الثلاثاء 7 اكتوبر 2025

ثقافة

ندوة عرض «عصا موسى» بمهرجان مسرح الهواة 21.. إشادة بالممثلين والمخرج يقع في فخ النوستالجيا

  • 6-10-2025 | 19:11

عرض عصا موسى

طباعة
  • همت مصطفى

أقام مهرجان مسرح الهواة للدورة الـ 21، «دورة الكاتب والفنان الكبير الراحل نجيب سرور»، والذي نظمته الهيئة العامة لقصور الثقافة، ندوات تعقيبية نقدية للعروض المسرحية المشاركة.

وفي أولى ندوات المهرجان كانت للعرض المسرحي «عصا موسى» تأليف رضا عواد وإخراج محمد مصطفى.

وشارك في مناقشة العرض المؤلف والشاعر دكتور طارق عمار، والفنان هاني كمال والناقد أحمد خميس مشاركًا ومديرًا للندوة وفريق العرض
سؤال العرض.. من يرث عصا موسى؟
استهل الناقد أحمد خميس الحديث وقال:«إن ما أسعدني حقًا هو أن فريق العرض كله بدا مقتنعًا تمامًا بالفكرة التي يدور حولها النص، وهي عميقة وكبيرة تستحق التوقف عندها، فالعرض يناقش سؤالًا محوريًا: من يرث عصا موسى؟ أي من يرث سلطة الرجل المتشدد، المتمسك بالعادات والتقاليد الموروثة دون أن يراجعها أو يُخضعها للتفكير والمراجعة، هذا الرجل الذي أسّس أسرة كان يُفترض بها أن تكون معتدلة، منفتحة على التغيرات، قادرة على التوازن بين الماضي والحاضر، لكنها ظلت أسيرة الجمود.
تقاليد جامدة وشخصيات متباينة
وتابع «خميس»: «والعرض يقدّم مجموعة من الشخصيات باتجاهات فكرية متباينة وهم موسى وأبنائه، الأول «ريان» والذي زهد عن الدنيا وانصرف عنها بالتصوف، فغرق في عوالم روحية بعيدة عن الواقع، والابن الثاني "صالح" المتعلم، الساعي إلى تفكيك الأفكار القديمة وفهم والده وأسرته في ضوء التغيرات الزمنية، مؤمنًا بأننا بحاجة إلى طريقة تفكير جديدة، والابن الثالث «فضل» الطامع في السلطة، المؤمن أن الأحقية في وراثة العصا ليست بالسن أو الحكمة بل بالقوة، والبنت الصغيرة القريبة جدا من قلب أبيها، رمز النقاء والبراءة، لكنها عندما اصطدمت بالتقاليد الجامدة لفظها الأب قائلًا: "أنا ابن العادات"، فاعتبرها عبئًا يجب التخلص منه.

البناء الجمالي تقليدي
وأوضح"خميس" جاءت الأحداث الدرامية تقليدية إلى حد ما، وتخللتها أغانٍ لا تنبع من وعي الشخصيات الدرامية، وكل أغنية حاولت أن تعبر عن موقف فقط، لكن في النهاية انتهت الأسرة كلها إلى الدمار، فالأب مات من صدمة الأحداث، الابن المتصوف انتهى إلى الجنون والعزلة، والابن المتعلم غادر القرية، رافضًا واقعها، الابن الطامع في السلطة قُتل على يد الطبيب البيطري انتقامًا لزوجته، والنهاية جاءت صادمة وقاسية، وكأن النص يقول لنا إن التشدد والجمود يؤديان إلى انهيار الأسرة والمجتمع معًا.
أحمد خميس: كان يفضل اختيار موسيقى وأغنيات جديدة تعبّر مباشرة عن الفكرة وتضيف بعدًا فنّيًا مختلفًا
وأضاف «خميس»: اعتمد العرض على موروث شعبي وأغانٍ معروفة مثل «بيبة» من الفيلم الشهير «عرق البلح» للمخرج الكبير رضوان الكاشف، و«احجل بعيد يا موت» للفنانة دينا الوديدي، وهي أغانٍ سمعناها من قبل في أعمال فنية أخرى، مما جعلها مألوفة لدى المتلقي، وأرى أنه كان من الأفضل اختيار أغنيات جديدة تعبّر مباشرة عن الفكرة وتضيف بعدًا فنّيًا مختلفًا؟ 
واختتم: "المؤلف رضا عواد حاول أن يطرح سؤالًا عن أثر العادات والتقاليد، وكيف يمكن أن تتحول من رافعة للمجتمع إلى عبء يهدده إذا جُمّدت خارج سياقها، و الفكرة تستحق التقدير، والتقديم بالمسرح لكن على المستوى الجمالي، كان يمكن أن نذهب إلى رؤية إخراجية أكثر عمقًا وحداثة، خاصة أننا في عام 2025، أي في زمن تجاوز الكثير من القوالب التقليدية، ولدينا إرث كبير في النصوص المسرحية التي تناولت هذه القضايا كان على المؤلف أن يتبه إليها وهو يكتب أفكاره، و يجعلها كمرجعية له.
والخلاصة أن العرض قدّم قضية تستحق، لكنه وقع في فخ التقليدية في البناء الجمالي للمشهد المسرحي وتوظيف كافة عناصر العرض التي جاءت متباعدة عن بعضها البعض، ومع ذلك، يبقى طرح
فكرة «وراثة عصا موسى» جديرًا بالمناقشة والبحث، لأنه يعكس صراعنا المستمر بين الماضي والمستقبل، بين الجمود والتجدد.
لماذا يختار المخرج النص المسرحي
وفي بداية كلمته تساءل دكتور طارق عمار عن سبب اختيار المخرج للنص الذي سيقرر تقديمه، وأجاب: «إما لأن قضية النص وأفكاره تمس وتشغل وتؤرق بال المخرج، أو لأنه يرى في النص صورًا مسرحية أمام عينيه تدفعه لتقديمها، ولا يجب أن يكون هناك سببًا غير ذلك
الطرح الفني الجديد
وتابع "عمار" إن مؤلف عرض الليلة لديه أزمة كبرى في بناء النص المسرحي، بدءًا من اختياره العنوان «عصا موسى»، الذي كان فخًا كبيرًا وقع فيه العرض، وأشار "عمار" لقصة عصا النبي موسى "عليه السلام" الراسخة في الأذهان من التراث الديني، والتي انتصر فيها الخير على الشر بينما ما أحدثه النص رؤية عكسية، لم يفلح العرض في تقديم صورة درامية واضحة للطرح مما خلف ضعفًا كبيرًا بالتصاعد الدرامي وفي خلق وبناء الشخصيات، والوقوع في فخ استدعاء «النوستالجيا»، إذ لجأ إلى استخدام مقاطع موسيقية وعبارات مرتبطة في الذاكرة بأعمال فنية أخرى، واستخدام اسم "موسى" ذاته هذا الإقحام أحال الجمهور تلقائيًا إلى مرجعيات سابقة بعيدة عن فكرة العرض، ما أضعف تركيزه ويبدو أن المخرج اعتمد على ماهو متاح أمامه دون حساب دقيق لمدى ملاءمته للطرح الفني الجديد.

تدريب الممثلين مهمة المخرج
وتابع «عمار» و أتوقف عند ما يتعلّق برسم خطوط الحركة للشخصيات، لقد جاء تحريك الممثلين متسقًا إلى حد كبير مع طبيعة كل شخصية، وهذا أمر يُحسب للمخرج، لكنها تقليدية وغير مناسبة مع جغرافية وخصوصية مكان الأحداث، والمشكلة تكمن في أنّ هذه ليست مهمة المخرج الأساسية؛ فليس مطلوبًا منه أن يكتفي بضبط الحركة الخارجية فقط، بل أن يُدرّب الممثل على بناء دوافعه الداخلية وصياغة أدائه بما يحقق الانسجام المطلوب.
طارق عمار: أزمة بناء الشخصيات ودوافعها لتحريك الأحداث 
واستكمل«عمار» لقد بدا واضحًا أنّ كل ممثل قدّم شخصيته بطريقته الخاصة، مما أظهر فروقًا ملحوظة في الأداء، والمثال الأوضح هو التباين بين من جسّد شخصية «فضل»، ومن جسّد شخصية« موسى، فكلاهما قدّم أداءً جيدًا على طريقته، لكن الفجوة بينهما أضعفت الانسجام الداخلي للعرض، وكان من الضروري أن يُقَرّب المخرج بين هذين المستويين من الأداء، بحيث تكتمل لدى المتلقي صورة منطقية لدوافع «موسى»، خاصة في مسألة رفضه منح العصا لابنه، فلو رأى الأبُ في ابنه نسخة كاملة من نفسه، لكان خوفه من تلك النسخة أكثر منطقية، ولأصبح قراره بعدم منحه العصا أكثر إقناعًا دراميًا».
غياب الانسجام والتواصل
وأضاف: إن غياب التواصل الكبير «الكيمياء» بين الممثلين جعل بعض اللحظات تبدو مفتقدة للتماسك، على الرغْم تميز كل ممثل وحده، ومن هنا أؤكد أن المخرج يمتلك دائمًا صَلاحِيَة مراجعة العرض حتى آخر لحظة قبل فتح الستار، بل من حقه إيقاف العرض إذا رأى أنّه غير جاهز أو لم يصل بعد إلى المستوى الذي يُرضيه.
الحكم الحقيقي هو الجمهور
وأكد «عمار» نحن جميعًا نعمل في المسرح وندرك أنّه فنّ يقوم على الترفيه والتفكير معًا، وليس المطلوب أن يفهم الجمهور كل شيء بشكل مباشر، بل أن يغادر المسرح وهو يحمل شيئًا: ضحكة، دمعة، أو حتى فكرة تشغله،  لذلك، عندما نفتح الستار، يظلّ الحكم الحقيقي هو الجمهور، فهو مرآتنا التي نُراجع من خلالها ما قدّمناه.
وأخيرًا، لا يسعني إلا أن أُشيد بالجهد المبذول من فريق العرض جميعًا، وأقول: «النقد ليس غاية في ذاته، لكنه وسيلة للتطوير، وما نطرحه هنا إنما هو دعوة لأن يكون العرض القادم أكثر تماسكًا وعمقًا من العرض الحالي، أنتم تحبون المسرح، ونُدرك ذلك من إخلاصكم، فلا تتركوه، وواصلوا العمل، فالمسرح لا ينهض إلا بالجهد والمثابرة».

هاني كمال: النقد قاسيًا أحيانًا لكنه ضروري للتقدم والتطور
وفي كلمته قال الفنان هاني كمال: سعيد جدًا بوجودي معكم اليوم، وأود أن أؤكد أن وجودنا هنا من أجل أبنائنا، فأنتم الأمل والطاقة التي ننتظرها، و مشكلتنا الكبرى ليست في غياب المواهب، بل في غياب النقد المتخصص الذي يوجه هذه المواهب لتتطور؛ فالتصفيق وحده لا يكفي، إنما الاستماع إلى النقد هو ما يمنح الفنان وعيًا جديدًا ويجعله أكثر استعدادًا للعرض القادم.
وتابع«كمال» لقد تعلمنا نحن أنفسنا من النقاد الكبار، وما زلنا نتعلم حتى اليوم، لأن رأيهم الصادق يفتح أمامنا الطريق ويضيء مناطق لم نكن نراها؛ لذا أنصحكم ألّا تقعوا في فخ الاكتفاء بكلمة «برافو» والتصفيق الكثير، بل استمعوا جيدًا، وافهموا أن النقد قد يكون قاسيًا أحيانًا لكنه ضروري لتقدمكم.

دراما مكتوبة بعجلة مليئة بالمونولوجات الزائدة
وتابع «كمال»: أؤكد أن المخرج هو المسئول الأول عن العرض من البداية حتى تحية الختام، وفي اليوم، غابت وحدة الموضوع، وظهر تفاوت في اللهجات والأداء، حتى بدا بعض الممثلين وكأنهم يؤدون دراما تليفزيونية أكثر من كونها مسرحية، والنص نفسه لم يكن مسرحيًا خالصًا، بل أقرب إلى دراما مكتوبة بعجلة، مليئة بالمونولوجات الزائدة، مما أضعف الإيقاع العام وأطال زمن العرض بلا مبرر، وبعض العناصر التقنية أضرّت بالعرض: الإضاءة الموجهة من الخلف أزعجت المتلقي، ووجود عناصر كرتونية سطحية على الخشبة أضعف من جدية القضية المطروحة، حتى أداء بعض الشخصيات اعتمد على الصوت وحده دون تنويع، ففقدت العمق الداخلي، و العرض حمل محاولات جادة، لكنه افتقد الانسجام في الأداء، وحدة الموضوع، وضبط الإيقاع العام، وهي مسئولية المخرج في المقام الأول.
قدرات واعدة تبشّر بالكثير 
واختتم« كمال» ما لفتني هو طاقات الممثلين والممثلات، فقد شهدنا  قدرات واعدة تبشّر بالكثير، لكن المشكلة أن كل ممثل عمل بمعزل عن زميله، فلم يتشكل الانسجام الجماعي المطلوب، كان يمكن للمخرج أن يوظف هذه الطاقات بشكل أوثق ليحقق وحدة الأداء.
وفي النهاية، رسالتي لكم: أنتم جيل المستقبل، ونحن هنا لنقف بجانبكم لا لنحاكمكم، اعملوا، استمعوا، وتعلموا، فالمسرح لا ينهض إلا بالحب والإصرار.

 

فريق العرض المسرحي «عصا موسى»

العرض المسرحي «عصا موسى»، لفرقة البسمة لخدمات المعاقين والأيتام وتنمية المجتمع.

تأليف رضا عواد وإخراج محمد مصطفى

«عصا موسى» بطولة: أنس عماد الدين، عبد الله رفعت، ندى طلعت، سيف مرسي، هنا أمين، منير سيد، منة توفيق، عاصم ترك، عصفورة، محمد مغازي، وصفا الهلالي.

ماكياج وملابس محمد شاكر، مؤلف موسيقى صفا الهلالي، منفذو الديكور منة ناصر، ميادة محمد، حبيبة محمد، روضة منصور، شهد شمس، نورهان مصطفى، مساعدو الإخراج نور سيد، رودينا، منة ناصر، زياد، ومخرج منفذ أدهم صفوت.

 

 
 
 
 
 
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة