تترقب القارة الإفريقية انعكاسات صفقة كبرى أعلنتها شركة "سبيس إكس" الأميركية المملوكة للملياردير ورجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك، للاستحواذ على تراخيص الطيف الترددي اللاسلكي من شركة "إيكوستار" بقيمة 17 مليار دولار في خطوة تهدف إلى توسيع شبكة "ستارلينك" للأقمار الصناعية ودعم خدمات الجيل الخامس. وتكتسب الصفقة أهمية خاصة لإفريقيا، حيث ما يزال أكثر من 700 مليون شخص خارج نطاق الإنترنت الفعال رغم وجود تغطية شبكية في مناطقهم.
وتشمل الاتفاقية استحواذ "سبيس إكس" على تراخيص AWS-4 و H-block، وهي نطاقات ترددية مخصصة للاتصالات الأرضية والفضائية، مقابل 8.5 مليار دولار نقداً ومثلها في صورة أسهم، بالإضافة إلى تحمل ديون على "إيكوستار" تصل إلى ملياري دولار حتى 2027. وبالنسبة لـ"إيكوستار"، تمثل الصفقة شريان حياة في ظل أعباء ديونها البالغة 25 مليار دولار، بينما تمنح "سبيس إكس" فرصة لتوسيع مشروعها الطموح "ستارلينك" الذي يهدف إلى القضاء على "المناطق الميتة" في الاتصالات حول العالم.
ورغم أن الصفقة موجهة بالأساس إلى السوق الأميركية، فإن تداعياتها تمتد إلى إفريقيا، حيث تعمل "ستارلينك" منذ 2023 في أكثر من 20 دولة إفريقية، ولكن التحدي الأكبر كان يتمثل في ارتفاع تكلفة المعدات اللازمة للاشتراك، والتي غالباً ما تتجاوز متوسط الدخل الشهري للأسر في القارة. فتقنية "الاتصال المباشر" التي تطورها شركة "سبيس إكس" قد تحدث فرقاً جوهرياً لأنها تسمح لأي هاتف محمول بالاتصال مباشرة بالأقمار الصناعية من دون الحاجة إلى أجهزة استقبال إضافية.
ووفقاً لتقرير الرابطة العالمية لمشغلي الهواتف المحمولة (GSMA)، بلغ عدد مستخدمي الإنترنت عبر الهواتف المحمولة في إفريقيا جنوب الصحراء نحو 320 مليون مشترك بنهاية عام 2023، بنسبة تغلغل لم تتجاوز 27%، بينما يظل نحو 710 ملايين شخص، أي ما يعادل 60% من السكان، غير متصلين بالإنترنت رغم وجود تغطية شبكية فى مناطقهم. ويقدر البنك الدولي أن كل زيادة بنسبة 10% في انتشار الإنترنت عبر الهاتف المحمول قد تؤدي إلى رفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2.5%.
ويرى محللون أن هذه التقنية يمكن أن تعزز فرص التعليم الإلكتروني، والخدمات الصحية عن بعد، والتجارة الإلكترونية، خاصة في المناطق الريفية والنائية التي تعجز شركات الاتصالات التقليدية عن الوصول إليها بتكلفة اقتصادية.
ومع ذلك، تبقى عدة تحديات قائمة أمام هذه الخطوة، وفي مقدمتها غياب تفاصيل دقيقة حول التكلفة النهائية للخدمة بالنسبة للمستخدم، إضافة إلى العقبات التنظيمية التي تتطلب موافقة كل دولة على استخدام الترددات الفضائية للاتصالات. كما تواجه "سبيس إكس" منافسة متنامية من مشغلين دوليين، مثل شركة "يوتلسات-وان ويب" الفرنسية – البريطانية، و"لينك جلوبال" الأميركية، و"AST سبيس موبايل" الأميركية، فضلاً عن محاولات بعض المشغلين الوطنيين، وفي مقدمتهم "نيجكومسات" النيجيري، لترسيخ موقعهم في سوق الاتصالات الفضائية.
وفي هذا السياق، قال د. موسى ندونغ، خبير الاتصالات في الاتحاد الإفريقي، إن الصفقة "تمثل فرصة تاريخية لإفريقيا للانتقال إلى جيل جديد من خدمات الاتصالات، شريطة أن تراعي الحكومات وضع أطر تنظيمية واضحة تضمن استفادة جميع الفئات الاجتماعية، وليس فقط سكان المدن الكبرى".
وأضاف أن "إتاحة الإنترنت بتكلفة منخفضة في القرى والمناطق النائية يمكن أن يحدث نقلة نوعية في التعليم والصحة وريادة الأعمال الرقمية، بما يعزز التكامل الاقتصادي داخل القارة".
وفي حال نجاح "سبيس إكس" في تجاوز هذه العقبات وتطبيق تقنية "الاتصال المباشر" على نطاق واسع، يمكن أن يشهد سوق الاتصالات الإفريقي طفرة غير مسبوقة، وقد تمكن القارة من سد فجوة الاتصال الرقمي التي تعوق التنمية المستدامة.
ويرى الخبراء أن إفريقيا، التي تُعد الأسرع نمواً في عدد السكان عالمياً، قد تصبح أكبر المستفيدين من هذه الثورة التكنولوجية، بما يفتح الباب أمام تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة.