في استمرار للحراك الدولي الواسع بشأن القضية الفلسطينية، والاعترافات بالدولة الفلسطينية المستقلة، يعقد اليوم في نيويورك مؤتمر حل الدولتين، والذي يقام برئاسة مشتركة بين فرنسا والمملكة العربية السعودية، وتشارك فيه مصر بوفد يرأسه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء وبمشاركة عدد كبير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلى جانب منظمات دولية وإقليمية.
ويستهدف المؤتمر التأكيد على حل الدولتين، دعم مسار الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وذلك بعدما أعلن في يوليو الماضي إعلان نيويورك، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 سبتمبر الجاري، والذي يؤيد الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتعزيز حل الدولتين لتحقيق التسوية السلمية لقضية فلسطين.
واعترفت أمس 4 دول بالدولة الفلسطينية رسميًا، وهي بريطانيا وأستراليا والبرتغالي وكندا، فيما تعتزم دول أخرى اتخاذ هذه الخطوة اليوم، وعلى رأسها فرنسا وعدة دول أخرى منها بلجيكا وأندورا ولوكسمبورج ومالطا وسان مارينو.
دعم لسيادة الدولة الفلسطينية
ويقول السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن المؤتمر حلقة من سلسلة بدأت بالمبادرة السعودية الفرنسية الداعية إلى إقامة المؤتمر بشأن حل الدولتين، وصدر قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يتبنى البيان المؤيد لهذا الحل، مؤكدا أن يشكّل خطوة إيجابية وبنّاءة نحو اعتراف عدد أكبر من الدول بدولة فلسطين، بما يعزز من تثبيت هذا الاعتراف على الساحة الدولية.
وأوضح حليمة، في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن التحرك الحالي يُؤكد على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ويمثل دعماً لسيادة الدولة الفلسطينية، موضحا أن تصويت أكثر من 142 دولة لصالح هذا التوجه في المؤتمر في مقابل عدد قليل من الدول الرافضة لا يتجاوز العشرة يُعدّ بحد ذاته دليلا على أن هناك زخماً دولياً متزايداً تجاه الاعتراف بفلسطين.
وشدد على أن هذا الحراك يعكس أيضاً موقف المجتمع الدولي الذي يرى أن له الحق في تأكيد دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما سيشكل تحدياً للسياسات الإسرائيلية وللولايات المتحدة التي تدعمها، إذ أن معارضتهما لإقامة الدولة الفلسطينية تضعهما في مواجهة مع الإرادة الدولية، وتؤثر على مصداقيتهما، خصوصاً عندما يظهر أنهما يخالفان القوانين والمعاهدات الدولية ذات الصلة.
ولفت إلى أن إسرائيل، في ظل سياساتها الراهنة، تعتبر دولة خارجة عن القانون الدولي، وهذا الوصف يمكن أن ينطبق أيضاً على الإدارة الأمريكية التي توفر لها الحماية والدعم، فممارسات إسرائيل، التي تشمل الإبادة الجماعية في قطاع غزة والقتل والتدمير المستمر لما يقارب من عامين، وتُعدّ شكلاً من أشكال إرهاب الدولة، في وقت تستفيد فيه من مظلة الأمم المتحدة ومنظومة العدالة الدولية، ما يُبرز تناقضاً صارخاً.
وأكد صلاح حليمة أنه من الضروري أن يكون هناك محاسبة وعقاب على مثل هذه الممارسات، إذ لا يمكن للولايات المتحدة وإسرائيل أن تستمرا في فرض منطق القوة بعيداً عن القوانين الدولية وحقوق الشعوب، مشيرا إلى أن هذه المواجهة يجب أن تنتهي بإقرار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة.
الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين
ومن جانبه، قال السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إنه في الوقت الحالي، العالم يشهد تحركًا متزايدًا نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتبنّي حل الدولتين، وهو بمثابة نجاح دبلوماسي يفوق التوقعات، إلى جانب نجاحات قانونية واقتصادية لافتة.
وأضاف في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن المطالبة بحل الدولتين لا تعني بالضرورة أنه حل موجه لصالح الفلسطينيين فقط، بل في الواقع يخدم مصلحة إسرائيل أيضًا، فمن يطالبون بحل الدولتين يراعون مصلحة الطرفين – الفلسطيني والإسرائيلي، مؤكدا أن ما نشهده الآن هو تطور ملموس نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية كواقع فعلي، حيث بدأت العديد من الدول، مثل بريطانيا – التي كانت وراء "وعد بلفور" المؤسس لإسرائيل – وفرنسا وأستراليا وغيرها، تعترف بها رسميًا، وهو ما يُعد خطوة مهمة في سبيل الحدّ من المأساة الإنسانية الجارية، في الأراضي المحتلة، وخاصة في غزة الذي يعاني من جرائم الإبادة والعدوان الإسرائيلي.
ولفت إلى أن هناك تحفظ جوهري يتمثل في أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لن يقبل بأي شكل من أشكال هذا الطرح، وقال إنه لن تقام الدولة الفلسطينية، وخاصة أن إسرائيل لم تنفذ يومًا أي قرار صادر عن الأمم المتحدة، ولن تلتزم بقرارات صادرة عن مؤتمر دولي، مؤكدا أنه طالما نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية فلن يلتزم بأي قرارات دولية، خاصة أنه مطلوب للعدالة الدولية، وصادر بحقه أحكام، ومن المفترض أن يُعتقل فور خروجه من بلده.
ولفت إلى أن نتنياهو داخل إسرائيل نفسها، هناك مطالبات بمحاكمته، إلا أن توليه رئاسة الوزراء حاليا يحول دون ذلك، مشددا على أهمية استمرار الحل القانوني والبحث عن حلول عادلة وسلمية للقضية الفلسطينية، أملا في الوصول إلى حل جذري يُنهي هذا الصراع، ولكن الأمر يحتاج إلى نفس طويل وثقة من الرأي العام في قدرته على التأثير، لكن هذا المؤتمر يُمثل إضافة مهمة إلى كافة الجهود المبذولة نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية.