السبت 20 سبتمبر 2025

كيف صنعت مقاعد الدراسة أولى خطوات الحلم الإعلامى

كيف صنعت مقاعد الدراسة أولى خطوات الحلم الإعلامى

20-9-2025 | 11:51

هبة رجاء
المدرسة ليست مجرد مكان للتعلم، بل هى ذاكرة ممتدة تحمل بين أروقتها ضحكات الطفولة، وشقاوة الفسحة، ورهبة الامتحان، وحماس الإذاعة الصباحية، تظل سنوات الدراسة محفورة فى وجداننا، نستعيدها كلما داعبنا الحنين إلى زمن البراءة والبساطة، زمن الشنطة الثقيلة والكراريس المجلَّدة، والأحلام التى بدأت من مقاعد الفصول لتصنع مستقبلاً حافلاً بالإنجاز. فى هذا التحقيق نسترجع مع عدد من الإعلاميين والإعلاميات أبرز محطاتهم الدراسية، وما تركته من بصمات إنسانية ومهنية لازالت حاضرة فى حياتهم حتى اليوم. فى البداية تسترجع الإعلامية نانسى إبراهيم أيام الدراسة بملامح يملؤها الحنين، فتروى كيف غرسَت مدرسة اللغات التى التحقت بها معنى الانضباط والالتزام، حيث كانت كل تفصيلة ــ من المظهر إلى التسريحة والزى ــ لها أهميتها الخاصة. تقول نانسى إنها اعتادت تجهيز ملابسها من الليلة السابقة، مكوية ومرتبة بعناية استعداداً ليوم دراسى مثالى، بينما كان الشراب الأبيض بدانتيل يمنح زيها المدرسى لمسة من الأناقة. كانت نانسى من الطالبات المتفوقات، غالباً الأولى وأحياناً الثانية أو الثالثة، فيما كانت والدتها تضيف لمسة جمالية على تسريحة شعرها باستخدام توك ملونة وأنيقة، وتضحك وهى تتذكر فرحتها باقتناء الأقلام المزخرفة بشخصيات الكرتون الشهيرة، والجلاد اللامع المزين برسومات «توم وجيري» و«سندريلا». وتضيف: أساتذتى كان لهم أثر لا يمحى فى حياتى، وأولهم أستاذة نجوى عويس فى الحضانة، التى غرست داخلى حب الدراسة، ثم معلم الجغرافيا فى المرحلة الإعدادية، مروراً ببابا مجدى، مدير المدرسة الصارم الذى كان صارماً مع المشاغبين لكنه يغدق علي الحلوى ويعاملنى بمحبة واحترام. وتؤكد نانسى أن تلك السنوات تركت بصمة خالدة فى شخصيتها ومسيرتها، ممزوجة بالامتنان لكل من شارك فى صنع رحلتها الدراسية وما تخللها من تفوق وإبداع. بهجة مقعد الدراسة يقول الإعلامى حاتم حيدر مسترجعاً ذكريات الطفولة والدراسة: تلك المرحلة من حياتى كانت من أجمل الفترات التى عشتها، فقد كانت أياماً تزخر بالبهجة والحيوية، وتفيض بالتفاؤل والحماس، كانت لحظات الاستعداد للمدرسة تحمل طقساً محبباً لا أنساه، إذ اعتدت أن ترافقنى والدتى فى رحلة شراء الزى المدرسى والأدوات، وكان لذلك سحر خاص، فما زلت أذكر رائحة الأقلام الرصاص، والأستيكة، والمقلمة الصغيرة، والشنطة الجلدية الثقيلة التى حملت بين طياتها ذكريات لا تمحى. ويضيف: كان الجدول المدرسى بمثابة كنز يومى، وكانت الكراريس المزينة بألوان زاهية تمنح لكل مادة خصوصيتها، وفى المساء كان البيت يتهيأ لليوم الدراسى الجديد على إيقاع نشرة التاسعة بالتليفزيون، إيذاناً بالنوم المبكر، لنستيقظ فى الصباح باندفاع وهمة نحو المدرسة. ويكمل: الأنشطة الرياضية كانت جزءاً لا يتجزأ من حياتي؛ مارست السباحة وكرة الماء والكرة الطائرة، وانضممت إلى فريق المدرسين الفرنسيين، كما كانت الإذاعة المدرسية تضفى على يومنا الدراسى بهجة خاصة بأغنياتها العربية والإنجليزية، ولا أنسى فضل أساتذتى، وعلى رأسهم الدكتور محمد عبدالمطلب، الذى لم يكن مجرد مدير للمدرسة، بل قدوة ومعلم حياة؛ علمنا الاحترام والاعتزاز بالعادات المصرية الأصيلة، وكان حضوره فى الفصل يفرض هيبة ممزوجة بالتقدير، لا بالخوف من العقاب. ويستطرد: كما كان لوالدتى، المتخصصة فى اللغة الفرنسية، فضل كبير فى أن أتقن تلك اللغة، وأذكر أيضاً ولعى بمادة الزراعة وحلمى فى طفولتى أن أصبح طبيباً بيطرياً أو أن أدرس الزراعة، غير أن الأقدار قادتنى إلى دراسة الأدب الفرنسى بجامعة القاهرة، أما الكيمياء فلم تكن قريبة إلى قلبى لصعوبتها وتعقيداتها، فى حين وجدت فى الهندسة جمالاً ومعنى، وما زلت حتى اليوم على تواصل مع عدد من أساتذتى وزملائى الذين أفتخر بمتابعتهم لى، ولا أنسى مرحلة الثانوية التى شكلت منعطفاً مهماً فى حياتي؛ كنت أنتظر يوم الخميس بشغف لأذهب مع أصدقائى إلى السينما، نذهب صباحاً إلى المدرسة ثم إلى التمرين بعد الظهر، كنت شاباً مفعماً بالحيوية، تمتزج شقاوتى باللباقة والاحترام، فلا أؤذى أحداً ولا أتجاوز حدود الأدب. خطوات نحو الميكروفون تسترجع الإعلامية دعاء حجاب ذكرياتها المدرسية بابتسامة دافئة، واصفة إياها بأنها مرحلة غنية بالجمال والبساطة، فتقول: تلك الأيام كانت مليئة بالجمال والبساطة، أذكر أننى قضيت فترة قريبة من منزل زوج أختى الحالى، الذى حاول التقرب منها من خلالى، ونجح فى النهاية أن يتزوجها. وتضحك مضيفة: فى تلك المرحلة كنت أتميز بقصة شعرى القصيرة «جرسون» التى سهلت حياتى وأضفت لمسة من الأناقة على مظهرى، أنا ووالدتى كنا نهتم بالتفاصيل الدقيقة؛ ملابسى، مظهرى، وحتى دراستى التى كانت فى مقدمة أولوياتها. وتتابع: أجمل لحظاتى كانت التمشية من المدرسة للبيت، أشترى النوجة من مصروفى، وأمرح مع صديقاتى، رغم أن ذلك كان يتسبب فى عودتى متأخرة، وبعد مفاوضات طويلة مع والدتى اتفقنا على أن يكون يوم الخميس فقط مخصصاً للتمشية، لكن شغفى بالنوجة ظل حاضراً يومياً. وتبتسم متذكرة: حتى إننى لعبت كرة القدم مع الأولاد مرة، وكانت تجربة مليئة بالحيوية، لكن الحدث الأبرز فى حياتى المدرسية كان حين اكتشف أستاذ اللغة العربية، حسام، صوتى وإمكاناتى الإذاعية، فشجعنى على دخول الإذاعة المدرسية، ورغم خوفى فى البداية إلا أنه منحنى فرصة ثانية ووثق فى قدراتى، فكانت انطلاقتى الحقيقية نحو حلم الميكروفون. وتضيف: من الإعدادى وحتى الثانوية كنت ضمن فصول المتفوقين، وبرز شغفى باللغة العربية بشكل خاص، ولا أنسى يوم زارنا موجه الرياضيات وظن أننى لا أنتمى لفصل المتفوقين، لكنه انبهر بتنظيم كشكولى ورسوماتى الدقيقة، بل اختبرنى شفوياً ونجحت بامتياز، وقتها أدرك الجميع أننى لست أنيقة فقط، بل متفوقة وذكية أيضاً. وتختم حديثها، قائلة: كنت من الأوائل فى الثانوية العامة والتحقت بكلية الإعلام، الحلم الذى رافقنى منذ الصغر، وما زالت علاقتى بأساتذتى قوية حتى اليوم، وعلى رأسهم الدكتورة هويدا مصطفى والدكتور عادل عبدالغفار، المشرفان فى الماجستير والدكتوراه. ذكريات تصنع الشغف وتقول الإعلامية هاجر جميل بهدوء ممزوج بابتسامة: ذكرياتى الدراسية مليئة بالحب والامتنان، فما زلت على تواصل حتى اليوم مع أستاذتى مها، معلمة اللغة العربية وابنة البطل جمعة الشوان، والدى ووالدتى كان لهما أثر بالغ فى حياتي؛ فهما معلمان، وهذا منح تجربتى الدراسية طابعاً مختلفاً، فكان والدى يدرس لى الفلسفة وعلم النفس فى الثانوية، وهما من أحب المواد إلى قلبى، ولم يكن يدللنى أبداً، بل عاملنى كأى طالبة، أما والدتى، فكانت رئيسة قسم اللغة العربية، ورغم أنها لم تدرس لى فى المدرسة، فإننى كنت أواظب على المذاكرة معها فى البيت، فازداد عشقى للغة العربية. وتضيف مبتسمة: لم يقتصر شغفى على اللغة العربية والفلسفة، بل أحببت اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وكذلك التدبير المنزلى، خاصة قسم الطبخ، ولا أنسى تأثير شخصيات رائعة مثل د. سهير عثمان وأمانى فهمى من كلية الإعلام، بجانب صديقتى المقربة دعاء. وتتذكر ضاحكة: مرة واحدة فقط قررت الهروب من المدرسة مع زميلاتى عبر الباب الخلفى، لكن لسوء حظى أوقفتنى مدرسة التاريخ وأعادتنى وحدى، بينما خرجت الأخريات بسلام، كانت هذه المرة الأولى والأخيرة، فأنا فى الأصل كنت طالبة ملتزمة وشاطرة. وتتابع: منذ الإعدادية حددت حلمى بوضوح: أن أصبح إعلامية؛ لذلك اشتركت فى الإذاعة المدرسية والكورال والتمثيل والاستعراضات، وكنت أتصور أن الراديو غرفة يدخلها المذيعون ليقدموا برامجهم، وكنت أقول لنفسي: سأدخل هذه الغرفة يوماً ما. وتختم بابتسامة دافئة: لا أنسى بهجة أول يوم دراسة، كنت أجهز أدواتى وملابسى من الليلة السابقة وكأنه يوم عيد، ثم تبدأ معنا فى البيت حفلة تجليد الكراريس، بخط أمى المميز وهى تكتب أسماءنا على التيكت، تفاصيل صغيرة لكنها صنعت ذكريات كبيرة، وأكدت لى أن شغفى بالإعلام ليس مجرد حلم عابر بل قدر اخترته بوعى منذ طفولتى.