذ اتهم إسرائيل علنًا بالتسبب في المعاناة الإنسانية ومحاولة فرض التهجير، وهو موقف رفضته الدول العربية وأغلب دول العالم، باعتباره مخالفًا للقانون الدولي.

ولفت إلى أن هذا الموقف المصري حظي بتأييد عربي، حيث أصدرت عدة دول، منها السعودية، بيانات دعمت فيه الموقف المصري وأدانت محاولات التهجير.

وختم العناني بتوقع أن يشهد القطاع خلال الأيام المقبلة مزيدًا من التصعيد الإسرائيلي، وربما توغلًا في المناطق الجنوبية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة